مجلة الرسالة/العدد 561/العزلة. . .

مجلة الرسالة/العدد 561/العزلة. . .

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 04 - 1944



للأستاذ محمود حسن إسماعيل

في روضة مِعْطارْ ... تَخْضَلُّ بالَّتذكارْ

هاجت بها الأفكارْ ... ناراً على قلبي!

فيها جَناحٌ طارْ ... وعطُر أَيْكٍ ثارْ

وجدول هدَّارْ ... يجري بلا سَكْبِ

صَلَّتْ بها عيدانْ ... لا تعرف الأديانْ

واسْتَغْفَرَتْ أغصانْ ... لكن بلا ذنبِ

خَمِيلُها حَرّانْ ... ونبعها ظمآنْ

وصمتها ولهانْ ... شوقاً إلى الغيبِ

تفجرت أنهارْ ... فيها من الأسرارْ

يجري بها إعصارْ في عالمي الرَّحْبِ

دارت سواقيها ... تبكي لتسقيها

من دمع ماضيها ... ما فاض من هُدْبيِ

مشى بها الماضي ... يدوس أنقاضى

كمرهف ماضِ ... يُغْمَدُ في جنبي

ولاحت الأيامْ ... مشلولة الأقدامْ

كأنها أوهامْ ... مصلوبة الركْبِ!

من أين لا أغصانْ ... سرباً إلى سربِ؟!

وكيف لا حاناتْ ... فيها ولا كاساتْ

طافت بها الآهاتْ ... سكرى بلا شرب

وهذه أفواجْ ... من خاطري الوهاجْ

تجيش كالأمواجْ ... جنباً إلى جنب. . .

وهذه أنفاسْ ... في صمتها الوسواسْ

تدق كالأجراسْ ... في معبد القلبِ وهذه أنغامْ ... مغلولة الإلهامْ

كأنها أنسامْ ... قُيِّدْنَ بالعُشْبِ. . .

وهذه أصفادْ ... للِحَّنِ والأعوادْ

تضج كالأجنادْ ... في غمرة الحربِ

وهذه أشواقْ ... مجهولة الآفاقْ

مقتولة الإشراقْ ... مسدولة الحُجْبِ

وهذه رُكْبانْ ... للغدر والبُهتانْ

تنسلُّ كالثعبانْ ... في الْمَزْحَفِ الرطْب

وهذه أكوابْ ... مما سقى الأحبابْ

بالسُّمِّ والأوصابْ ... تدور في قلبي. . .

وهذه رنَّاتْ ... ممدودة الراحاتْ

كأنها قُبْلاتْ ... ظمآى إلى الحبِّ

تنهيدة من عودْ ... في مهجتي مشدودْ

معذَّبٍ مكدودْ ... من قسوة الضربِ

أم نغمة خرساءْ ... مسحورة الأصداءْ

أشهى من الإغضاء ... في ساعة العتْبِ؟!

وهذه صحراء ... في وحدتي السوداء

مرت بها الأنواء ... تبكى من الرعب

وهذه حيات ... تسعى من الساعات

كأنما الأوقات ... غابٌ نما قُرْبى. . .

وهذه جنَّاتْ ... رفَّتْ بحوريّاتْ

ينثُرن بالهالاتْ ... زهراً على جَدْبي

سرْبٌ من الآمال ... يدب كالمحتال

مُرَقَّشَ الأسمالْ ... بالزيف والكِذْب

أكعَبةٌ أم حانْ؟ ... أم مخدع النسيانْ؟ أم موئل الإيمانْ؟ ... أم مَعْقِلُ الريبِ؟

وهذه أطيارْ ... يا نفس أم أوكارْ

لاذت بها الأسرارْ ... من روعة الخطْبِ؟

وهذه أكوان ... للروح أم أكفانْ

يا حادي الأزمان ... تهنا عن الدربِ. .

ياُ عزْلة الأرواحْ ... لا تظمئي! فالراحْ

وهاجة الأقداحْ ... من دمعيَ العَذْب!

أبكي كما أبكي ... من ظُلمة الشك

فدمع عينيك ... أهْمى من السُّحْب

ربيعك الرفرافْ ... خريف حبْ طاف

مُلأَلأ الأفوافْ ... كأدمع الصب

أطلقت فيكِ الروحْ ... كطائر مجروح!

فعاد كالمذبوحْ ... مُلْقَى على التُّرْب

عمري غريبٌ تاهْ ... ضلت به دنياهْ. . .

من سجنه الأوَّاهْ ... أطلقْه يا ربي!!