مجلة الرسالة/العدد 546/جامع أحمد بن طولون

مجلة الرسالة/العدد 546/جامع أحمد بن طولون

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 12 - 1943



للأستاذ أحمد رمزي بك

قنصل مصر في سوريا ولبنان

(تتمة)

سبب ذلك الفتنة التي قامت بمصر، وانتهت بمقتل الملك الأشرف، خليل بن المنصور قلاوون، فقد بدأت تلك المؤامرة في جبال كسروان، حينما عاد منها الأمير بيدا منصوراً أتابك العساكر المصرية، والتقى بالسلطان في دمشق فأكرمه، ثم تغير عليه فأسمعه القارص من الكلام فعقد النية مع بعض القواد على الفتك به ولم تسنح الفرصة إلا في إقليم البحيرة، عند عودة السلطان من الإسكندرية وقت انفراده بالصيد، وقد ترتب على وفاة الأشرف المناداة بأخيه الناصر محمد في العاشرة من عمره فقبض على بيدا، وعلى من يميل إليه، واتجهت الشكوك إلى حسام الدين لاجين، من أمراء الألوف وقواد الدولة، فلجأ هذا إلى المنارة الحلزونية، وأعطى الله عهداً - إن سلم من هذه المحنة ومكنه في الأرض أن يجدد عمارة الجامع - وقد استجاب الله دعاءه، فأناب الأمير علم الدين الداوداري، وجعل إليه شراء الأوقاف التي على الجامع الطولوني، وصرف إليه كل ما يحتاج إليه في العمارة وأكد عليه ألا يسخر فاعلاً أو صانعاً، وألا يقيم مستحثاً للصناع، ولا يشتري لعمارته شيئاً مما يحتاج إليه من سائر الأصناف، إلا بالقيمة التامة، وأن يكون ما ينفق على ذلك من ماله وأشهد عليه بوكالته

وقد أقام عمارة بالجامع وبالمحراب وبالقبة وبلطه وبيضه، وخلد ذلك في لوحة مكتوب عليها:

(أمر بتجديد هذا الجامع مولانا السلطان المنصور حسام الدنيا والدين لاجين)

ورتب فيه دروساً للفقه ودرساً للحديث، ودرساً للطب، وقرر للخطيب مرتباً وجعل له إماما، ومؤذنين وفراشين وخدما، وبلغت النفقة على العمارة عشرين ألف دينار

وفي المقريزي والسيوطي وابن إياس ما يدل على بقاء الأوقاف جارية والدروس وأسماء من تولى النظر عليه حتى نهاية الدولة المصرية، وفي خطط علي باشا مبارك ما يدل على ذلك في أوائل العهد العثماني.

ولقد استعمل المسجد آناً كملجأ للمغاربة، وأخرى كمخزن لحفظ القمح، وفي عهد الملك السعيد أقام المأتم بمناسبة مرور السنة الأولى على وفاة والده الشهيد الملك الظاهر، فكان جامع ابن طولون من المساجد التي اجتمع فيها الناس للعزاء آلافا.

ولو شئنا أن نعود إلى ما ذكرنا من كتب التاريخ رأينا أنه صلى في هذا المسجد على بعض من مات من خلفاء العباسيين بالقاهرة الذي لا تزال قبورهم محفوظة بجوار السيدة نفيسة، وكان آخرهم المتوكل على الله يعقوب الذي توفي في آخر عهد السلطان الغوري.

ثم بدأ عهد تدهور للمسجد حتى وصل إلى درجة خيف من سقوط سقفه، وجار الناس على أطرافه حتى أصبحت المنازل تطل عليه، وأخيراً توجهت إرادة المغفور له ملك مصر فؤاد الأول لإقامة الشعائر الدينية في الجامع، فصلى فيه صلاة الجماعة يوم الجمعة 23 رجب سنة 1336

ثم صدر النطق الكريم بوضع برنامج لإصلاح الجامع وتبليط الأروقة وتجديد البوائك التي اندثرت، وإصلاح الطاقات، ثم أعقب ذلك نزع ملكية المباني التي شغلت جزءاً من الأروقة المحيطة به حتى يصبح المسجد خالياً من جهاته الأربع في وسط ميدان عرضه من كل جهة عشرون متراً غير الميادين التي ستفتح أمام أبوابه

وفي سنة 1926 فتحت الحكومة اعتماداً قدره 45 ألف جنيه مصري، ثم أعقبها بأخرى؛ فكان ما صرف على إعادة المسجد مبلغ 90 ألف جنيه مصري

والآن وقد تمت هذه الإصلاحات للجامع الطولوني، فقد ظهر أهم الآثار العربية بالديار المصرية وأقدمها بمعالمه الحقة وأعيدت إليه الشعائر الدينية، وأدعو كل من قرأ هذه الكلمة إلى زيارته كلما توجه إلى مصر، فهو أثر خالد لا تشبع العيون من رؤيته، وفي العام الماضي من أوائل المحرم، وقد خرجت من المسجد بعد صلاة الجمعة، وتقدمت من الخطيب. قلت: ألا تذكر صاحب الصرح العظيم بكلمة. قال: إن شاء الله سأجعل في كلامي كل يوم جمعة رحمة، أسأل الله أن تنزل على الأمير العظيم في مرقده.

وإني لأختم كلمتي بترديد شعر للمعتمد العباسي يرثي صاحب المسجد:

إلى الله أشكو أسى ... عراني كوقع الأسل على رجل أروع ... يرى فيه فضل الرجل

شهاب خبا وقده ... وعارض غيث أفل

شكت دولتي فقده ... وقد كان زين الدول

وذكر ابن خلكان: (وزرت قبره في تربة عتيقة من الباب المجاور للقلعة على الطريق المتوجه إلى القرافة الصغرى بالمقطم).

عسى أن توفق مصر للعثور على قبر أول عاهل استقل بها في عهدها العربي.

أحمد رمزي