مجلة الرسالة/العدد 532/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 532/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 09 - 1943



كلمة بريئة

الصلة بين الكاتب والقارئ. . . توثقها روابط المحبة والصدق والمعرفة والإخلاص. . . والكاتب الذي يعمل على إيجاد هذه الصلة بينه وبين قرائه كاتب فذ جدير بالاحترام. . . ولعل الأستاذ الجليل الدكتور زكي مبارك يعد الكاتب الاجتماعي الأول الذي يعني بهذه الصلة. . . فليس همه إنشاء الأدب المحض. . . يسكبه في أرواحنا فناً يأخذ بالمجامع بل همه المجتمع الذي يعيش فيه يبحث في مشكلاته. . . ويناقش في معضلاته. . . ويشارك القراء أبحاثهم ويناقشهم آراءهم في أدب جم. . . وتواضع كريم. هذا هو الدكتور زكي مبارك. ويبقى الأستاذ سيد قطب يريد أن يعرف رأي القراء فيه. . . ولعلي أتطوع لإبداء رأيي فيه. لا من ناحية قيمة كتاباته من الناحية الفنية الأدبية فهذا أتركه لأستاذة الأدب وجهابذة البيان. ولكن من ناحية أسلوبه في الخطاب والمناقشة مع الأدباء فهو مع الأستاذ مندور يعتمد على قلمه في سب الرجل والأخذ بخناقه ظلماً طاعناً في رجولته من أجل أدبه المهموس. والأدب شيء والرجولة شيء. . . والفن هو الفن. . . ومع ذلك فلم نر الدكتور مندور إلا ناقداً فنياً أعجب القراء بحثه وتعليله ونقدهوتحليله وشرحه وتأويله. . . ومعارك القلم عند القراء (عوامهم وخواصهم) لن تجدي فيها دعاية ولا حرب أعصاب أو حملة عمادها الشتيمة والسباب. لا بل القارئ يهمه الحجة والمنطق والأسباب. . . ثم ماذا؟ قرأنا مقال (أيها الأدباء أعصابكم) فإذا بنا ننتهي من المقال لنعيد قراءته. وقد لمسنا حسن التوجيه في أدب ولباقة. . . فإذا بالأستاذ قطب يهاجم الأستاذ دريني تحت عنوان غريب ما يصح صدوره من أديب:

(تصحيحات واجبة في الأدب والأخلاق)، ثم قرأنا لنرى (تصحيحات) فإذا بنا نقرأ شيئاً آخر. فهل التصحيحات معناها اتهام الأستاذ دريني بالتحامل. . . واتهام القراء بالعامية وأنه لا يتلقى معاييره الفكرية إلا من العوام وأشباههم. . . صحيح أن الأستاذ قطب تلميذ العقاد. وهل في هذا ما يغضب الأستاذ قطب. لا. الأستاذ قطب كاتب وأديب وشاعر وكل شيء. . . والقراء يحبونه أن يظل هكذا بينهم. . . وبقدر ما يحبونه يحبون آخرين. . . فإذا شاء أن يعارك فبقلمه لا بلسانه. وبعد نقول للأستاذ: (أيها الأديب أعصابك).

أحمد فهمي القاضي

المحامي

الأعراب

في العدد (530) في مجلتكم الغراء ورد اسمي في رسالة مفتوحة من (أستاذ جليل) إلى رئيس تحرير مجلة آخر ساعة يشكوني فيها إليه لبعض ما كتبته بإمضائي

وقد فهمت مما كتبه الأستاذ الجليل - وقد فهمته بصعوبة لبلاغة اللغة التي كتب بها - أنه يتهمني بالتجني على إخواننا العرب لمجرد قولي في سياق مقال: (كل هذه المدنية التي شيدناها لم تعجب الزائر الكريم، وإنما أعجبته قطعة من الصحراء أقيمت عليها أصنام، وقف حولها حمير وإبل وأعراب). . .

هذه الكلمة الصغيرة أغضبت الأستاذ الجليل، واتهمني من أجلها بأني نسيت تاريخ العرب والنبي والإسلام، ومن حرر مصر ومن هدى مصر والقواد والخلفاء العظام. . . الخ! نسيت كل هذا لأني حاولت في مقالي أن أصف صورة واقعية يراها كل من يدفع ثلاثة قروش ثمناً لتذكرة ترام يحمله إلى الأهرام. . . صورة الإبل والحمير المعدة لنزهة السائحين ولهوهم ومن حولها أصحابها فعلاً من الأعراب، أو على الأقل من المتزيين بزي الأعراب، يلهثون وراء السائحين صائحين (بقشيش)!

وقولي: (أعراب) دون (ال) التعريف تعني أنني أقصد بعض الأعراب لا الأعراب كلهم أو على الأصح. . . لا أمة العرب كما فهم الأستاذ الجليل. . .

