مجلة الرسالة/العدد 534/كوبيرنيكوس

مجلة الرسالة/العدد 534/كوبيرنيكوس

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 09 - 1943



بمناسبة مرور أربعمائة سنة على وفاته

للأستاذ جودة شهوان

في الرابع والعشرين من مايو سنة 1543 سقطت إحدى الدعائم التي بنيت عليها النهضة الأوربية الحديثة بوفاة كوبيرنيكوس، ذلك العالم الذي جاهر بحقيقة كانت قد اختفت وراء حجب الدهر من زمن بعيد، تلك الحقيقة الهامة التي كان لها فضل جم على تقدم علوم العصر الحديث وأبحاثه، والتي نقلت العلم من حال إلى حال، وكانت مناراً وعماداً لأبحاث جمهرة من علماء العصر الحديث الذين جاءوا بعد كوبير نيكوس، والذين أشهرهم (كبلر) و (جاليلو) و (نيوتن) كما عملت تلك النظرية في إطلاق عقول الناس وأخيلتهم - التي كانت قد قيدتها خرافات العصر الوسيط - من قيودها لتستقبل عصر النهضة الذي أعقب وفاته. وقد عد (المستر دورانت) الكاتب الأمريكي والفيلسوف المشهور، هذا العالم (كوبير نيكوس) في مقال له بمجلة (أمريكان) أحد قادة البشرية العشرة في تاريخ العالم وهم: كنفوشيوس - أفلاطون - أرسطوطاليس - ثوماس أكونياس - كوبير نيكوس - فرانسيس بيكون - نيوتن - فلتير - كانت - داروين

كانت النظرية السائدة قبل ظهور كوبير نيكوس أن الأرض هي مركز الكون، وأن الشمس وبقية الكواكب تدور حولها. فلما جاء هذا العالم وجد بعد أبحاثه الطويلة أن اعتقادهم ذاك كان خطأ، وأن الشمس هي مركز الكون تدور حولها الأرض وبقية الكواكب. وقد سميت هذه النظرية (بنظرية كوبير نيوس أو النظرية الكوييرنيكية) نسبة إليه؛ ذلك لأنها على يديه ولسببه نالت شهرتها وسيادتها المعلومتين

وقد فسر كوبير نيكوس أيضاً حدوث الليل والنهار بأنهما ناتجان عن حركة الأرض حول محورها، كما فسر حدوث الفصول بأنها نتيجة لدوران الأرض حول الشمس

ولنرجع الآن لسرد قصة حياته، وطرف من أعماله وآراءه التي جاءنا بها غير التي ذكرناها آنفاً؛ فنقول:

ولد هذا العالم البولندي الألماني في التاسع عشر من فبراير عام 1473 في مدينة ثورن الواقعة على الفستولا في بروسيا البولانديه، من أب سلافي من (كراكاو)، ومن أم ألمانية اسمها (برباره وتز لرود) من عائلة غنية وذات مركز هام في الهيئة الاجتماعية. وقد تكلم كوبيرنكيوس اللغة الألمانية (لغة أمه)، غير أنه علم في البيت شيئاً من اللاتينية واليونانية مات أبوه وهو في السادسة عشرة من عمره فبقى مع أمه وعمه حتى سنة 1491 عندما أرسل إلى الجامعة (كراكاو)، حيث بقى ثلاث سنين تعلم أثناءها الرياضيات. وقد حصل أثناء دراسته تلك على مهارة في الرسم. وفي عام 495 سافر إلى إيطاليا حيث قضى بضع سنوات درس أثناءها القانون والفلك والأقرباذين في (بولونيا) و (بادوا). غير أن ميله كان إلى الرياضيات أشد

وبعد تبحره في الفلك ذهب إلى (روما) لزيارة صديقه (رجيومنثانوس) أشهر علماء الفلك، وأذيعهم اسماً حينذاك. وقد تلقاه ذلك الصديق باحتفاء لائق، وكان ذلك عام 1500؛ وهنالك بمساعدة صديقه المذكور، ولحسن أخلاقه انتخب أستاذاً للرياضيات. وقد قضى تلك السنة في روما ألقى أثناءها محاضرات في علم الفلك مختلفة. وقد شاهد في السادس من نوفمبر هذه السنة خسوف القمر في روما

