مجلة الرسالة/العدد 554/القصص
مجلة الرسالة/العدد 554/القصص
جميلة تحت ظلال الأرز
ملخصة عن قصة طويت لهزي بوردو
بقلم الأستاذ حلمي مراد
لم يكن يدور بخلدي، يوم أن رست بي الباخرة (لوتس) في ميناء بيروت، أن الأقدار قد هيأت لي أن أعود من زيارتي للبنان بوقائع هذه الفاجعة: فاجعة قلبين فرقت بينهما شريعة الدين، فجمعت بينهما شريعة الحب. وما كنت لأقص خبرها لو لم أسمعها بأذني من فم الرجل الذي كان شاهدها، بل كان واحداً من أبطالها، قبل أن يكون راويها
كنت قد عرفت (خليل خوري) في إحدى قرى لبنان؛ كان شيخاً مارونياً في نحو السبعين من عمره، طويل القامة، وسيم القسمات، مهيباً في عباءته الحمراء وعقاله الأسود العريض. وكنت قد قضيت اليوم معه في التجوال فوق قمم الجبال التي تكسوها الثلوج، حتى أن لنا أن نستريح، فجلسنا عند حافة غابة الأرز العتيق، نشرف من عل على الوادي السحيق، حيث ينبثق نهر (قاديشا) من بين الصخور التي اصطبغت بلون الأرجوان، وينساب بين المراعي والقرى وغابات البرتقال
وهناك تحت ظل أرزة ساحقة، باح لي الشيخ الحزين بسره الذي أقفل عليه قلبه طوال خمسين عاماً كاملة. باح لي به تحت تأثير إلحاحي الشديد، وتحت وقر الكتمان الطويل الذي كثيراً ما يرهق العاشق كما يرهق المجرم الأثيم
قد يبدو غريباً أن ترد قصة غرام جارف على لسان عجوز في السبعين، ولكن عزاءه كان أن الاستغراق في الذكرى قد أعاد له - ولو إلى حين - انفعالات الشباب، فوجد في قلبه، مرة أخرى، عاطفة الأيام الخوالي. العاطفة التي أحالت واحة حياته إلى صحراء مقفرة، لا بهجة فيها ولا رواء
ومن يدري؟ ربما كان الشيخ قد رأى في تغلبه على عوائق السن ودواعي الوقار، أطيب تحية يزجيها للعاطفة الأثيمة التي فاضت من قلب (جميلة) قبل نصف قرن من الزمان كان ذلك حوالي عام 1870، في قرية (بشرى) الهاجعة في أحضان الجبل على عتبة غابة الأرز، ولم يكن مضى غير أعوام منذ فقد خليل خوري أباه في مذبحة (دير القمر) وهي إحدى المذابح البشعة العديدة التي خضبت في القرن الماضي جبال لبنان بدماء بنيه من المسلمين والمارونيين. فلما دهم اليتم الغلام، وهو ما يزال في الثامنة، تلقفه بالعطف والحدب أكثر من قلب، وخاصة من أفراد أسرة الشيخ راشد والد جيرانه الأطفال: بطرس وجميلة ومنتهى، ومن ثم وجد الغلام في ثلائتهم اخوة يبادلونه ألعابهم ويصطحبونه معهم كلما خرجوا على ظهور الخيل للصيد بين الجبال
مرت أعوام، وبلغ الفتى علمه الخامس عشر، فإذا ببطرس يفاجئه يوماً بالقول في لهجته القوية الآمرة: (إن جميلة سوف تغدو زوجتك يا خليل). . . وكأن هذه الكلمات قد أثارت في الفتى فتوته فسبقت مشاعره سنه، وإذا به يحس مزيجاً مسكراً من الأحاسيس والأخيلة، ثم إذا بالخيال يوشك أن يصبح حقيقة، حين يدرك خليل من حركات وهمسات أفراد الأسرتين أن زواجه من جميلة أضحى أمراً مفروغاً منه. . . ولم لا؟ أليست جميلة كأخته؟ إذن فالتطور لن يصل إلى حد الطفرة، لن يعدو أن يكون خطوة قصيرة واستكمالاً طبيعياً لمودتهما العذبة، المودة التي وقفت صلتهما عندها طويلاً. . . إلى أن وقع حادث تافه بد لها في قلب خليل إلى حب جارف. . .
