مجلة الرسالة/العدد 553/مسابقة الأدب العربي

مجلة الرسالة/العدد 553/مسابقة الأدب العربي

مجلة الرسالة - العدد 553 المؤلف زكي مبارك
مسابقة الأدب العربي
ملاحظات: بتاريخ: 07 - 02 - 1944


أخبار أبي تمام

للدكتور زكي مبارك

فرحة الأديب بالأديب

أتممت قراءة (أخبار أبي تمام لأبي بكر الصولي) وأثنيت من جديد على اللجنة المؤلفة من رجال الجامعة ورجال المعارف لتنظيم هذه المسابقات بمثل هذا النظر الدقيق

قضيت في قراءة هذا الكتاب سبع سهرات هي بداية كريمة لسهرات العام الجديد، ومن هذا الكتاب عرفت أن الأستاذين العظيمين خليل محمود عساكر ومحمد عبده عزام قد استطاعا تكوين قسم خاص بمكتبة الجامعة المصرية يشتمل على جميع ما أمكن الوصول إلية من المؤلفات التي عنى مؤلفوها بأبي تمام العظيم

وليس من الجديد أن أعرف الأستاذ محمد عبده عزام، فقد عرفته قبل سنين طوال، وأنا أستكثر عليه أي فضل، فهو أهل لكل فضل، وإنما الجديد هو التفاتي إلى الأستاذ خليل محمود عساكر، وأنا أذكر أني التفت إليه قبل قراءة هذا الكتاب، فليتقبل مني أصدق الثناء

وعلى غلاف الكتاب اسم الأستاذ (نظير الإسلام الهندي) بدون أي مجهود ظاهر يستحق وضع اسمه على الكتاب، ولكني بعد التأمل رأيته صحح لفظة كانت تحتاج إلى مهارة في التصحيح، وأنا أرى أن تصحيح لفظة واحدة عمل من أجل الأعمال؛ فقد انقضى زمن الأحجام والأوزان والمكاييل!

من هذا الصولي

معرفتي بأبي بكر الصولي قديمة العهد، فقد كان صاحب الفضل في أن أعرف مؤلف (الرسالة العذراء) يوم ثار الخلاف بيني وبين أستاذي مرسيه تحت أروقة الكولليج دي فرانس

وكان مثار الخلاف أن نسبة الرسالة العذراء إلى ابن المدبر ليست موضع يقين

إشارة واحدة في كتاب (أدب الكتاب للصولي) دلتني على أن لبن المدبر هو مؤلف الرسالة العذراء ولكني لم أعرف الصولي معرفة حب وإعجاب إلا قراءة كتاب (أخبار أبي تمام) فقد وجدته يؤمن بالأدب إيماناً هو الغاية في العمق، والذي يقرأ دفاعه عن أبي تمام يكاد يتوهم أنه يتحدث عن نبي من الأنبياء، لا شاعر من الشعراء، ويزيد في قيمته أنه يرد معاني أبي تمام إلى مصادرها القديمة حين يجد ما يوجب ذلك، وهذا الصنيع يشهد بحب هذا الرجل للصدق، ورغبته في أن تسلم أقواله من الأهواء

وقد تألمت حين تذكرت أن من الصعب أن نصل إلى بقية مؤلفات الصولي، ولا سيما المؤلفات الخاصة بتحقيق طائفة من دواوين الشعراء، كالذي صنع في تحقيق ديوان أبي نواس، بحيث صارت نسخته هي النسخة المعتمدة، وبحيث صارت النسخ القديمة تباع بدراهم بعد أن كانت تباع بعدد أوراقها دنانير فأين تلك النسخة الفريدة؟

هل يسمح الزمان بأن نجدها في أي مكان؟

إن ديوان أبي نواس أهمل، ولا أذكر أن في علماء هذا العصر من اهتم بشرحه، مع استثناء جهد أستاذنا الشيخ سيد المرصفي في شرح الرائية التي منها هذا البيت:

لا أذود الطير عن شجر ... قد بلوت المرَّ من ثمرهْ

وأهمية نسخة الصولي أنها من تصنيف رجل قريب من زمن أبي نواس، ومن حديث الصولي نعرف أن المفاضلات بين بشاد وأبي نواس كانت تشغل الأندية في تلك الأيام، ومعنى هذا أن أشعار أبي نواس كانت لا تزال بمنجاة من التزبد والافتراء يرحم الله الصولس!

