مجلة الرسالة/العدد 557/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 557/البريد الأدبي
قنا وأسوان
ما زال السيل الجارف من التبرعات الكريمة ينهال على منكوبي قنا وأسوان، كما تنهال صبابات الماء على اللاهث المحرور فتنعش من روحه ومن بدنه. وما برحت جهود الحكومة وعلى رأسها مليكنا المعظم تتوالى على القوم بما يكشف ضرهم ويخفف من بلواهم. وإن العوامل التي تحفزنا إلى معونة هؤلاء البائسين لمتعددة ومعروفة؛ ولكنا قد نضيف إليها عاملاً جديداً بما نحاوله هنا من الإشارة إلى حال هذا الإقليم من الرقي والرفاهة في سابق عهوده.
فقد غبرت قرون كثيرة وتلك المنطقة من صعيد مصر تكاد تبز سائر المناطق خصباً وحضارة وعلماً ورقياً وعمراناً. وكانت أسماء المرج وسمهود وبهجورة وفاو ودشنا وهو وفرجوط وقنا وقفط ونقادة وقوص وقمولا والأقصر وأرمنت وأسفون وإسنا وأدفو وأسوان - تحتل كلها رأس القائمة بين كبريات المدن التي يؤمها أهل الوطن أو النازحون إلية من سائر الأقاليم. فثمت كان العلم والمال والجاه جميعاً. وهنالك كان الهدى والغي لمن يلتمس أحدهما أو كليهما، على حد قول قائلهم - في أسوان:
أسوان في الأرض نصف دائرة ... والخير فيها والشر قد جُمعا
تصلح للناسك التقى إذا ... أقام، والفاتك الخليع معا!
وكانت خصوبة هذا الإقليم وعذوبة مائه مما يضرب بهما المثل، ولا تستنكر عند ذكرهما المبالغة. قال السديد الدمياطي: انتهيت في السفر في الوجه القبلي إلى هو، وبين مائها وماء مصر كماءٍ بسكر وماء صرف!
وقد ذكر كمال الدين الأدفوي صاحب كتاب (الطالع السعيد، الجامع لأسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد) أن الفدان في هذا الإقليم ينتج ثلاثين إردباً من البرسيم ومن الشعير أربعين، ومن الذرة أربعة وعشرين أو ما يقارب ذلك
وذكر أيضاً أن منطقة إسنا أنتجت في بعض السنين أربعين ألف إردب تمراً، واثني عشر ألف إردب من الزبيب. وأنه تحصل من مدينة أسوان سنة ست وثلاثين وسبعمائة ألف إردب من التمر. قال: (وأخبرت أن نخلة بالقوسة من عمل المرج، وأخرى بقمولا، حص من كل منهما اثنا عشر إردباً من التمر)
وكان عنب هذا الإقليم - كسائر فاكهته - من أعجب ما وقع عليه الناس. وزنوا حبة منه بمدينة أدفو فبلعت عشرة دراهم، كما روى الأدفوي في موضع من كتابه المذكور
وقال في موضع أخر إن بطيخ هذه البلاد وافر الحجم (بحيث ما يكاد يستقل بحمل الحبة الواحدة إلا الرجل الشديد القوة)
هذا وقد كان طريق الحج بين قنا وعيذاب. مما يزيد في تقدم هذا الإقليم وثراء أهله؛ ومنه اجتاز أكثر الرحالين المشهورين على فترات من التاريخ متباعدة
وإن الحديث ليطول على من يحاول التنويه ببعض من أنجبت هذه البلاد من العلماء والأدباء والفقهاء والمحدثين، وغير أولئك من ذوي الفضل والجاه. فلنكتف - الآن - بهذه الإثارة من تاريخ القوم وبلادهم؛ ولنعلم أنها بلاد كانت من العز والنعمة بمكان فشقيت وذلت؛ وأنه لم يكن عجيباً - في فترة ما - أن يهتف شاعر من أبنائها ضاقت نفسه بإقفار مدائن الشمال؛ فيقول صادقاً:
لهفيِ على قوصٍ ولو أنني ... أكون من حُرَّاس أبنائها!