وفي كل أمة، سوى كانت عربية أم مصرية أم فرنسية، ينقسم الشعب إلى درجات وطبقات. فلو قلت أن في مصر ماسحي أحذية؛ فليس معنى ذلك أن الشعب المصري كله من ماسحي الأحذية. ولو قلت أن من الأعراب من يقف وراء الحمير والإبل؛ فليس معنى هذا أن كل العرب يقفون وراء الحمير والإبل

إن العرب أمة من الأمم. . . أمة لها مزاياها ولها عيوبها. ومن حقنا أن نذكر عيوبها بنفس الصراحة التي نذكر بها مزاياها

أمة لها تاريخ مجيد. . . ولكن التاريخ لم يعد يكفي لتقدير الأمم في هذا الجيل.

إحسان عبد القدوس

من رسائل الرافعي: وحي القرآن باللفظ، القراءات

وحي القرآن باللفظ أمر اختلفت فيه الفرق الإسلامية؛ فللأشعرية قول، وللمعتزلة، وللحنابلة مذهب. وثم فرق أخرى لها آراء مختلفة. ولا نطيل بذكر هذه الآراء فليرجع إليها في مظانها من يريد الوقوف عليها، وأنت لو تدبرتها كلها لألفيتها مما لا يسكن إليه العقل، ولا يطمئن به القلب. وقد فزعت إلى الرافعي وهو من أئمة البلاغة لعلي أجد عنده شيئاً يثلج الصدر، ولكنه على ما أتى من قول بليغ، فإن النفس لا يزال فيها من هذا الأمر شيء

ولعلنا نجد من أئمة الدين، أو من غيرهم من العلماء والمحققين، من يتولى بالبحث والتحقيق هذا الأمر الدقيق الذي يهم المسلمين جميعاً، حتى نصل فيه إلى مقطع تسكن إليه النفوس القلقة، وتستقر عنده العقول الحائرة

وهذا هو جواب الرافعي رحمه الله

يا أبا رية: السلام عليك، وبعد. فإنك سألتني مسائل دقيقة، تحتاج إلى الفكر وبسط الجواب وهذا ما لا قبل لي به فأنا مريض الدماغ حقيقة، ولكني أجيبك بما قل ودل

أما سؤالك فقد كثر الكلام في جوابه، والذي أراه أنا أن ألفاظ القرآن منزلة بحروفها ونسقها وإلا بطل الإعجاز، لأن الإعجاز لا يكون إنسانياً، وقد كان الوحي ينزل على النبي فتعتريه حالة روحية وردت صفتها في البخاري وغيره، وبها ينزع من عالم الحس فتتجرد نفسه الشريفة، فيرى الملك ويسمعه ويأخذ عنه، ثم يفيق فيؤدي ما أوحى إليه بحروفه، وهي حالة كانت شديدة عليه ولذلك تسمى (برحاء الوحي)، وكان جسمه يثقل فيها جداً ويتصبب عرقاً، إلى آخر ما ورد في صفتها مما يدل على ما تلقى نفسه الشريفة في تجردها وما يلقى الجسم في هذا التجرد، ولا يمكن في مثل هذه الحالة أن يكون للإنسان وعي وفكر يؤلف به نسقاً في الكلام كما توهمت، لأن هذا التأليف من أفعال المخ، ولو أمكن أن تكون الألفاظ من عنده لظهر فيها أسلوبه قليلاً أو كثيرا؛ ولما كان في حاجة إلى نزول القرآن آية فآيتين إلى عشر، بل كان يحدث عنه المعنى الذي ينطبع في روحه جمله واحدة، وفوق ذلك فهذه حالة تستدعي وقوع التفاوت في أجزاء القرآن وهو غير واقع، وأظنك لم تقرأ الجزء الثاني من تاريخ آداب العرب ففيه كل شيء ما عدى كيفية نزول الوحي، لأني لم أتعرض لها إذ أردت أن يكون كتابي مقنعاً للمؤمن وغير المؤمن فجئت به من جهة العقل في كل فصوله. ومن أجل ما بينت لك جزم العلماء كلهم أنه لم ينزل شيء من القرآن مناماً، لأن النوم حالة يستوي فيها الناس لتجرد أرواحهم

أما اختلاف القراءات أحياناً في بعض الألفاظ فهو أدعى للإعجاب والإعجاز لا كما ظننت، لأن ملهم اللغة ومقسمها في ألسن العرب على اختلاف قبائلهم أنزل ألفاظ القرآن بطريقة يمكن لهذه الألسنة على تفاوت ما بينهما أن تتلوه. ومن المعلوم أن العربي يجمد على لغة واحدة وبعض العرب لا يستطيع أن ينطق غير لغته مطلقاً، كما ترى في الجزء الأول من التاريخ، فكانت القراءات لهذا السبب وكلها راجع إلى النبي ، وهو تلقاها كذلك عن جبريل عليه السلام، ما عدى القراءات الشاذة والضعيفة مما نبه عليها العلماء