. . . وإنه ليذكر ذلك الحادث كأنه قد حدث بالأمس. . . كان خليل عائداً مع بطرس وجميلة - عصر أحد أيام الشتاء - من قرية (حصرون) القريبة، حيث كانوا يبتاعون بعض ثمار القراصيا والمشمش المجفف. وإنهم لفي الطريق الغائص تحت الثلوج، وإذا ببطرس قد أبعد في سيره طلباً للصيد في الغابة. وبقى خليل وجميلة ينتظران عودته، وبينما هما يسيران متجاورين، لمست يد الفتى - عفواً - يد رفيقته. . . كانت باردة كالثلج، فأخذها بين راحتيه يدفئها ويعيد إليها الحياة، برغم أن الدفء والدم قد سريا إليها بعد حين، فإنه قد استمرأ أن يبقيها برهة أطول، حتى قالت له الفتاة ضاحكة: (دعني) فلم يبال رجاءها بل ضغط يدها أكثر، ثم اندفع فجأة يقبل اليد الرخصة بلا وعي! ظلت الفتاة ساكنة، لم يرعبها هذا الانفعال غير المألوف، ولكنها عادت بعد برهة تقول به في صوت خفيض: (هيا بنا نعود). . . ووافقها هذه المرة وحين أبلغها بيتها، وجدهم قد أعدوا لهما نبيذاً دافئاً، ولكنه كان ثملاً بغير خمر. وتغيرت نظرته إلى جميلة، رآها بعين العاشق الفاحصة في ثوبها الصوفي الأبيض، وراح تصره يتملى شعرها اللامع ورقبتها التي في لون العاج، وخدها الدافق بحيوية مشبوبة، وعينيها الزرقاوين كالبحر الهادئ حين يرى من هامة غابة الأرز في يوم صحو جميل. . . ثم صوتها بدا له كأنه لم يسمعه من قبل، حتى لقد ود لو يذوقه في منبعه: بين شفتيها الحمراوين كالقرمز، وأسنانها البيض كالثلج. وبالاختصار وثب إلى ذهنه إدراك مباغت: أن طفلته قد صارت امرأة
وعندما وصل إلى بيته، سأل أمه في اضطراب: (ألم تحن الساعة بعد يا أمي؟) ولم يزد. وفهمت هي مراده بغريزة الأمومة فضحكت وهي تقول: (كما تريد يا بني). . . وفي اليوم التالي سار ثملاً مع أمه إلى بيت الشيخ راشد لخطبة جميلة. وبأمر من بطرس، وعلى ملأ من الأسرتين، قطف خليل من خدها القبلة الأولى. ثم جاء الربيع، وأزهرت أشجار الفاكهة الفواحة الأريج، ولكن بقية من الثلوج البيض المتناثرة، كانت ما تزال ترى من شرفة بيت الشيخ راشد، فسأل الفتى واجفاً (متى الزواج؟) وأجاب الأب (حين تذوب الثلوج هناك) وكان معنى هذا القرار: الانتظار حتى أغسطس. وهكذا صار الموعد رهناً بحرارة الشمس لا بحرارة قلبي العاشقين. . . ومن ثم صار الفتى يسرع إلى الشرفة كل صباح كي يطمئن. . . لكن الشتاء كان قاسياً فطال بقاء الثلوج
وفي ذات صباح جميل، رؤى خليل بعدو كالطفل إلى بيت جميلة وهو يقول: (جميلة!. . . جميلة! لقد ذابت آخر قطعة من الثلج. . . لم يعد هناك ثلوج) وأسرعا معاً إلى الأب، فقال لهما بصوت أغاظتهما رزانته: (ستتزوجان. . . بعد أن ينفض عيد الأرز)
