مجلة الرسالة/العدد 54/من طرائف الشعر

مجلة الرسالة/العدد 54/من طرائف الشعر

مجلة الرسالة - العدد 54
من طرائف الشعر
ملاحظات: بتاريخ: 16 - 07 - 1934



فرحة الألم

لشاعر الشباب السوري أنور العطار

لَقَدْ صَاغَنيِ اللهُ جَمَّ الشُّجُونِ ... وَيَأْبَى فُؤَادِيَ إِلاَّ المَرَحْ

يُبَدِّدُ أَحْزَانَ قَلْبيِ الرَّجَاءُ ... وَيَمْحُو صَفَائَي طُول التَّرَحْ

أُهَدْهِدُ أَوْجَاعِيَ الصَّارِخَاتِ ... وَأُرْقِدُهَا بالمُنَى وَالمُلَحْ

سكِرتُ مِنَ الدهْرِ حَتَّى انْتَشَيْت ... فَلَسْتُ أُبَاليِ بِخَمْرِ الْقَدَحْ

كَأَنّي أَخُو سَفَرٍ لا غِبٍ ... تَهالَكَ مِنْ جَهْدِهِ وَارْتَنَحْ

فَطُوبَى لِجُرْحِىَ إِمَّا اسْتَفَاضَ=وَطُوبَى لِقْلبَي إِمَّا انْجَرَحْ

تَعَلَّمْتُ بالنَّوْحِ سِرَّ النَّعِيمِ ... وَأَدْرَكتُ بالشَّجْوِ مَعْنَى الْفَرَحْ

سَجَتْ لَيْلَتِي وَترَامى الظَّلاَمُ ... وَمَالِيَ عَنْ خَوْضِهِ مُنْتَدَحْ

وَقَدْ رَوَّحَ الْغُيَّبُ النَّازِحُونَ ... وَأَلْقَى المُساَفِرُ عِبْثاً فَدَحْ

وَفَضَّ الكَرَى سَامِرَ العَاشِقِينَ ... وَلَمْ يَبْقَ في اْلأَرْضِ إِلاَّ شَبَحْ

يَحْومْ عَلَى عَالَمٍ نَائمٍ ... رَمَى بَمَتاعِبِهِ وَاطَّرَحْ

يْطَوّفْ في الَّليْلِ مَا يَأْ تَلِي ... يُنَاجِي وَيَرْعَى حَبِيباً نَزَحْ

وَقدْ سَكَنَ الغَابُ إِلاَّ صَدىً ... تَوَلَّهَ مِنْ وَجْدِهِ وَافْتَضَحْ

كأنّيَ أُصْغِي إلى بُلْبُلٍ ... يُثيرُ المَفاَرِحَ إِمَّا صَدَحْ

فأحْسَسْتُ دُنْيا مِنَ النُّعْمَياتِ ... وَأُفْقاً جَدِيدَ الأمَاني انْفَسَحْ

وأُذْني إلى هَمْسَةٍ في الدُّجَى ... وَعَيْنِي إلى بَارِقٍ قَدْ لَمَحْ

وأَقْبَلَ طَيْفُكِ جَمَّ الَجْلاَلِ ... تَدَثَّرَ بالنُّورِ حَتَّى اتَّشَحْ

مَدَدْتُ يَدَيَّ وَعَانَقْتُهُ ... فَغَمغَمَ قَلْبِي وَدَمْعِي شَرَحْ

وَضاعَ اللَّجَاجُ وَغاَبَ الْعِتَابُ ... كَأَنَّ الزَّمَانَ صَفَا أو سَنَحْ

قَرأتُ بِعَيْنَيهِ فَرْطَ الَحْنِينِ ... وَشَجْوًا يُذيِبُ إذا مَا قَدَحْ

وَعَايَنَ بِي غَمَرَاتِ الرَّدِى ... تَرِفُّ عَلَى هَيْكَلٍ قَدْ جَنَحْ

فَأَطْرَقَ مُسْتَعْبرِاً نَادِمًا ... وَبَانَ عَلَيْهِ الأَسى وَاتَّضَحْ فَقُلْتُ لَهُ خَلِّ عَنْكَ الْبُكاَء ... وَلاَ تَجْزَعَنْ إِنَّ قَلْبِي صَفَحْ

إِذَا مَنْ أُحِبُّ جَزَانِي الصُّدُودَ ... هَتَفْتُ عَفَا اللهُ عَمَّا اجْتَرَحْ

صحوْتُ فَلاَ الطَّيْفُ يَحْنُو عَلَيَّ ... وَلاَ نِعَمٌ تُشْتَهَي أو مِنَحْ

وَعُدْتُ إلى وَحْدَتِي رَاضِياً ... أَرَى في الأسَى غَايَةَ الُمقْتَرَحْ

أنور العطار