مجلة الرسالة/العدد 546/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 546/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 12 - 1943



عبد المسيح وزير

قراء (الرسالة) يذكرون القصة العذرية المنقولة عن اللغة الكردية بقلم الأستاذ عبد المسيح وزير، والذين زاروا بغداد يذكرون أنهم رأوا في هذا الرجل حلاوة الدعابة، ولطف الذوق وكرم النفس، فمن العزيز علي أن أتلقى من أحد أدباء كربلاء خطاباً أعرف به أنه مات، وأن الجرائد العراقية لم توفه حقه من الرثاء، وهو يدعوني إلى نعيه بمجلة الرسالة، رعاية لحقوق الأخوة الأدبية بين مصر والعراق

كنت أتمنى أن أسمع عن الأستاذ عبد المسيح وزير خبراً غير هذا الخبر الأليم، فقد كان من أعز أصدقائي، ولعله كان لجميع من عرفوه خير صاحب وأعز صديق

كان عبد المسيح وزير تحفة أدبية، وكانت نفسه على جانب من الصفاء، ولهذا اهتم اهتماماً عظيماً بآثار طاغور، فأوحى إلى مريديه معنى الإعجاب بشاعر الهند، كما تشهد المجموعة التي نشرها الأستاذ فخري شهاب السعيدي، وهي أوفى ما نقل من آثار طاغور إلى اللغة العربية

وقد اشترك عبد المسيح وزير في نقل مصطلحات الجيش في اللغة التركية إلى اللغة العربية، كما حدثني يوم شهدنا مباراة الطيران في بغداد

من العزيز علي أن أفجع بموت صاحب لم أجد منه غير الجميل ولم تكن اللحظات التي قضيتها في صحبته غير أقباس من الصفاء

وأنا بعد هذا أستبعد سكوت الجرائد العراقية عن رثاءه، كما جاء في الخطاب الوارد من كربلاء، فمن المؤكد أن محنة الجرائد بغلاء الورق وضيق الصفحات هي المسئولة عن هذا العقوق

أما بعد، فهذه كلمة وجيزة نؤدي بها واجب التوديع لأديب عرفناه فأحببناه، وستلوح فرصة ثانية نتحدث بها عنه بإسهاب. . . وسلام عليه، وعلى روحه اللطيف.

زكي مبارك

حول بيت لعلم الدين المحيو في مقال الأستاذ الكبير الدكتور زكي مبارك عن الشاعر التركي (أيدمر المحيوي)، ورد هذا البيت:

والغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يصبح بالنعيم ويُغبق

وقد نص الدكتور على أن (النعيم) هنا هو الخمر. قال: وهي كلمة قليلة الورود في الخمريات، ولكنها لا تعظم على من ينافس أبا نواس

وأقول إنه يبدو لي أن تصحيفاً طرأ على هذه الكلمة، وصحتها (النسيم) لا النعيم، فيكون البيت:

والغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يُصبح بالنسيم ويغبق

ومعناها أن الغصن يتمايل كالنشوان، ولكنه لم ينتشي من اصطباحه واغتباقه بالخمر، كما يفعل النشاوي من الناس، وإنما هو مصطبح مغتبق بالنسيم الذي يغاديه ويراوحه

فنائب الفاعل ليصبح ويغبق هنا هو (الغصن) لا (نشوان) وتلك زيادة في المعنى لا تحسبها قد فاتت الشاعر. ونحن نرفض كلمة (النعيم) هنا، لأنها تحرمنا من هذا المعنى الذي ذكرناه، ثم لأننا لم نسمع بأن النعيم من أسماء الخمر، وأخوف ما نخافه أن يستطرد شعراؤنا فيلقبوها بالسعادة أيضاً، وبالهناء والسرور. . .

وقد رجعت إلى (حلبة الكميت) لشمس الدين النواجي، فوجدته يورد البيت بلفظ النعيم لا النسيم؛ وكذلك فعل البهاء الدمشقي صاحب (مطالع البدور). والتصحيفات - كما قلت مرة - هي آفة الآفات في مطبوعاتنا ومخطوطاتنا. وإنها لكثيرة - وسخيفة أحياناً - إلى الحد الذي تستوجب معه الإهمال وترك التصحيح، ولكني أردت بهذه الكلمة أن أستطلع أستاذنا الجليل زكي مبارك، ولعله يقتنع برأيي فأكون سعيداً.

هذا وقد راقني حديثه الموجز عن الروضة والمقياس ومكانتهما من نفوس الشعراء في أزمانهما. وأنا مثبت هنا تأييداً لرأيه ما قال بعض الشعراء (المجهولين) في المقياس:

إن مصرا لأطيب الأرض عندي ... ليس في حسنها البديع قياسُ

ولأن قستها بأرض سواها ... كان بيني وبينك (المقياس)

(جرجا) محمود عزت عرفة

ختان الأنثى في الإسلام

نفي دكتورنا الفاضل (أسامة) في بحثه (ختان البنات في مصر) بالعدد 544 من الرسالة الغراء وجود أصل لختان الأنثى في الإسلام معتمداً في نفيه على: خلو بلاد إسلامية كالحجاز والعراق والشام وغيرها منه، واستئثار مصر وحدها به - لا ينفك عنه مسلموها وأقباطها على السواء - ويرجح لهذا، تقدم الأقباط في العمل به، وانتقاله إلى المسلمين بالوراثة

أما صلته بالإسلام فقد نص الأئمة في أحكامهم المستنبطة من السنة، على الختان في حق الأنثى: فقال الشافعي وكثير من العلماء إنه واجب، وقال مالك وأبو حنيفة إنه سنة. ومأخذ هذه الأحكام أحاديث كثيرة منها (الختان سنة للرجال مكرمة للنساء). ومنها: (يا نساء الأنصار اختضبن غمساً واختفضن - من الخفض وهو ختان المرأة. ولا تنهكن - أي لا تبالغن - وإياكن وكفران النعمة).

