مجلة الرسالة/العدد 534/من وحي الفطر

مجلة الرسالة/العدد 534/من وحي الفطر

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 09 - 1943


يا دموع الفقراء. . .

للأستاذ دريني خشبة

وا رحمتاه لكم يا أحب خلق الله إلى الله!

ترى من من أفراد هذا الموكب الزاخر الذي حط عن كتفيه عبء رمضان يذكركم كما تذكركم السماء، ويمد إليكم يده بالقروش الجديدة الحمر قبل أن يمدها إلى أبنائه؟!

لقد عرف الأغنياء الصائمون فرحتهم صبيحة العيد المبارك، فهل عرفتم فرحتكم كما عرفوها. . . أم كنتم تنظرون إليهم ثم تقلبون نظراتكم في السماء. . . ثم تنتثر من عيونكم تلك الدموع التي لها حسابها عند الله

ألا ليت الأغنياء رحموكم إذ لم يذكروكم فلم يتيهوا بينكم بهذه الثياب التي لا يمكن أن تشتري إلا بأرباح الحرب، وما صنعته الحرب في خزائن الأغنياء من أعاجيب

عندي لكم رأي يا أحب الناس إلى. . .

كفكفوا هذه الدموع ولا تذروها في تلك المناسبة

من السهل أن نكون جميعاً نساكاً في مأساة عيدينا هذا العام. . .

وأول واجبات الناسك ألا يغبط ذليلاً بعيش أبداً

ومن واجباته كذلك أن يجعل نسكه فلسفة، فيقول مثلاً: لقد آثرت أن أكون ناسكاً لأنني لا أحتاج إلى شيء ولا أفتقر إلى أحد،. . .

إنني أريد أن أفرغ إلى الله ربي، وزخرف الحياة يشغلني عن الله ربي، فليست بي حاجة إلى هذا الزخرف الباطل الذي يصرفني عن تأملاتي!

ليس في هذا الذي أقول نسيان لنصيبي من هذه الدنيا، فحسبي أن يكون هذا النصيب جرعة من ماء وكسرةً من خبز الشعير وحبةً من ثاني الأبيضين الذي يسمونه الملح

ومن واجبات الناسك أن يكون سعيداً بأسماله البالية فلا يتبرم ولا يتسخط ولا يتهم السماء، حتى حينما يرى الأغنياء الذين لا يبالون هذه الأزمة الطاحنة، فهم يزهون في أثمن الثياب وأغلى الأفواف. . . إن من واجبه في تلك الحال أن يبتسم ابتسامته التقليدية الخالدة. . . ابتسامته الساخرة التي تستهزئ بالذهب وتستهزئ بالفضة وتستهزئ بالحرير المفتل. . .

الابتسامة العامرة العليمة التي تعرف إلى أين ينتهي هذا الذهب وماذا هي عاقبة الفضة والحرير المفتل. . . وعاقبة الدور والقصور، وحياة اللهو ومتاع الغرور

لنكن نساكاً وفلاسفة من هذا الطراز يا رفاق!

فإذا صدمتنا الحقيقة، وأعاد إلينا الواقع صوابنا، وذلك حينما يفاجئنا أطفالنا بمطاليبهم من لعب العيد وطرفه، فلنكن نحن لعبهم

لندعهم يصارعونا ويلاكمونا ويشدوا أذقاننا وأكمامنا. ماذا نخشى على هذه الأكمام يا رفاق؟ أليست كلها مزقا وأسمالا؟ إنهم مهما صنعوا فلن يزيدوها تمزيقاً، لأنهم ليسوا أقوى من الحرب ولا أفتك من الغلاء، ولا أطول باعاً من السنوات الأربع التي تصرمت في هذه الشدة، والتي لم تبق من أسمالنا لأولادنا شيئاً يمزقونه. . . ولا شيئاً يرتدونه، حين تكل حياتنا فيه، ولا ندري ماذا نلبس منه وماذا ندع!!

لنكن لعب أطفالنا في هذا العيد. . .

ليركبونا إذا كان لا بد لهم أن يركبوا شيئاً يعوضهم من عربات العيد التي ستكون وقفاً على أطفال الأغنياء، والذين فازوا بأرباح الحرب ومن إليهم من مختزني الشاي والمسامير وأمواس الحلاقة والزيت (الفرنساوي!)

إن من واجب النساك أن يكونوا مطايا لأبنائهم ليحملوهم بعيداً عن موكب أبناء الأغنياء فيستريحوا من المقارنات والموازنات. . . ولا يقول قائلهم معترضاً على أبيه وعلى الله وعلى الناس. . . لماذا يا ترى يبخل علي أبي فلا يشتري لي مثل هذه الصفراء أو تلك الحمراه مما يرتدي هؤلاء الأبناء؟

وقد علمنا رمضان القناعة أيها الرفاق، وإن يكن قد أصاب الأغنياء ومن فازوا بأرباح الحرب بألوان من التخمة، وصنوف من البطنة، نسأل الله أن يعيا بمعالجتها نطس الأطباء. . .

فبحسبنا أن نقدم لأطفالنا أكلتين مكان ثلاث أكلات و (تعصيرتين) يحظى بها أبناء الأغنياء. . . فإذا شكا أطفالنا مسغبة فذكروهم بما كان في رمضان القريب من حال الفطور والسحور

رضي الله عنك يا ابن عفان، ما كان أقوى إيمانك بالله يوم نزلة للفقراء المؤمنين عن عيرك كلها من دون التجار. . . لأنك آثرت البيع لله، ليربحه، ويربيه عشرة أضعاف ومائة ضعف. . . إلى سبعمائة ضعف. . . ألا يذكرك أغنيائنا فيجعل الزكاة فطرهم والزكاة مالهم ضعفين أو ثلاثة أضعاف، في زمن زاد فيه ثمن الحياة خمسة أضعاف وعشرة أضعاف؟

أيها الرفاق الفقراء!

لموا شملكم، وأجمعوا قلوبكم، وارفعوها إلى السماء. . . إلى الله بارئكم. . . صلاة شاكية باكية. . . فيها الحزن الذي يشوبه الرضا، وفيها الأنين الذي يخالطه الإيمان. . . عسى ربكم أن يفرج كربكم ويصلح بالكم.

دريني خشبة