مجلة الرسالة/العدد 526/برنارد شو
مجلة الرسالة/العدد 526/برنارد شو
بمناسبة بلوغه السابعة والثمانين
في السادس والعشرين من يوليو يبلغ برنارد شو عامه السابع والثمانين
وقليل من العظماء الذين يتاح لهم أن يعيشوا ليروا أسماءهم ترتفع إلى ذروة الشهرة، وبرنارد شو هو أحد هؤلاء الذين قدر لهم أن يلمسوا شهرتهم العالمية بأنفسهم، فلم تلق مؤلفات كاتب منذ شكسبير إلى الآن ما لقيته مؤلفات شو من الرواج والذيوع. فمؤلفاته تطبع منها الملايين وتمثل على أعظم المسارح وتعرض على الشاشة البيضاء في جميع أنحاء العالم
ويعتبر شو أكبر كاتب وناقد اجتماعي وسياسي وديني. ويمتاز بنظرته النافذة وأسلوبه التهكمي اللاذع وقدرته على مهاجمة النظم القائمة في إقدام وجرأة
ولد جورج برنارد شو في دبلن في أيرلندا في السادس والعشرين من يوليو عام 1856. وكان والده سكيراً لم يصادف في عمله حظاً ولا توفيقاً
ولما كان شو الصغير في الحادية عشرة أرسله والده إلى مدرسة ابتدائية في دبلن، فلم يظهر هو الآخر نبوغاً ولا تفوقاً، بل كان كما قال أرشيبلد هندرسون مصدر قلق ومتاعب لمدرسيه وشغلاً لزملائه عن الدرس، إذ كانوا يفضلون الانقطاع لسماع ما يرويه لهم من القصص على الانتباه إلى مدرسيهم
وكانت أمه - التي أخذ عنها ابنها الشيء الكثير - ذات خلق كريم وثقافة عالية، تهوى الموسيقى، وكان بيتها ومزاراً لكبار الموسيقيين في ذلك العصر وعلى رأسهم (جورج جون فاندليرلي) وكانت نشأة شو في هذا الوسط سبباً في اكتسابه كثيراً من المعلومات في هذا الفن وهيأت له جواً من الجمال والخيال
ولما بلغ شو العشرين من عمره رحل إلى لندن حيث قضى الأعوام الستة التالية في عوز وفاقة، وأوشك أن يغلب عليه اليأس، وكاد أمله في الكتاب يتحطم إذ لم يربح من إنتاجه الأدبي طوال هذه المدة سوى جنيهات معدودة
ولما كان في السادسة والعشرين استمع إلى محاضرة ألقاها الاقتصادي الكبير هنري جورج عن الملكية الزراعية بين فيها رأيه في مشاكل العالم الاجتماعية وقال إن الحل الجيد لهذه المشاكل ينحصر في جعل الأرض ملكا مشاعاً للجميع، بينما تبقى رؤوس الأموال الأخرى في يد الأفراد. فراقت شو هذه الآراء وقرر اعتناقها، ولكن ذلك لم يدم طويلاً بل تغير حين قرأ شو كتاب كارل ماركس عن الاشتراكية والرأسمالية وقد تأثر شو بهذه الآراء إلى حد جعله يقول إن كتاب كارل ماركس هو الزي الذي خلق مني رجلاً
وما حل عام 1894 حتى كانت شهرة شو قد ذاعت، فقد أضحى بعد هذا التاريخ كاتباً قصصياً يطلع برواياته على الجمهور مصدرة بمقدمات تتضمن آراء في المسائل السياسية والاجتماعية. وإذا كانت هذه المقدمات لا تتصل في الغالب بموضوع الرواية التي تتصدرها فإنها كانت لا تقل عنها قيمة إن لم تفقها
وفي عام 1898 وهو في الثانية والأربعين من عمرهن أصيب بجرح بليغ في قدمه. وقد سهرت عليه أثناء مرضه سيدة ايرلندية، وهيأت له جواً هادئاً ومريحاً، واختصته بالجانب الأكبر من عنايتها واهتمامها. وكانت هذه الراحة والعناية سبباً في أن يطلق شو مهنته السابقة كصحفي ويتفرغ للكتابة. ومنذ ذلك التاريخ كسب شهرته كأكبر ناقد اجتماعي وسياسي وديني، وكأعظم كاتب قصصي
ولنعرض الآن لبعض آرائه
لم يرق شو رؤية الكثيرين يعانون متاعب الفقر في عالم غني بمواده وثرواته، وحاول أن يجد حل لهذه المشكلة علاجاً فرأى في الاشتراكية هذا العلاج
ويقول عنه الأستاذ جود أحد أعضاء جامعة لندن في هذا الصدد: (لقد كان برنارد شو في عام 1914 القائد الذي قادنا تحت لوائه إلى عهد الاشتراكية المنتظر، كما كان اللسان الناطق بآمال من يعتقدون هذه المبادئ)
ولما بدأت الحرب الحالية أخرج شو مؤلفه (الشعور نحو الحرب) الذي حاول أن يفسر الحرب تفسيراً على ضوء الاشتراكية، ويروي أن رؤوس الأموال مكدسة في أيدي الرأسماليين الذين يستغلون بها العمال ويستعبدونهم، فيجب أن توضع تحت رقابة الشعب.
وفي عام 1921 زار شو روسيا السوفيتية وقابل ستالين، فلما عاد إلى إنجلترا أخذ يشيد بهذا الرجل وبرجال حكومته ويقول إنهم قد وقفوا لحل المشاكل التي واجهتهم
هذا طرف من آرائه السياسية. أما آراؤه الاجتماعية فتتلخص في أن ما يواجه العالم من مشاكل يرجع في الأصل إلى النظام الرأسمالية الذي يجعل الكثرة الغالبة في أفراد قلائل يتحكمون في مصيرهم. وهو لا يلقي المسؤولية على عانق الرأسماليين وحدهم، بل يشترك معهم العمال الذين يضعفهم إنشقاقهم وافتراق كامتهم. ولعل رواية (فوق الصخور) خير معبر عن آراءه في هذه الناحية
وفي رواية (مهنة مسز وارن) يحاول أن يصل إلى أن وزر الدعارة وحياة الرذيلة إنما يلحق هؤلاء الذين كانوا سبباً في الفاقة التي تدفع المعدمين إلى مثل هذه الحياة، لأنه إنما يعملون ذلك مدفوعين إليها ومرغمين عليها لكسب قوتهم. ويردد شو دائماً أن (لا جريمة إلا الفقر)
وتحمل كتابات شو كثيراً من المتناقضات، فنراه يعترض على الغبن الذي يقع على العمال، ولكنه في الوقت نفسه يقر هذا الغبن إن كان لمصالح الإمبراطورية البريطانية. ونراه في قضية أيرلندا يقف إلى جانب بريطانيا مع أنه أيرلندي النشأة ومع اعتزازه بها. وبينما يتهم شو الإنجليز ويعيب عليهم عسفهم في مذبحة دنشواي، نراه يعضدهم ويؤازرهم في اضطهادهم للبوير أثناء حرب جنوب إفريقيا
وبرنارد شو مقتنع بأن الكثيرين يخالفون مذاهبه وآراءه ويقفون دونها؛ وفي هذا يقول في إحدى مقدماته: (إذا نطقت بكلمات تافهة تحت تأثير فكرة أو عاطفة سرت في صحف العالم سريان البرق؛ أما إذا قلت خلاف ما يريد الرأسماليون كان صدى قولي صمتاً وسكوناً).
محمد شاهين الجوهري
بكالوريوس في الصحافة