مجلة الرسالة/العدد 551/القصيد المرسل

مجلة الرسالة/العدد 551/القصيد المرسل

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 01 - 1944



لأستاذ جليل

أبو علي أحمد شوقي لما (أصم به الناعي وإن كان أسمعا) أملي الشعور على اليراعة هذا الرثاء. وما كنت أنوي واليراعة تكتب أن أبني شعراً مطلقاً أو مقيداً أو نثراً مسجوعاً أو مرسلاً. وما كنت وقتئذ في حال تفكر أو تقصد. كتبت ما أوحى إلي، وحين تم الكلام لم أنكره. وما كنت علمت أو قرأت شيئاً مما ذكره العلامة الأستاذ العقاد والكاتب البارع المتفنن الأستاذ دريني. وما فكرت في هذا الشأن أدنى تفكير. والقريض تركته أو تركني منذ أكثر من ثلاثين سنة

قال قائلون: هذا شعر لم يقيد بالقوافي، ووجدت بحثاً في الشعر المرسل في (الرسالة) الغراء فرأيت إملاء قطع من رثائي شاعر العرب العظيم. والعربية لا تنكر تفننا في المقال، ولا تصد عن التنويع؛ فقصيد مقيد، وقصيد مرسل، وموشح وغير ذلك. ولكل مقام يقتضيه، وزيادة الخير في الفنون خير، والعالم في تبدل، والدنيا تطير. وإذا تفنن قائل أو أبدع وأجاد فلا تقل له (يا هذا) ضللت أو أخطأت

(شاعر العرب قضي، يا فتاة العرب، فالبسي ثوب الحداد!

وابرزي بين الملا حاسرة واندبيه.

زحزحي هذا النقاب لنرى وجه الحزين

أعرضي عن خَفَرٍ عُوِّدْتِه، فعيون القوم غرقى في الدموع

شيعي دمعك هذا قانئاً بنحيب ونشيج وعويل

وابذلي الدمع رخيصاً؛ إن من تبكين غالِ

بلبل (الكرمة) ولَّي، أين غاب البلبلُ، أين غاب البلبل؟!

غادر الطير ثكالى في حنين وأنين وشجن

زهَر (الكرمة) يبكي بدموع ظاهرات في الصباح

فنن (الكرمة) آس، لا اهتزاز، لا ارتياح، لا طرب!

بهجة زالت وجاءت وحشة، وعرا (الكرمة) حزن لا يريم!

مِدْره العُرب قضى يا فتاة العَرب، فالبسي ثوب الحداد! مَن لشغب قد بدا من مِشغب يرتجي شراً لإحياء العرب.

من يبيد البُطْل في الناس مشى، ويبين الحق يهدي الحائرين؟

أين شهباً حجج قد درأت لدد الخصم عنيفاً فخنع؟

أين صوْال على الظلم ضحى، قدع الظلم شباه فانقدع

من لغرب عاسف مغتصت لَصَّ حق العُرب في الصبح المبين

يا حليفا والعاً ما إن له، أبد الآباد عهد أو يمين

جيت كذاباً وجينا عرباً، ومشى اللؤم مع الخِيم الكريم

خاس هذا الغرب بالعهد، ولم يئتب من دنس الغدر الذميم

أيها الظالم، أرهق سادراً؛ سيرى الظالم عقبى الظالمين

قد هدانا (أحمد) منهاجها، سنلبي (أحمد) في كل حين

علم الأقوام قول بّين، خطة الأعتاق من رق مهين

عبقري الشعر ولى يا فتاة العرب، فالبسي ثوب الحداد

طرفة الدهر التي ضن بها ألف حول ثم جاد

(أحمد) عاد وعاد (البحتري) ورأى القوم (حبيباً) يبدع

مبدع في كل قول قاله، في قصيد ونشيد ورواية

نوَّر القرآن قولاً فعلاَ، وسما صاحبه في القائلين

إنما القرآن هدْى الناطقين، إنما القرآن نور العالمين

غثَّ قول لم يهذبه (الكتاب)

عبقريات بجلت للورى، يالها من فاتنات ساحرات!

فاتت الحسن، ولاحت عجباً، هل رأيت الحور في دار النعيم؟

هل رأيت الحور في جنة عدن؟

ابنة الدهر ثباتاً وخلوداً، ونشيد الدهر حزناً وحبوراً

رقية، سحر، نعيم، ولظى؛ جنة العرب، جحيم الغاصبين!

إنه الإعجاز قسم الأحدين، إنه الإبداع حظ المبدعين!

رب أحقاب تقضت ما رأت عبقرياً في شؤون أو فنون آه من دهر خبيث ناقد، باخل بالعبقريين ضنين

ويكأن الدهر يخشى النابغين، فقليلاً في الدجى ما يسفرون

ويكأن الدهر يخشى الخالدين، فهو لا يبدئهم في كل حين

إنما الدهر خصيم العبقري

غادة (الضاد) رزاها رازيْ وهي في سلطانها

بزها أوحى بنيها نجدة، وفتى فتيانها

ما رأى الرائي كشوقي فارساً قد جال في ميدانها)

إن فقدنا في مصر (أبا عليّ) فالعزاء في (عليّ) - علي محمود طه - والرجاء أن يسير في الطريقين: طريقه وطريق (أحمد)؛ و (أبو محمود) هو الأديب المقتدر بما أعطاه الله لم تزل مصر كعبة الشعر في الشرق (م) وفي كفها لواء الزعامه

(ن)