مجلة الرسالة/العدد 559/نقل الأديب

مجلة الرسالة/العدد 559/نقل الأديب

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 03 - 1944



للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

533 - لولا الفول لطاروا

قال أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوى في كتابه (ألف با): كنت أقرأ على الحافظ بالإسكندرية (رحمه الله وحرسها) جزءاً من تآليفه، فمررت فيه بحديث يرويه عن أشياخه عن الشافعي (رضى الله عنهم) قال: الفول يزيد في الدماغ، والدماغ يزيد في العقل. وأهل تلك البلاد ينقطون الفاء بواحدة من فوق، وينقطون القاف باثنتين من فوق أيضاً، فلم ألق بالي، وحسبت الفاء قافاً فقرأت (القول يزيد في الدماغ) فضحك - وكان حلواً ظريفاً، رحمه الله - وقال لي: الفول يفرغ الدماغ أو نحو هذه الكلمة. فقلت له: القول عندي في الكتاب. فقال: إنما هو الفول، فأعلمني بمذهبهم في النقط، فقلت له كيف يزيد الفول في العقل، ونحن نقول في بلادنا بخلاف ذلك؟ فضحك وقال: سألت عن هذه المسألة شيخي فلانا فقلت له كيف هذا وطبرستان أكثر بلاد الله فولاً، وأهلها أخف الناس عقولاً؟ فقال لي: لولا الفول لطاروا. . .

(الرسالة): كان المرحوم الدكتور عباس حلمي طبيب الأزهر على عهدنا يرى هذا الرأي ويقول: (لولا الفول لجن الأزهريون من طول النظر في كتبهم المعقدة)

534 - تمنيت وكيلا فسميته صديقا

قال أبو حيان علي بن محمد التوحيدي: قلت للهائم أبي علي: من تحب أن يكون صديقك؟

قال: من يطعمني إذا جعت، ويكسوني إذا عريت، ويحملني إذا كللت، ويغفر لي إذا زللت

فقال له علي بن الحسين العلوي: أنت إنما تريد إنساناً يكفيك مؤونتك، ويكفلك في حالك، كأنك تمنيت وكيلاً فسميته صديقاً. . .

فما أحار الهائم جواباً

535 - قد ضل عقلي في تراكيبه

أنشد للمأمون:

أما نرى ذا الفَلك الدائرا ... أبيت من همٍّ به ساهر مفكراٌ فيه وفي أمره ... فما أرى خلْقاً به خابرا

يخُبر عن لطف تدابيره ... وكيف أضحى للورى حاصرا

قد ضلّ عقلي في تراكيبه ... وصار قلبي والهاً حائرا

يا ليت شعري هل أُرى مرة ... أكون في أبراجه سائرا

أكون معْ طالعها طالعا ... وتارةً معْ غائرٍ غائرا

حتى أرى جملةَ تدبيره ... وأعلم المستورَ والظاهرا

536 - الغنى والفقر

سئل أبو محمد الجريري عن الفقر والغنى أيهما أفضل؟ فقال: لو لم يكن من فضل الفقر إلا ثلاث: إسقاط المطالبة، وقطع عن المعصية، وتقديم الدخول إلى لجنة، لكفى. فنقل هذا الكلام إلى أبي العباس بن عطاء (أحمد بن محمد) فقال: يا سبحان الله! وأي فضل يكون أفضل مما أضافه الله إلى نفسه؟ وأي شئ يكون أعجز من شئ تنافى الله عنه؟ لأن الله أضاف الغنى إلى نفسه، وتنافى عن الفقر، واعتد على نبيه فقال: (ووجدك عائلاً فأغنى) ولم يقل فأفقر، فكان اعتداد الله بالعطاء لا بالفقر ثم ذكر عند تشريف أسماء العطاء (إن ترك خيراً)، ولم يقل: إن ترك فقراً. فإن احتج محتج بأنه عرض عليه () مفاتيح الدنيا فلم يقبلها وتركها اختياراً؛ فهذه صفة التاركين، والتارك لا يكون إلا غنما.