. . . وجاء يوم العيد. وأقبلت على غابة الأرز جموع المعيدين، من قرية بشرى وسائر القرى المتناثرة كالعنقود على جانبي النهر. . . ثلاثة آلاف نسمة أقبلوا لقضاء يومهم في الهواء الطلق تحت ظلال الأشجار العتيقة، يستمعون إلى الطقوس الدينية، ويتناولون طعامهم على العشب، ويرقصون (الدبكة)، رقصتهم الوطنية الجميلة. . . حتى يغيب النهار فيعودون إلى بيوتهم مع المساء
وجلس أفراد الأسرتين تحت أرزة وارفة الظل مدت غصونها فوق رؤوسهم كأنها تباركهم وتحميهم. . . جلسوا جميعاً: خليل وبطرس ووالده الشيخ وجميلة وأختها الصغرى منتهى، ثم صديقاتهن: آبلة ونالة وراحيل، وقد خلعت كل واحدة نقابها الأبيض ونشرته على فرع من شجرة الأرز. . . وكانت جميلة تبدو بينهن - وهي متكئة على وسادتها - كالملكة في بلاطها، وأحس خليل بغبطة جارفة. إنها ستغدو له وحده بعد أيام. . . وبينما هو مستغرق في الحلم همس له بطرس بلهجة تنطق بالحقد، وهو يشير أمامه: (مسلمان!. . . ماذا أتى بهما؟. . . ماذا يريدان؟ وتلفت خليل إلى حيث أشار فرأى أعرابيين شابين يترجلان من فوق صهوة فرسيهما المطهمين، وقد بدت طلعتهما رائعة وقسماتهما وسيمة. . . بلحيتيهما السوداوين، وعيونهما السمراء التي ترسل نظرات من نار وتقدح بفتنة لا يمكن تجاهلها. . . ووراءهما تابعان يجران الفرسين، ولم يكن الضيفان سوى عمر بك الحسين، وعبد الرزاق بك عثمان، من أمراء عكار، جاءا ينشدان النزهة والترويح عن النفس
دأب الشابان على تقليب البصر في وجوه القوم، حتى استقرت نظرات عمر بك على جميلة، وثبتت عندها. لم يحس خليل بدبيب الغيرة في بادئ الأمر، ولكن النظرات طالت، فبدأ الدم يصعد إلى رأسه. إن الغريب قد اجترأ على فتاته. . . أليست هذه إهانة للمارونيين جميعاً؟ وأخذ الاهتياج يعذبه، ولكنه كتمه وعاد ينظر إلى جميلة. كانت قد اضطجعت على وسادة ناعمة، في وضع أظهر فتنتها صارخة، وكان شعرها يحتضن كتفيها، وشعاع من الشمس قد انساب من بين الغصون فوقع على خديها وطلاهما بلون الذهب أو الحنطة. ترى هل تم هيئتها عن احتقارها لجرأة الغريب؟ ولكنها تنظر إليه بدورها طائعة، وعيونهما تتقابل. وأحس خليل أن عاصفة تجتاح نفسها وتعكر البحر الصافي في عينيها، حتى لتبدو عليها سمة الفتاة حين تسلم كيانها لانفعال حاد، وخيل إليه أن عاطفتها الناعمة من نحوه قد تبددت، جرفتها العاصفة العاتية التي أثارتها في أعماقها نظرات عمر. ومن ثم أحس الفتى بحلمه يتبدد رويداً رويداً، وبحلقه يجف، فود لو يستغيث، لكنه لم يجد صوته. إن نظراتهما ما تزال متقابلة في غير مبالاة بالجموع الغفيرة التي شغلها الطعام أو شغلتها الغفلة والغباء عن التنبه لما يجري. وأخيراً أفاق العاشق المعذب من غمرة أفكاره على صوت بطرس يسأله وهو يهز كتفه مراراً: (ما بالك يا خليل؟) فأجابه دون وعي: (إنها تنظر إلى الغريب) وضحك بطرس في سخرية، واحمرت وجنتا الفتاة، لأنها لا شك سمعته!