دسوقي إبراهيم

تأريخ الأخلاق

(تأليف محمد يوسف موسى المدرس بكلية أصول الدين -

الطبعة الثانية 317 صفحة)

الأستاذ محمد يوسف موسى عالم فاضل جمع بين الثقافتين، ثقافة الأزهر القديمة، وثقافة الغرب الحديثة، ويسرت له معرفته باللغة الفرنسية الاطلاع على المراجع الأجنبية في أصولها. وهو إلى جانب ذلك يبغي الحق لذاته شأن طلاب الحكمة. قلت له: قد لا يروقك ما أكتب، قال: إني لا أخشى النقد. ولعمري هذه هي روح العلماء، من الاعتراف بالخطأ، والسعي إلى الصواب. وإنما الكمال لله وحده

وكتاب (تاريخ الأخلاق) هو الأول من نوعه في اللغة العربية، ويعتبر بذلك سداً لفراغ عظيم في تاريخ الفلسفة على اعتبار أن الأخلاق فرع من فروعها

وفي الكتاب دراستان: إحداهما منقولة، والأخرى أصيلة: أخذت المنقولة عن المصادر الأجنبية وذلك فيما يختص بالأخلاق عن أمم الشرق القديم وعند اليونان وعند الأوربيين بعد عصر النهضة. والجزء الأصيل هو الخاص بالأخلاق الإسلامية. وهذا فضل للمؤلف غير منكور، وجهد مشكور

ولا أحب أن أعرض للأجزاء المنقولة بشيء، لأن نقدها يعتبر نقداً للمراجع الأولى التي استسقى منها المؤلف، ولكني أقول من حيث الشكل إنه عرض للسائل عرضاً سريعاً لا يشبع النهم، وعذره في هذا هو طول الموضوع وضيق الورق. وما بالك بكتاب يريد أن يحيط بتاريخ الأخلاق من يوم أن ظهرت الحكمة الإنسانية حتى الآن، في بضع مئات من الصفحات

ونقف قليلاً عند الجزء الأصيل، وهو تاريخ الأخلاق عند المسلمين. قال المؤلف في مستهل الكلام عن الأخلاق في الإسلام ص 159: (إن الضمير، وإليه المرجع في بيان الخير والشر، فطري في جرثومته وأصله. . .). وهذه القضية، وأعني بها فطرة الضمير، موضع خلاف بين العلماء والفلاسفة، ولم يكن ينبغي أن يقطع فيها المؤلف برأيي كما يقتضي التحقيق العلمي الصحيح

وتقسيم الأخلاق الإسلامية غير واضح، فهو يضع في القسم الأول الذين سادت كتاباتهم النزعة الدينية والأخلاق العملية كما فعل الماوردي في أدب الدنيا والدين. وفي القسم الثاني الذين سادتهم النزعة الدينية والصوفية مشوبة بالنظر الفلسفي كالغزالي. وفي القسم الثالث الأخلاق الفلسفية كما نجدها عند الكندي والفارابي وغيرهما. والتقسيم على هذا النحو يعتبر غير جامع ولا مانع كما يقول المناطقة

ويرى المؤلف أن القرآن والحديث لا يكونان مذهباً أخلاقياً وفي ذلك يقول: (إلا أنه حذار من المبالغة والقول بأن ما في القرآن والحديث من أخلاق يكون مذهباً أخلاقياً، فإن هذا لا يعدو، كما نعرف جميعاً، طائفة لها قيمتها من المواعظ والحكم تدل على الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. أما أنا فأعرف أن في القرآن فلسفة وأخلاقا وتشريعاً وقصصاً كأغلب الكتب السماوية. والجانب الخلقي في القرآن عملي يصف ألوان السلوك الواجب اتباعها، على أن هذا السلوك العملي يستمد كيانه من قواعد نظرية نستطيع استخلاصها. والمجال لا يتسع لبسط هذه النظريات، وأكتفي بضرب مثل بإحداها وهي نظرية أن الفضيلة وسط بين طرفين، فهي سائدة في أغلب السور مثال ذلك: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط)

والأخلاق عند إخوان الصفا كسبية لا فطرية، لا كما ذكر المؤلف من أن منها (ضرب جبلي وآخر كسبي) ص 180. وفي ذلك يقول إخوان الصفا ج1 ص 236 (والمثال في ذلك أن كثيراً من الصبيان إذا نشأوا مع الشجعان والفرسان وأصحاب السلاح وتربوا معهم تطبعوا بأخلاقهم وصاروا مثلهم. وعلى هذا القياس يجري حكم سائر الأخلاق والسجايا التي ينطبع عليها الصبيان منذ الصغر) والسبب في اعتناق إخوان الصفا مذهب الكسب في الأخلاق، لأنه يخدمهم في نشر عقيدتهم التي يريدون تغليبها في الأمصار. ولو قالوا بالفطرة ما كانت هناك جدوى من نشر مذهب جديد

والغريب أن المؤلف أخرج الغزالي من زمرة المتصوفة حيث قال ص 197: ولسنا في حاجة للقول أن الغزالي أصاب الحق بمجانبته للمتصوفة وموافقته للنظار والفلاسفة. ونقول أن الغزالي يقصد بالنظار أولئك الذين يسلكون طريق التصوف عن نظر لا عن تقليد أعمى

هذه النقدات لا تنقص من قيمة مجهود موفق جليل، نرجو أن يتابعه بمؤلفات أخرى في القريب.

الدكتور

أحمد فؤاد الأهواني