مجلة الرسالة/العدد 528/الصيد في الأدب العربي
مجلة الرسالة/العدد 528/الصيد في الأدب العربي
2 - الصيد في الأدب العربي
للدكتور عبد الوهاب عزام
يصف لبيد صيد بقرة وحشية تخلفت عن القطيع تطلب ولدها وقد أكلته الذئاب، ثم لجأت إلى شجرة مفردة في الرمال في ليلة مظلمة ماطرة. ولما أسفر الصبح شرعت تعدو حائرة، فظلت سبعة أيام حتى يئست من ولدها وقطيعها، فسمعت حس الإنس فخافت وترددت بها الحيرة بين العدو أمام وخلف. وأرسل الصيادون كلابهم فكانت معركة قتل فيها كلب وفرت البقرة. وهي أبيات جيدة لا يملك قارئها إلا الإشفاق والحزن لهذه البقرة وولدها.
وهذه أبيات للنابغة الذبياني يصف معركة بين الثور والكلاب، وهي تشبه في الصورة العامة أبيات لبيد:
كأنما الرحل منها فوق ذي جُدَد ... ذَبّ الرياد إلى الأشباح نظَّار
مُطرَّد أُفرِدت عنه حلائله ... من وحش وَجرة أو من وحش ذي قار
مجرَّس، وَحَدَ جأُب أطاع له ... نبات غيث من الوسمى مِبكار
سَرته ما خلا لبانَه لَهق ... وفي القوائم مثل الوشى بالقار
بانت له ليلة شهباء تسفعه ... بحاصب ذات إشعان وإمطار
وبات ضيفاً لأرطاة وألجأه ... مع الظلام إليها وابل سار
حتى إذا ما انجلت ظلماء ليلته ... وأسفر الصبح عنه أي إسفار
أهوى له قانص يسغى بأكلبه ... عاري الأشاجع من قُنَّاص أنمار
محالف الصيد هبَّاش له لحِم ... ما إن عليه ثياب غير أطمار
بسعي بغُضف براها فهي طاوية ... طولُ ارتحال بها منه وتسيار
حتى إذا الثور بعد النقر أمكنه ... أشلى وأرسل غُضفاً كلها ضار
فكرَّ محمية من أن يفر كما ... كر المحامي حفاظاً خشية العار
فشك بالروق منه صدر أولها ... شك المشاعب أعشاراً بأعشار
ثم انثنى بعد للثاني فأقصده ... بذات ثغر بعيد القعر نعار
وأثبت الثالث الباقي بنافذة ... من باسل عالم بالطعن كرار
وظل في سبعة منها لحقن به ... يكرُّ بالروق فيها كرَّ أُسو حتى إذا ما قضى منها لبانته ... وعاد فيها بإقبال وإدبار
انقض كالكوكب الدري منصلتاً ... يهوى ويخلط تقريباً بإحضار
لا يتسع المقال لتفصيل الصورة التي صورها النابغة وتفسير الألفاظ فحسبي أن أبين الصورة إجمالاً:
في الأدبيات الأربعة الأولى شبه الشاعر ناقته بثور وحشي، ووصف لون الثور في ظهره وقوائمه: ظهره أبيض وفي قوائمه خطوط سود، وبين أنه قوي سمين قد رعى نبات الوسمى، وأنه أفرد عن البقر فهو نفور قلق
وفي الأبيات الثلاثة التالية بين أن المطر والريح ألجأ الثور إلى شجرة من الأرطي فبقى عندها حتى الصباح
وفي الأبيات الأخرى وصف الصائد وكلابه وما وقع بين الثور والكلاب العشرة؛ قتل الثور منها ثلاثة، ودفع السبعة التي لحقت به حتى:
انقض كالكوكب الدري متصلتا ... يهوى ويخلط تقريباً بإخصار
ثم أراد وصل الكلام بأوله فرجع إلى ذكر الناقة قائلاً:
فذاك شِبه قلوص إذ أضرَّ بها ... طول السُّري والسري من بعد أسفار
وينتهي الوصف بنجاة الحيوان لأن مقصد الشاعر أن يشبه ناقته به وهو يجد في الهرب، إلا أبا ذؤيب ومن نهج نهجه فهم يختمون المعركة بقتل الحيوان لأن قصدهم أن يبينوا أن حوادث الدهر تنال حتى هذا الحيوان الوحشي القوي السريع
وقد وصف أحبحة بن الجلاّح صيد الظباء والأرانب بالكلاب وأثبت الجاحظ قصيدته في كتاب الحيوان
في العصور الإسلامية
أباح الإسلام الصيد وأحل لحم الحيوان الذي يقتله السهم أو كلاب الصيد. وفي القرآن الكريم: (اليوم أحل لكم الطيبات، وما عَّلمتم من الجوارح مكلَّبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم، واذكروا اسم الله عليه) واستمر العرب على ما ألفوا من سنن الصيد في الجاهلية؛ وزادوا ضروباً من السلاح ومن الحيوان الذي يستعينون به على الصيد. زادوا قوس البندق وغيرها، وعلموا الفهود كثيراً من الطير الجارحة. واحتفي الأمراء الكبراء بالصيد وأعدوا له عدده من الرجال والحيوان والسلاح. وعنوا بتربية الحيوان وتضريته، ووضعت الكتب في هذا الفن الذي عرف باسم البيزرة أخذاً من كلمة (بازيار) الفارسية ومعناها القيم على البازي أو البزاة. ولكشاجم الشاعر كتاب المصايد والمطارد. وبالرجوع إلى هذه الكتب أو كتب الأدب الجامعة مثل نهاية الأرب يتبين عناية العرب بهذا الفن وولع الشعراء به
افتن الشعراء ثم الكتاب في وصف الصيد آلاته وحيوانه وحركاته ووصف المصايد. وقد استقل وصف الصيد في الأراجيز والقصائد التي عرفت بالطرديات فصار فناً أدبياً متميزاً.
ومن الشعراء المفتنين فيه أبو نواس. نظم فيه تسعاً وعشرين أرجوزة وأربع قصائد. وأبدع في وصف كلاب الصيد وطيره. قال الجاحظ في كتاب الحيوان عن أبي نواس:
وأنا كتبت لك في رجزه هذا الباب لأنه كان عالماً راوية. وكان قد لعب بالكلاب زماناً وعرف منها ما لا يعرفه الأعراب وذلك موجود في شعره، وصفات الكلاب مستقصاة في أراجيزه. هذا مع جودة الطبع وجودة السبك، والحذق بالصنعة، وإن تأملت شعره فضلته
(للكلام صلة)
عبد الوهاب عزام