فرغ القوم من الطعام وبدأت رقصة (الدبكة) بعد حين، فرقص بطرس مع الجموع، ثم نهضت جميلة، فأخلى الكل الحلقة لها ووقفوا حولها يتفرجون في شغف، وراحت هي ترقص وحدها في خفة الطير، وكأنها من فرط رشاقتها لا تلمس الأرض. كان ذراعاها البضتان تدوران في الهواء، واتخذت بشرتها لون أحجار (بعلبك) حين يغرب عليها النهار. وفي كلمة، كانت كآلهة الشباب والجمال والحب، ثم فرغت من رقصتها بعد حين؛ وتقدم خليل ليهنئها؛ فإذا بها منشغلة عنه يتلقى نظرات الأعرابي الجميل. واقترب والدها يرحب بالضيف، وطال بينهما الحديث: امتدح الشيخ فرس عمر، فقال هذا: (عندي أختها وتدعي سلمي. سأحضرها لك إذا شئت) ورحل الفارسان، وعادت الأسرتان إلى القرية
وفي أثناء الطريق سار خليل وجميلة متجاورين، صامتين كأن عتاباً خفياً يلجم لسانيهما، وحين جلس خليل إلى مائدة العشاء - في بيتها - وجد على مقعده غلافا صغيراً فضه في غفلة العيون؛ فإذا فيه خاتم الخطبة وكل ما أهداه إليها من حلي!
تحطم قلبه بغتة، ولكن أحداً لم يلحظ شيئاً، فإن القلوب لا تحدث صوتاً وهي تتحطم. ووجد في نفسه القوة على الكتمان. وفي اليوم التالي لقيها في الحديقة، وجلسا معاً عند النافورة، فكانت جميلة ترمقه بنظرة مشفقة أليمة، ثم تخفض بصرها إلى ذرات الماء المتساقطة من النافورة في الحوض. . . وجرى بينهما عتاب رقيق حزين كنفسيهما. سألها خليل: (إنك لم تعودي تحبينني؟) وكان زائغ النظرات، فغضت من بصرها ثم أجابت بعد حين: (هو ذاك) وعبثاً حاول أن يطرد من قلبها شبح عمر، فإنه كان قد احتله وتحصن فيه. وافترقا على أمل يراود خليلاً، بأنها ستنسى الغريب مع الأيام.
لم يمض يومان حتى عاد عمر ومعه الفرس التي وعد بها أبا جميلة، وأعجب بها الشيخ راشد فسأل صاحبها عن الثمن، ولكن عمر أمهله قائلاً له في لهجة حازمة: (سأحدد لك الثمن. . . في الغد) وعبثاً ناقشه الشيخ فإنه أصر، وإزاء إصراره وتحت ضغط الحرج والشهامة والكرم، دعاه الشيخ إلى قبول ضيافته وقضاء الليلة تحت سقفه. . . فقبل عمر!
ماذا حدث بعد ذلك في ضمير الليل؟ لم يدر أحد. . . حتى أفاق خليل من نومه في الصباح مذعوراً، على صوت بطرس يبلغ إليه النبأ: إن الضيف قد فر، وجميلة قد اختفت. . . هل فرت معه طائعة، أم خطفها؟ من يدري!
وبعد ساعات كان بطرس وخليل ممتطيين صهوة سلمي فرس عمر، في طريقهما إلى بلدته (عكار). . . وراح قلب العاشق المدنف يناجي طيف محبوبته (جميلة!. . . أين أنت الآن؟ ترى هل يقع بصري عليك بعد اليوم، فأرى عينيك في لون البحر الهادئ تحت أعتاب الجبل، وأرى خديك الناضرين ورقبتك التي في لون العاج، وذراعيك، وشعرك. . . شعرك الجميل. . . إن الطل لا بد قد بلله ليلة أمس، وأنت تحيطين بدن عمر بذراعيك فوق صهوة الفرس وهي تعدو بكما منسابة بين الجبال في الظلام. . . جميلة! جميلة! إنني آتٍ في ظل إثمك أتبعك. . . ألا تسمعيني يا جميلة؟) لكنها لم تسمع، فإن أسوار قصر عمر في (عكار) كانت غليظة وعالية!