(جرجا)
محمود عزت عرفة
مجمع فؤاد الملكي للغة العربية
اجتمع مؤتمر المجمع ستة أسابيع متوالية من 15 يناير سنة 1944 عقد خلالها ثماني عشرة جلسة شهدها حضرات الأعضاء المقيمين بمصر والوافدين من الخارج
وقد عرضت خلال هذه الجلسات طائفة من المسائل، منها: ما يتعلق بالمصطلحات العلمية في علوم الجراثيم والأمراض والرمد وغير ذلك من فروع الطب، ثم في مصطلحات لمقدمة القانون والأموال والالتزامات وغيرها من فروع القانون فأبديت في بعضها ملاحظات، وقرر المؤتمر أن يتولى حضرات الأعضاء الممثلين للبلاد العربية عرض هذه المصطلحات على الهيئات العلمية المختصة في بلادهم لموافاة المجمع بالرأي فيها، كما قرر أن يتصل المجمع بالهيئات الرسمية في البلاد العربية لهذا العرض وكذلك نظر المؤتمر في اقتراحات مختلفة منها ما يتعلق بوضع معجم لغوي لألفاظ القرآن الكريم على أسلوب ميسر يقتصر فيه على شرح المفردات اللغوية شرحاً دقيقاً وافياً. فوافق المؤتمر عليه وألف لجنة لذلك
ومنها ما يتعلق بقياسية بعض الصيغ الصوفية التي يحتاج إلى استعمالها بكثرة فأقرها المؤتمر معتمداً في ذلك على أقوال بعض علماء الصرف والاشتقاق
ومنها ما يتعلق بتيسير بعض قواعد اللغة ومثلها فقرر المؤتمر أن يحال هذا الاقتراح وما دار فيه من مناقشات إلى لجنة الأصول لدرسه مفصلاً وتقديم تقرير بما تراه إلى المؤتمر في اجتماعه المقبل
ومن الاقتراحات كذلك ما يتصل بتيسير الكتابة العربية إما بوصل علامات للحركة والسكون ببنية الحروف، وإما باتخاذ حروف لاتينية تضم إليها بعض الحروف العربية، وناقش المؤتمر هذين الموضوعين ورأى أن ينشر ما قيل فيهما من آراء وردود في مختلف الهيئات العلمية بمصر وغيرها لكي يتيسر للجنة المختصة جمع ما يمكن جمعه من الآراء المختلفة فيهما وما قد يرد إليها من مقترحات أخرى في هذا الموضوع وذلك تمهيداً لوضع تقرير يعرض على المؤتمر في اجتماعه المقبل
واقترح أن يطلب وضع جائزة مالية لمن يقترح من غير أعضاء المؤتمر مشروعاً في ذلك ينال القبول
1 - الشعر الجديد وطاقات الريحان والورد والنقد
ما عرفت أستاذنا الكبير (ا. ع) ورعاً عند اللقاء هيوباً؛ ولا عرفته جبان القلب نكس اللسان. فهو يستطيع في عفة قول، وشرف كلام، وصواب منطق، وحسن نية أن يوجه المتخلفين من شعراء هذا الزمان إلى قصد الطريق
وليس بعذر من أستاذنا الكبير - ا. ع - أنه يتهيب ألسنة الشعراء المنقودين أو يخشى عواءهم. فمن كان مثل الأستاذ في المكانة والقصد لا يضيره عواء ولا هراء
ومتى كان المعلمون الأفاضل وشيوخ اللغة والأدب يتوقون ما يجره عليهم النقد من اجتراء السفهاء وسلاطة النوكي؟
الحق أن الأستاذ الفلسطيني الجليل، والأستاذ المصري الكبير، هما أجل قدراً من أن يتأثرا بما يتعرضان له من خصومة المغرورين من شعراء زماننا؛ وهما - في الوقت نفسه - أكبر من أن يضنا على (الشعر الجديد) بتوجيه سديد ورأى مفيد
أما إرسال الكلام على وجه التعميم، من غير أن تبين مواضع النقد، فذلك ما لا يرجى معه للشعر صلاح
وإني لأعرف من صراحة الأستاذين: (الجليل) و (الكبير) ما يطمعني في الرجاء منهما أن يفصلا النقد، ويبينا القصد. وبذا تكون لهما على الشعر الحديث يدٌ أي يدٌ. والسلام عليهما ورحمة الله
2 - أقوى من الموت
هذا الكتاب ألفه أيليا أهرنيورغ، وترجمه قدري قلعجي ونشرته مجلة الطريق ببيروت
والكتاب قوي العبارة، كأن كاتبه استمد من نيران الحرب، ولفح المعارك لفح عبارته. فقد كان في باريس يوم دخلها الألمان، وشهد بعض المواقع في روسيا، ورأى بعينيه روعة التضامن في معارك (رجيف)
وأسلوب الكاتب لاذع حاد. وكأن الأستاذ قدري قلعجي أمين في نقل تلك السلاطة والحدة إلى اللغة العربية. . .
