مجلة الرسالة/العدد 544/آراء للمناقشة
مجلة الرسالة/العدد 544/آراء للمناقشة
ختان البنات في مصر
للدكتور أسامة
تختص مصر في هذه العادة دون سائر بلاد العالم المتمدن، إذ لا يشاركها فيها سوى قبائل السودان وأواسط أفريقيا. ولم أهتد إلى أصلها؛ غير أن اقتصارها على هذه المناطق واختصاص نساء الغجر بإجرائها، ويشاركهن الدايات الآن، يحمل على الظن بأنها عادة مصرية قديمة انتقلت إلى مصر من الجنوب بواسطة هؤلاء الغجر الذين اتخذوا منها مورداً للارتزاق. ولست أعرف رأي القانون ووزارة الصحة في ممارسة هذه العملية إذ أنها عملية جراحية حقيقية لها أخطارها، ويجب أن يكون لها إجراءاتها وقيودها؛ غير أنني كطبيب أريد أن أوضح لأبناء وطني ما ينطوي عليه ممارسة هذه العملية من أضرار طبية ونفسية واجتماعية، بجانب ما يظن لها من فوائد أكثرها وهمي
وأول هذه الأضرار هو الخطر الجراحي الذي ينشأ من النزيف، والأضرار الأخرى لا تحدث أعراضها إلا بعد زواج الفتاة، ومنشأها أن الجزء الذي يقطع (البظر) هو عضو تناسلي أساسي، لأن به كل الحساسية الجنسية للأنثى، وليس هو كما يظن الشخص العادي يماثل الجزء الذي يقطع في ختان الذكور، فإن هذا قطعة من الجلد لا قيمة لها. فإزالة هذا العضو تماثل في نتائجها قطع الجزء الحساس من العضو التناسلي في الذكر. فالمرأة المتزوجة في هذه الحالة لا تحصل على الاكتفاء الجنسي الذي هو أساس لحياتها التناسلية، وينتج عن ذلك الإصابة بالنورستانيا والأمراض النفسية والعصبية المختلفة، كما وهذه الأمراض منتشرة بين النساء اللواتي يجب اعتبارهن جميعاً ناقصات جنسياً لهذا السبب. وإنني أعتقد أن في اقتصار حفلات الزار على البلاد التي تمارس هذه العادة وهي مصر وأواسط أفريقيا ما يوضح علاقة بينهما، كما يوضحها كثرة انتشار الخرافات المتعلقة بالاعتقاد في إصابة بعض النساء بالجن والمشايخ والأسياد وما يجده الدجالون من سوق رابحة بينهن باستغلال هذه المعتقدات
ومما ينشأ أيضاً عن عدم الاكتفاء الجنسي لدى المرأة أنها تظن ذلك بسبب عجز تناسلي من زوجها الذي يشاركها في هذا الاعتقاد لجهله، ويظن بنفسه نقصاً في رجولته أو مقدرته الجنسية (وليس به أي نقص في الحقيقة) فيحاول تعويضه أولاً بالإجهاد الجنسي (الإفراط)، وثانياً باللجوء إلى الوصفات البلدية الشائعة وهي لا تؤدي إلى أي نتيجة حقيقية، وأكثرها يتركب من الحشيش والأفيون والداثورة وبعض مواد أخرى قد تكون شديدة الإضرار بصحته وقد تؤدي به إلى الإدمان
وإن ما هو معروف من أن تعاطي هذه المكيفات إنما هو لغرض جنسي يحملني على أن أقرر أن أهم عامل في انتشار المخدرات في مصر يرجع إلى النقص الجنسي في النساء المصريات الناتج عن إجراء عملية الختان لهن
وفضلاً عن هذا فإن الشعور الجنسي للرجل يقل كلما ضعف هذا الشعور في زوجته. ولست أرى محلاً هنا للتبسط في هذا الموضوع وشرح نتائجه وصلته بنجاح الحياة الزوجية أو فشلها وبكثرة حوادث الطلاق وسواه
