مجلة الرسالة/العدد 548/في الثرى
مجلة الرسالة/العدد 548/في الثرى
للأستاذ محمود عماد
كل شيء قد انتهى ... وانقضى العرسُ يا عَروسْ
والذي كان يُشتهى ... صار تشقى به النفوس
صار ما كان مقصفا ... لك يا قلب معبدا
ثم هدوه فاختفى ... فكأنْ لم يكن بدا
أقلع الركبُ وامدثرْ ... بعده واضحُ الأثرْ
هل لدى الحيّ من خبر ... أنّ ركبا هنا عَبَر
لم يَعد ثم من شهود ... بعدهم غير واحدِ
والقضايا لدى الوجود ... لا تزكي بشاهد
هم إذن فِريةُ ثوتْ ... صعبة الفهم شائكه
مثل أحدوثةٍ حوت ... جِنةً أو ملائكه
ما دليلي عليهمو؟ ... طاحت الدار والنزيلْ
أنت يا قلب تقسِم؟ ... حسبهم أنت مِن دليل
هاهنا إنّ هاهنا ... نهرَ نُعمَى لنا جرَى
موهنا ثم موهنا ... بعده غاب في الثرى
احفروا الأرض حفرة ... واضغطوا تُربَها الندِي
علّ في الترب قطرة ... تنفع الهائمَ الصدِى
اعصروا النبت ربما ... فيه من نهرنا وشلْ
واسألوا الريح أين ما ... قد روت عنه من بلل
اسألوا السحب هل ترى ... نهرنا عندها رُفعْ
كل ماء تبخرا ... في سحاب سيجتمع
إن في ذلك الثرى ... عهدنا مات واندفنْ
ويحه كيف لا يُرى ... منه عَظمٌ ولا كفن؟
بئسَ ما يفعل التراب قد حوَى أيَّ كيمياء؟ كل جسم به يذاب ... دون نار ودون ماء
كل جسم به يصير ... غير جسم على الزمن
راجح الرأي والغرير ... والذي شاهَ والحسَن
إن في القفر مقبرة ... من بترب بها درَى
اهو من جسم عنتره ... جاء أو جسم قيصرا؟
كل من قد تباينوا ... شأنهم في الثرى سواءْ
ذاك عدل مطمئِن ... لو ثوى العدل في الفناء
ليت لا ينقضي النعيمْ ... أو تراءى لدى الخَبرْ
لا كما خبَر الهشيم ... عن مدى نضرة الشجر
ليتنا حين نشتهي ... أيَ عهد لنا نأى
جاءنا ثم ينتهي ... مثلما تنتهي الرؤَى
قد عرفناك في المآلْ ... يا جسوما لدى الثرى
والأحاديث والخصال ... أين يذهبن يا ترى؟
هل لها داخل الفضا ... من قبور نزورها؟
أو مضت حيث قد مضى ... مِن رياض عبيرها؟
يحبس العلم باحتيالْ ... في قناِنيَه العبيرْ
ليته يحبس الجمال ... في حبوس فلا يطير!
ليته سجل الهناء ... في شريط له يذاعْ
مثلما سجل الغناء ... أو حديثاً لنا يشاع
سوف تبقى لنا العلوم ... معلنات غباءها
أو نرى ميتاً يقوم ... مستجيباً نداءها
انتهت قصة الشباب ... وانطوت شاشة النجوم
غير نجم هنا عجاب ... أرهقت ضوءه الغيوم
بينما المخرج الكبيرْ ... من يسمونه القدرْ
لم يزل يخرج الكثير ... من رواياته العِبَرْ هاهو النجم في المُحاق ... ساربُ وحده كليلْ
أفسحوا الجو يا رفاق ... واتركوا عابر السبيل
محمود عماد