ترك الأستاذ نيكولاوس روما عام 1505 بعد أن كان قد حصل على شهادة دكتور قبل ذلك بسنتين قاصداً بلده الأصلي (بروسيا)، وسكن في هيلبرغ كفلكي نعمه (مطران ارمرلند). وهنالك أخذ يتدخل في أمور الدين، وما زال كذلك حتى حصل على شهادة في القوانين الكنيسة وأصبح راهباً. ويقال إنه كان يقسم يومه العملي إلى أقسام ثلاثة: أما الأول فكان يصرفه في إتمام فروض وظيفته؛ والثاني يصرفه في منح النصائح الطبية لفقراء الناس. والثالث يصرفه في الدراسة والبحث

بعد أن رجع إلى بروسيا - كما قلنا - وكان في الخامسة والثلاثين من العمر بدأ في استخدام معرفته الرياضية ومشاهداته المختلفة العديدة، في سبيل إصلاح ما كان قد التصق بعقول القوم من نظريات فلكية، فكانت نتيجة ما حاول ظهور كتابه الأشهر الموسوم (بأفلاك الأجرام السماوية) (نورمبرغ 1543) وقد فرغ من عمل الكتاب المذكور عام 1530 غير أنه لم ينشره بل بقى متردداً خوفاً من أن يرمى بالهرطقة، وأن تكسد سوق كتابه لما احتواه من أفكار ونظريات في الفلك حديثة وغريبة، على قوم كانوا غارقين في لجج من الأضاليل والخرافات والاعتقادات. وبقى على حالته تلك اثنتي عشرة سنة، أزمع عند انتهائها 1543 على طبعه ونشره. غير أن العلة كانت قد بدأت تنخر في جسمه، وتنغص عليه عيشه، فما زال يصاولها وتصاوله، ويغلبها وتغالبه، حتى ناداه ربه فلباه في الرابع والعشرين من مايو عام 1543. ولقد قدر للمؤلف أن يمس أول نسخة من كتابه المطبوع لأول مرة، قبيل مماته بسويعات.

يتألف كتابه المذكور من أجزاء ستة أهمها الأول. وأهم ما يحتويه هذا الجزء:

1 - إن الأرض كرية، كما أن الكون كري

2 - إن اليبس والماء يكونان كرة واحدة

3 - إن حركة جميع الأجرام السماوية منتظمة ودائرية

4 - إن الأرض تتحرك في مدار حول الشمس، كما أن لها حركة أخرى حول محورها

5 - إن الشمس مركز الكون، وأن القدماء مخطئون في اعتبار الأرض مركزاً له

6 - إنه لمن المحتمل أن يكون للأرض حركات عدة

7 - تنظيمه للكوكب ورسمه شكلا لنظامها يشبه الشكل الحديث

ولكوبيرنيكوس غير الكتاب المذكور كتب أخرى. فله كتاب في المثلثات، (وتنبرغ 1542)، نشره صديقه وتلميذه (راتكوس). وكتاب آخر وهو ترجمة رسائل الكاتب اللاتيني (ثيوفلكوس سيموكاثا). وقد كتب أيضاً سنة 1526 كتاباً آخر عن النقود. (نشر لأول مرة عام 1826). وله الآن كتابات خطية في مكتبة أبرشية (ارمرلند)

لقد اهتم كثير من كتاب الغرب بالكتابة عنه وأول من كتب عن حياته هو (جاسندي). ومن الكتاب الحديثين: (فون هلبر - 1873) و (بلكوفسكي). غير أن أكمل الكتب عن حياته وأعماله، وأحلها كتاب الدكتور ((براو) - جزءان - برلين 1883)

ولقد خلد ذكر هذا العالم الشهير، غير الكتابة عنه وعن أعماله، بنصب عدة تماثيل له في أماكن كثيرة من أوربا. أحدها في قصر (كسيمير) بمدينة (وارسو) صنعه (ثارولدسن) وأقيم هنالك عام 1830، وآخر صنعه (ثيك) ونصب في (ثورن) وكتب عليه:

,

, وقد نصب له تمثال آخر في فناء جامعة (كراكاو) عام 1900

(فلسطين)

جودة شهوان