مجلة الرسالة/العدد 51/إسحاق نيوتن
2 - إسحاق نيوتن1642 - 1727 مجلة الرسالة/العدد 51/إسحاق نيوتن للأستاذ مصطفى محمود حافظ رجوعه إلى كامبردج: تركنا نيوتن في مقالنا السابق يغادر مزرعته ذاهباً إلى كامبردج للمرة الثانية، بعد أن احتجزه الطاعون مدة سنتين بعيداً عن مكتبة الجامعة ومعاملها، مما كان سبباً مباشراً في عدم ظهور قانون الجذب العام في هذه الفترة، وظهر متأخراً بين عاصفة من المناقشات والأحقاد نال الأستاذية بعد سنة من رجوعه، ثم اختارته الكلية زميلاً وقد كان لهذه الزمالة فوق ميزة الشرف ميزة أخرى مادية كان نيوتن في اشد الحاجة إليها في ذلك الوقت الذي لم يكن له فيه من مورد سوى ما كانت توفره له أمه من دخلها الصغير. اشتغل نيوتن بإتمام صنع تلسكوبه العاكس الصغير وكان طوله ست بوصات، وتمكن بواسطته من رؤية المشتري وأربعة من أقماره (المشترى له تسعة أقمار). ولكنه كان يعمل دائماً على تحسين هذا التلسكوب العاكس. وكان عدا اشتغاله بإجراء التجارب الكيميائية يقوم بمساعدة أستاذه (إسحاق بارو) في إعداد محاضراته في الرياضة، وقد ساعده أيضاً في تصحيح محاضراته الضوئية، ولكنه لم يجرؤ على أن يخطئ أستاذه فيما كان يعتقد في طبيعة الضوء الأبيض على أساس ما وصل إليه هو من تجربة المنشور الثلاثي وفي سنة 1669 غادر الأستاذ (بارو) كامبردج تاركا كرسيه في الجامعة مرشحاً خلفاً له فيه إسحاق نيوتن الشاب، وقد عين فيه، فكان يحاضر في البصريات والجاذبية وعلم الجبر، ولكنه ظل يعني بأبحاثه العلمية وإصلاح تلسكوبه الأول. الجمعية الملكية بلندن وعضوية فيها: نشأت هذه الجمعية في سنة 1645 من نفر من ذوي الميول الفلسفية، كانوا يجتمعون في مواعيد معينه في لندن في كلية (جراشام). وفي سنة 1660 بلغ عدد أعضائها 41 عضواً واتفقوا على ان يدفع العضو عشرة شلنات رسما للدخول في الجمعية وشلناً أسبوعيا قيمة الاشتراك فيها. وقد ساعد الملك (تشارل الثاني) هذه الجماعة لميله إلى العلوم وفي سنة 1661 اصبح عضواً في هذه الجمعية الناشئة التي سميت الجمعية الملكية. ولما أتم نيوتن صنع تلكسوبه الثاني في سنة 1671 آثار به اهتماماً كبيراً، ونصح له أن يقدمه إلى الجمعية الملكية، ففعل، ولا تزال تحتفظ به الجمعية إلى الآن. وقد انتخب عضواً فيها في يناير سنة 1672 فكان أول ما قدمه إليها رسالة عن طبيعة الضوء الأبيض، فكانت أول حلقة في سلسلة المتاعب التي لازمته طول حياته. لقد كانت نظرية نيوتن تقول بان الضوء الأبيض ليس في الواقع إلا عدة ألوان تؤثر كلها في شبكية العين فتعطي تأثير اللون الابيض، ويمكن تفريق اللون الأبيض إلى هذه الألوان المتعددة بإمراره في منشور ثلاثي من الزجاج مثلاً. ولكنه اخطأ واعتبر أن مقدار الانكسار لا يتغير لكل من مكونات الضوء الأبيض غير ملاحظ ما يسببه اختلاف نوع الزجاج المستعمل في تغير هذا المقدار. عارضه في ذلك من معاصريه العالم (روبرت هوك) الذي ظل منافساً قوياً له فيما بعد، والفيلسوف الهولندي (كرستيان هيجز) صاحب النظرية الموجية في الضوء، والفلكي المشهور (فلامستيد). كما عارض فكرته من غير معاصريه الشاعر الألماني العظيم (جوت) رغم قصر باعه في العلوم الطبيعية. نظرية نيوتن في ماهية الضوء وقد جر الجدال حول هذه النقطة نيوتن إلى أن يضيع بضع نظريته في الطبيعة الضوء، وهي نظرية (الدقائق) التي قضت على النظرية الموجية بالاختفاء قرناً كاملاً. قال نيوتن في تفسير الضوء انه عبارة عن (دقائق) صغيرة تنطلق من الجسم المضيء وتسير بسرعة كبيرة في خطوط مستقيمة، وقد فسر على هذا الأساس ظاهرتي (الانعكاس) و (الانكسار) وذلك بأن رأى لدقائقه أطواراً تجعلها تنعكس مرة وتنكسر أخرى. وقد شرح على أساس هذه النظرية كل الظواهر الضوئية التي كانت معروفة في عصره كالحيود والتداخل بشروح تتراوح بين البساطة والتعقيد وقد دافع نيوتن عن نظريته هذه بكل ما أوتي من ذكاء، فظلت مأخوذاً بها عند اغلب علماء الطبيعة حتى أوائل القرن التاسع عشر، حينما بدأت النتائج العلمية