أنزل الله القرآن لهداية العرب وإفحامهم به، فكان من الواجب أن تكون تلاوته متيسرة لهم على السواء، وهذا لا يتأتى إلا مع أوضاع في بعض الحروف، وهذه الأوضاع هي القراءات؛ فمن من العرب كان يستطيع أن يؤلف لكل هذه القبائل كلاماً واحداً ولا يعسر على ألسنة قبيلة من قبائلهم إلا أن يكون في الناس يومئذ إله لغوي. . .؟

من هذا ترى أن القراءات هي معنى من معاني الإعجاز انتبه إليها العرب ولا يمكن أن يدركه غيرهم ممن جاءوا بعدهم، ولهذا لا أستحسن في رأيي أن يقرأ بها الناس اليوم على اختلافها، إذ لا حاجة إلى ذلك بعد أن اجتمعت الألسنة على لغة واحدة، وقد ظهرت للقراءات فائدة تحقق معنى الإعجاز فيها، وهي تسهيل على بعض أصحاب الألسنة المعوجة كالمغاربة ونحوهم. أما في مصر فلا حاجة إليها

هذا ما يحضرني وأظنني كتبت في الجزء الثاني في هذا المعنى ما فيه كفاية. أما صحتي فهي هي، ولي رغبة شديدة إلى الكتابة والعمل، ولكن الطبيب ينهاني عن ذلك، لأن الدماغ مريض، ولله الأمر أسأله تعالى أن يعيد علي عافيتي ويزدها. والسلام عليكم ورحمة الله.

(مصطفى) (المنصورة)

محمود أبو رية

تنبيه وتنبيه

كنت قرأت في مقال للأستاذ المفضال محمد عبد الغني حسن (ع 526 من الرسالة) إشارته إلى قول الشاعر:

إذا كنت في حاجةُ مرسلاً ... فأرسل حكيما ولا توصه

ثم نصه على أن ذلك من قول (شاعر إسلامي). وأحب أن أذكر هنا أن نسبة هذه القصيدة إلى قائلها أمر مختلف فيه، ولكن الأستاذ الجليل أحمد يوسف نجاتي ينسبها إلى (الزبير ابن عبد المطلب) عن الرسول عليه الصلوات في ترجمة طويلة كتبها عنه بالعدد الصادر في يناير عام 940م من صحيفة دار العلوم. فقد أورد الأستاذ القصيدة ثم قال:

(قد ينسب بعض الرواة شيئاً من هذه الأبيات إلى عبد الله ابن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ولكن الثقاة ينسبون الأبيات كلها إلى الزبير بن عبد المطلب). وأورد تأيداً لذلك ما جاء في جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري من تأكيد نسبة الأبيات إلى الزبير

فهذا أحد التنبيهين أتوجه به إلى الأستاذ النابغة محمد عبد الغني حسن. أما التنبيه الثاني فأخص به أستاذنا الجليل (نجاتي) فهو قد ذكر في مقاله - الذي أشرت إليه - عن الزبير أبياتاً للأخطل في وصف الخمر جاء فيها:

كمت ثلاثة أحوالٍ بطينتها ... حتى إذا صرحتْ من بعد تهدار

آلت إلى النصفَ من كلفاء أترعها ... علجٌ ولثمها بالجفن والغارِ

ثم قال: كمت جمع كميت وهو الأسود. وجمع على فعل لتوهم واحد له على وزن أفعل. ثم استطرد الأستاذ إلى تعليل تسمية الخمر كميتاً، وحدد صفة هذا اللون بين الألوان. وأقول إنه يبدو لي أن صحة الكلمة في البيت: كمت ثلاثة أحوالٍ. أي بالبناء للمجهول من الفعل (كم) بمعنى غطى وستر، فالشاعر يريد أن هذه الخمر غطيت بالطين في راقودها ثلاثة أعوام كوامل حتى صرحت وتكشف عنها زبدها. . . إلى آخر ما ينص عليه من معنى. هذا وللأستاذين منا عظيم التحية ووافر التقدير (جرجا)

محمود عزت عرفه

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

نعلن إلى الأدباء الأفاضل الذين طلبوا من إدارة الرسالة كتاب (دراسات عن مقدمة ابن خلدون) للعلامة الكبير الأستاذ ساطع الحصري، أن مؤلفه الفاضل لم يستطع إصداره إلى مصر ولا إلى غيرها من البلدان، لأن السلطات اللبنانية والسورية تحظر ذلك في الوقت الحاضر. وبهذه المناسبة نذكر أننا أخطأنا تقدير الثمن لهذا الكتاب القيم، فإنه يباع في لبنان وسورية بست ليرات سورية، وهي تساوي بالعملة المصرية ستين قرشاً، وهو مبلغ لا يزال ضئيلاً في جانب ما تكلفه الكتاب من الجهد في أعداده ونشره