وبعد أيام خرجت عكار عن بكرة أبيها إلى الطرقات، وازينت، كي تحتفل بزفاف المارونية التي أسلمت، وكي تراها وهي تعبر شوارع البلدة في هودجها الفاخر يتهادى بها. وبينما كان الركب يخترق أحد الشوارع كان خليل وبطرس واقفين يستعرضانه في صمت وغيظ. وحين مر بهما الهودج وجميلة في داخله تبتسم جذلة، امتدت يد بطرس إلى غدارته، وهم بإطلاقها، لولا أن أقنعه خليل - والدموع في عينيه - بأن يتريث فإنه يريدها حية؟ وارتدت يد الأخ الغاضب لشرفه. ومر الركب بسلام. ومضى التعسان مبتئسين، والحنق يجفف حلقيهما ويضن عليهما بالبكاء
وحين بلغ الموكب القصر، وضم عمر عروسه إلى صدره، كانت ظلال خليل وبطرس قد اختلطت بالظلام الذي يرين على الطريق، حتى إذا كان الغد، عادا أدراجهما إلى قريتهما
ومضت أيام وأسابيع وشهور، والغضب للشرف ما يزال يتأجج في صدريهما وفي صدر الأب الحزين (الشيخ راشد) فإنهم جميعاً لم يكونوا قد طلقوا عزمهم على استعادة جميلة بأي ثمن!
وبعد سبعة شهور من الزفاف، وفي أوائل الربيع، عاد خليل وبطرس ينحدران بين غابات الصنوبر والأرز، في طريقهما إلى (طرابلس)، فقد أتاهما النبأ أن جميلة وعمر قد انتقلا إلى قصر آخر له هناك
ولم يطل بحثهما عن ضالتيهما، فقد اهتديا سريعاً إلى القصر الباذخ، حيث تعيش العاصية، كافرة بشريعة العشيرة، مؤمنة بشريعة الهوى
وبعد أيام - ومن نفس الطريق - عاد الشابان يصعدان الجبل إلى قريتهما ومعهما في هذه المرة. . . جميلة؛ فقد وفقا إلى اختطافها أخيراً
وفي (بشرى) انعقد مجلس الأسرة لمحاكمتها، واعترفت التعسة بكل شيء: اعترفت بأنها قد فرت من كنف أسرتها مختارة، وطلقت دينها مختارة، وتزوجت من عدو عشيرتها. . . مختارة أيضاً
وصدر حكم الأسرة عليها بالإعدام. ووكل أمر التنفيذ إلى أخيها بطرس.
كم بكى خليل، حين انفرد بالعاصية بعد صدور الحكم، وكم أجهد أعصابه وهو يفتنها عن حبها لعمر، محاولاً إقناعها بأن تشتري حياتها بالزواج منه هو. . . لكنها أبت في إصرار، وراحت تتطلع إلى بعيد وقد رفت نظراتها وبدت كالحالمة وهي تقول بصوت حنون: (إنني أوثر حبي، فأنت لا تعرف حبيبي) ودق الباب، ودخل بطرس - جلادها - فبكى خليل، وإذا بها ترمقه بنظرة أوهنها الإشفاق، ثم تقول وهي تضع يديها على كتفيه: (كن شجاعاً يا خليل. . . فلست بخائفة. . . وهل يعرف الخوف من يعرف الحب؟)
ثم ذهبوا بها وقد انتزعوها منه بعد أن أوصدوا عليه الباب وحين تمكن من اقتحامه، بعد لأي، مضى كالمجنون، يعدو باحثاً عنها. . . حتى وجدها تحت شجرة أرز. . . مذبوحة!
ولم تمض أيام حتى لحق بها زوجها عمر. قتل نفسه على قبرها، بعد أن أوصى بأن يدفن معها في نفس المقبرة. . . المقبرة التي ما تزال قائمة حتى اليوم خارج بلدة طرابلس، والتي ما تزال تظهر على أحجارها أحرف محفورة بخط عربي جميل. . . أحرف اسمي: عمر وجميلة.
حلمي مراد
المحامي