تؤيد النظرية الموجية، فاختفت نظرية نيوتن ولم يعد يؤبه لهامما جعل البعض من المتحيزين إلى نيوتن يقولون انه لم يكن يقصد إلى وضع نظرية كاملة لطبيعة الضوء، إنما كان يقصد الرد على معترضي فكرته في الطبيعة اللون الأبيض فوضع ما يقرب من أن يكون نظرية. ولكن الأبحاث الأخيرة في (نظرية الكم) التي وضعها (بلانك) تكاد تؤيد (دقائق) نيوتن، وهي أن فعلت فان نيوتن يكون قد سبق معاصريه بما يقرب من ثلاثمائة عام. وقد أراد نيوتن أن يثبت علمياً دوران الأرض حول نفسها فأرسل إلى الدكتور هوك، وهو سكرتير الجمعية الملكية في ذلك الوقت، يقترح تجربة لإثبات ذلك، بإلقاء جسم من مكان عال. فإذا كانت الأرض ساكنة فان الجسم يسقط في خطر رأسي، وإلا فانه يحيد عن ذلك الخط بقليل. وقد وافقه هوك ملاحظاً أن ذلك يتوقف على موضع إجراء التجربة على سطح الأرض. ظهور قانون الجذب العام: ذكرنا في المقال السابق أن نيوتن اعرض عن قانون الجذب العام حينما وجد أن العمليات الحسابية الخاصة بحركة القمر لا تتفق مع ما ذهب إليه من أن القمر يتحرك حول الأرض بقوة جاذبيتها له، وكان ذلك الاختلاف راجعاً كما قلنا إلى الخطاء في تقدير نصف الكرة الأرضية، وانه بتجاربه في الكيمياء والبصريات وبإلقاء المحاضرات. ولكن لما وصل إلى الجمعية الملكية نبأ قيام العالم الفرنسي (بيكار) بقياس طول محيط الكرة الأرضية وذلك بقياس المسافة بين كل درجتي طول متتاليتين (69 ميلاً) وضرب ذلك في 360 (عدد درجات الطول) أدرك نيوتن خطأه في تقدير نصف قطر الكرة الأرضية، فرجع إلى كامبردج وأكب على ما ذهب إليه في (وولثورب)، وهو أن قانون الجاذبية هو قانون كوني عام. فالأرض تجذب كل جسم على سطحها بقوة تتناسب طردياً مع حاصل ضرب الكتلتين، وتتناسب عكسياً مع مربع المسافة بينهما. وكذلك الأرض تجذب القمر بنفس هذه القوة. والشمس بدورها تجذب الأرض وبقية الكواكب السيارة، فيتسبب عن ذلك دوران هذه الكواكب حول الشمس بدلاً من انطلاقها في خطوط مستقيمة كما ينص على ذلك قانون القصور الذاتي ولن ينقص من قيمة هذا القانون ما يقول به (اينشتين) من أن الجاذبية شيء نسبي، وأن التفاحة التي لاحظ نيوتن إنها تنجذب إلى الأرض يمكن اعتبارها جاذبة الأرض إليها، وان الشخص الجالس في مصعد يهوي بتأثير ثقله لا يشاهد سقوط التفاحة إلى ارض المصعد أن هو تركها من يده، بل يلاحظ بقاءها معلقة في مكانها، وان ظواهر الجاذبية يمكن تعليلها كلها بفرض تكور الكون؛ لا يمكن أن ينقص كل ذلك من قيمة قانون الجذب العام مادام هذا القانون يفسر لنا جل الظواهر الكونية. ولا صحة مطلقاً للقول الشائع بان (اينشتين) قد هدم نيوتن، فكل ما فعله هو انه نظر إلى قوانين نيوتن من ناحية غير الناحية القديمة. اثبت نيوتن هذا القانون في سنة 1682، ولكنه لم ينشر آراءه خوفاً من حملات النقد التي كان يتحاشاها قدر جهده، وفضل ان تنشر بعد موته: وفي سنة 1683 وصل الدكتور (هوك) ودكتور (هالي) وسير (كرستوفريرن) إلى جزء من قانون نيوتن، وهو أن قوة جذب الأرض تتبع قانون التربيع العكسي وأخذوا يبحثون لإيجاد مسير كوكب متحرك إذا كان منجذباً إلى نقطة معينه بقوة تتناسب عكسياً مع مربع المسافة بينهما، وكان الأمل الذي يجول في قرارة أنفسهم هو إثبات ان حركات الكواكب حول الشمس ترجع إلى ما يشبه قانون الجاذبية على سطح الارض، ولكنهم لم يفلحوا. فوعد سير (كرستوفريرين) بإهداء كتاب قيمته جنيهان لمن يعين هذا المسير، فقال دكتور (هوك) بان هذا المسير سيكون قطعاً ناقصاً ولكنه لم يقدم البرهان على ذلك. فقصد (هالي) إلى كامبردج وعرض الأمر على نيوتن فوجده قد اشتعل بهذه المشكلة وحلها، وأخبره أن هذا المسير يكون قطعاً ناقصاً ووعده بالبرهان بعد قليل. وقد بر نيوتن بوعده فأرسل بالبرهان إلى (هالي) بعد ثلاثة اشهر. ولكن (هالي) أراد التأكد من بعض نقط فرحل مرة أخرى إلى كامبردج، ثم طلب من نيوتن أن يقدم بحثه إلى الجمعية الملكية فوافق بعد إلحاح مصطفى محمود حافظ. مدرس بمدرسة المعلمين بانبابة