وفي الكتاب تصوير لمواقف رائعة في سهول روسيا ووديانها. وجميل من المؤلف أن يكون وفياً لوطنه وهو على شفا حفرة من الموت. وجميل من المترجم الفاضل أن يترجم هذه المواقف الرائعة إلى اللسان العربي؛ ولكن أجمل من ذلك كله أن يتجه المترجم إلى مواقع اليرموك والقادسية وحض بابليون وذات الصواري فإنه واجد فيها أمثلة رائعة من البطولة العربية التي تبرز على حال من الروعة في مثل قلمه البليغ وأسلوبه الطريف
محمد عبد الغني
1 - تلاقي الأكفاء
يمتاز الأستاذ الزميل على أدهم بتعمقه في جميع الدراسات التي يتناولها وحسن هضمه لهذه الدراسات، فهو من خيرة الكتاب ذوي الاطلاع الواسع في مصر وفي الشرق العربي. وكتابه الجديد (تلاقي الأكفاء) شاهد على ما نقول. وقد جمع فيه بحوثه القيمة التي نشرت من قبل أو لم تنشر في الأدب والتاريخ فسد بها المكتبة العربية فراغاً ملحوظاً. . . ولست أدري إن كان يحق لي أن أقترح على زميلي العزيز أن يكرس جهوده كلها للتاريخ الإسلامي؟ وهل يتقبل مني هذا الاقتراح الذي لا ينتقص شيئاً من سعة اطلاعه على التاريخ العام؟ إن قلم الأستاذ أدهم في التاريخ الإسلامي هو قلم ممتاز واسع الإحاطة، جميل العرض وخليق بالقلم الذي أنشأ صقر قريش، والمنصور بن أبي عامر (إن صح أن أبشر بظهوره قبل أن يصدر قريباً إن شاء الله)، وهذه الفصول الضافية التي شملها (تلاقي الأكفاء) عن أبي جعفر المنصور وأبي مسلم الخراساني والحكم أمير الأندلس وبطل وقعة الزاب عبد الله بن علي. . . خليق بهذا القلم أن يفرغ للتاريخ الإسلامي العتيد فيدبج من فصوله كثيراً من الروائع التي أوشكت اليوم أن تنسى. وكم كنا نتمنى لو تذكر الأستاذ المؤلف مصر والمصريين فيترجم في مجموعته البديعة لزوج أو زوجين من أكفائها الذين لا يقلون عبقرية عمن ترجم لهم وقابل بينهم. . . مثل: محمد علي والسيد عمر مكرم، أو محمد علي والبرديسي، أو إسماعيل العظيم وإسماعيل المفتش، أو مصطفى كامل وعلي يوسف، أو المتنبي وكافور. . . إلى آخر ما يزخر به التاريخ المصري من الأبطال الذين تلاقوا وجهاً لوجه، وعسى أن يستدرك هذا في أجزاء الكتاب التالية مع تهنئاتنا الخالصة وإعجابنا الشديد.
2 - ألوان من الحب
هكذا سمى الأستاذ عبد الرحمن صدقي مجموعة قصصه المترجمة الجديدة. وقراء الرسالة والرواية يذكرون قلم الأستاذ صدقي بمزيد الإعجاب، ويذكرون أنه جيد الاختيار لقصصه إلى حد يثير الدهش، وغرامه الذي لا يحد بالقصاصين الروس والأسبان والفرنسيين معروف مشهور، وقد اختار لنا في هذه المجموعة طائفة لزعماء الأقصوصة وأبطالها وقصرها على موضوع واحد هو. . . الحب. . . ويدفعنا الفضول إلى سؤل الأستاذ عما أدى به إلى إغفال القصاصين الإيطاليين والإنجليز فلم يضمن مجموعته شيئاً من روائعهم. . . فهل هو فاعل في الأجزاء التالية إن شاء الله؟ أما أسلوب صدقي الفني وقدرته على الوصف فسنعرض لهما في غير هذا العدد. . . وكم كنا نؤثر لو أنه تناول بالشرح هذا الفيض الكثير من الكلمات المغربة في ذيل الصحيفة توخياً لمنفعة القراء دون استثناء وتفادياً لانصرافهم عن البحث عن معانيها بالرغم من أنها ثروة لا تقدر بثمن عند من يعني بكلمات الأوصاف وعباراتها في اللغة العربية. . . ولا غرو أن كل من يقرأ ألواناً من الحب سوف ينتفع بها سواء أكان قارئاً عادياً أو شاباً أو أديباً، فتى أو فتاة. . . إنها دروس في تطهير القلب وإرهاف الحس وتقويم الخلق. . . فلا تبذل فيها ولا إسفاف.
دريني خشبة