وقد يظن البعض في مصر أن هذه العملية عادة إسلامية، أو أن لها أصلاً دينياً، ولكن هذا الظن لا أساس له من الحقيقة ويكفي لإزالة هذه الفكرة أن نعلم أن هذه العادة لا يمارسها أهل الحجاز أو العراق أو اليمن أو سوريا أو تركيا أو إيران أو المغرب ولا أي شعب إسلامي آخر سوى المصريين. بل إن أعراب الصحراء الغربية في مصر لا يعرفونها، وفي مصر يمارسها المسلمون والأقباط على السواء، وأكبر الظن أن الأخيرين هم مصدرها وأنها انتقلت منهم لمواطنيهم المسلمين
بقى أن نقول كلمة عن الفوائد المزعومة لهذه العملية وبعضها قد يكون صحيحاً إلى حد ما، ولكنه كما سنرى لا يبرر إجراءها قط. وأولها ما يقال من أنها نظافة، والمقصود بهذا أنها تشبه النظافة التي تنتج من ختان الذكور وهذا خطأ، لأن المقارنة التشريحية للأعضاء التناسلية في الذكر والأنثى تبين لنا أن هذه النظافة حقيقية في الأولى ولا أثر لها في الثانية. ونظافة عضو لا تكون بإزالته. وهنا يجب أن أوضح أن ختان الذكر عملية سليمة من الوجهة الصحية ولا ينطبق عليها شيء من الاعتراضات المبينة هنا
وثاني الفوائد أو الحجج أن لهذا العضو شكلا بشعاً، والحقيقة أن شكل الأعضاء التناسلية منفر لكل ذي ذوق سليم من الجنسين؛ والمقرر علمياً أن الجاذبية الجنسية في الشخص المتمدين لا تحدث من الأعضاء التناسلية الخارجية؛ إنما تحدث من الصفات الجنسية الثانوية، وهي في الأنثى جمال الوجه والقوام والساقين والفخذين والذراعين ورقة الأنوثة والصوت والثقافة والشعر الخ
وثالثة الحجج وأهمها فعلاً وأحقها بالبحث هي العفة؛ والحق إن ضياع العضو الذي به الحساسية الجنسية في الأنثى يقضي على المنبهات التي كانت ترد منه؛ ولكنه لا يقضي على المنبهات التي ترد من المخ وباقي الجسم (من حواس النظر والسمع واللمس)، فإزالة البظر يحدث عفة جزئية للفتاة قبل الزواج مشكوكا في قيمتها، ولكنه بعد الزواج يحرم المرأة المتزوجة من الشعور الصحيح باللذة الجنسية. وقيمة هذا العضو لدى الفتاة الأجنبية كقيمة أي عضو أساسي آخر. وليس من شك في أن هذه العملية جناية على جسم الفتاة ليس من حق أي إنسان ارتكابها، وإنها كبتر العضو الجنسي في الذكر. أما الحرص على الشرف وتعليم الفتاة العفاف فيكون بالتربية الجنسية الصحيحة
ومما تجب معرفته أن الميل الجنسي ليس مصدرة الأعضاء الخارجية، ولكن المخ والغدد الجنسية الداخلية (المبيضين في الأنثى والخصيتين في الذكر)، وأن هذه الغدد تتأثر في وظائفها بالإفرازات الداخلية للغدد الأخرى التي تسمى الغدد الصماء مما لا مجال للإفاضة فيه الآن. فإزالة كل أو بعض الأعضاء التناسلية الخارجية لا يؤثر في الميل الجنسي الطبيعي من أحد الجنسين نحو الآخر، ولكنه يحدث في الأنثى اضطرابات نفسية شديدة على صحتها
وكثيراً ما عرضت لي حالات مرضية في السيدات لم أجد لها سبباً إلا النقص الجنسي المتسبب عن هذه العملية. وقد تبينت لهذا الموضوع من الأهمية ما دعاني للكتابة فيه أخيراً. وأرى أنه يستحق اهتمام الهيئات التي تعنى بأن يكون لمصر جيل جديد سليم. ولست اطلب تشريعاً جديداً إذ يكفي تطبيق القانون الخاص بتعاطي مهنة الطب على القائمين بممارسة هذه العملية مع بيان أضرارها للجمهور، حتى يقضى عليها سريعاً ونتفادى أضرارها في الجيل الجديد. وإلى هذا أوجه نظر وزارة الصحة ووزارة الشئون الاجتماعية، وكل حريص على مستقبل وطنه وصحة أبنائه.
دكتور
ع. أسامة