تراجم مفقودة

قال الناشران الفاضلان إنهما لم يعثرا على ترجمة مزاحم بن فاتك الذي ألف له الصولي كتاب (أخبار أبي تمام)، وأقول إن ترجمته موجودة بشهادة هذا الكتاب، أعني أنه كان شخصية كبيرة عاشت في صدر القرن الرابع واستحقت التفات الصولي الذي كانت له منزلة تسمح بمنادمة الخلفاء

ولكن هنالك تراجم مفقودة أحب أن يبحث عنها هذان الناشران الفاضلان، وهي تراجم الرجال الذين عادوا الصولي عداء ذهب برشده كل مذهب وأجرى قلمه بما لا يصدر إلا عن رجل مغتاظ مهتاج ومن المؤكد أن أولئك الرجال لم يكونوا نكرات، فكلامه صريح في أنهم كانوا يبارونه في التأليف، ويحاولون أن يخرجوه من الميدان

لقد حدثنا أنه انتصر عليهم، ولكن من هؤلاء الذين غاظوه وحاربوه؟

إنه كتب كثيراً من الصفحات في ذمهم وثلبهم ليبرد ما يتأجج في صدره من نيران الحقد

فمن هؤلاء؟

لابد من النظر مرة ثانية في التاريخ الأدبي لذلك العهد، فمن المحتمل أن نعرف فريقاً من هؤلاء، ومن المحتمل إن عرفناهم أن يزيد فهمنا للمشكلات الأدبية عند ذلك الجيل، وهو من أهم الأجيال

مقدمات وشروح

نجد مع هذا الكتاب مقدمتين: الأولى بقلم الأستاذ أحمد بك أمين، والثانية من صنع الأستاذ خليل محمود عساكر والأستاذ محمد عبده عزام

والمقدمة الأولى جيدة، وإن كنت أنكر أن يقول فيها الأستاذ أحمد أمين إن أبا تمام أخرج الشعر من رأسه لا من قلمه، فهذا القول غير صحيح، لأن أبا تمام رجل قوي القلب إلى أبعد الحدود، وشعوره بالحياة يدل على أنه كان غاية في قوة الوجدان وسنفصل هذا المعنى في المقال المقبل

أما المقدمة الثانية فهي صورة من البحث الهادئ الرزين والشروح سخية جدا، ففيها معارف أدبية ولغوية وتاريخية تنفع القارئ أجزل النفع، وتشهد لمؤلفيها بالصبر على عناء الاستقصاء

وفي ذيل الكتاب فهارس وافية، وقد روعيت فيها الأصول الصحيحة، على خير ما ترجو لإحياء مؤلفات القدماء

هبة الأيام

وأنتهز هذه الفرصة فأدعو المتسابقين إلى النظر في كتاب (هبة الأيام، فيما يتعلق بأبي تمام) للبديعي، ففي هذا الكتاب أشياء تكمل كتاب الصولي، وقد نشره الأستاذ محمود مصطفى أستاذ الأدب بكلية اللغة العربية، وقد فقدته لغة العرب منذ سنة أو سنتين، فما أذكر متى مات، إن كنت أذكر أنه اختضر ليفارق على غير ميعاد

لو كان الأستاذ محمود مصطفى نشأ في عهد مثل عهد الصولي لوجد من يترجم عليه ويحيي ما ترك من غرر المخطوطات، ولكنه نشأ في عهد محوط بتقلبات لا تطاق، فلم يبكه غير كفنه ومضى وحيداً إلى دار البقاء

لم يرث الأستاذ محمود مصطفى إلا بكلمة أو كلمتين في مجلة (الرسالة)، وهذا فضل عظيم، فقد سكت عن نعيه جميع من انتفعوا بأدبه من أصحاب الجرائد والمجلات

أسئلة الاضحاق

وأرجع إلى الموضوع الأصيل فأقول: إني كنت أضمن في كل مرة قدرة الظفر بالخزانة التي تودع فيها أسئلة الامتحان فليعرفوا أن هذا المقال محاولة لكسر أقفال تلك الخزانة، وليثقوا بأني سأنقل إليهم أسرارها في المقال المقبل

ما هو الشمع الأحمر الذي تختم به وزارة المعارف صناديق أسئلة الامتحان؟

نحن نوجه تلاميذنا توجيهاً يضمن لهم معرفة تلك الأسئلة بأيسر عناء، إن كان من العسير عليهم أن يصلوا إلى خزانة محروسة بجنود صناديد

في مقدور كل تلميذ أن ينهب وزارة المعارف وأن يظفر بألقابها حين يشاء، على شرط أن (يعرف) كيف ينهب وزارة المعارف، وهي وزارة تشتهى أن ينبهها أبناؤها الأوفياء

فإلى المقال المقبل، يا عشاق المجد من قرائي.

زكي مبارك