مجلة الرسالة/العدد 563/أين الطريق؟
مجلة الرسالة/العدد 563/أين الطريق؟
(إلى أبي وأمي أسوق الحديث)
للأستاذ علي شرف الدين
ملَّ الرَّحيلَ معفَّرٌ أودَى به حظٌّ الأديبِ
لم يَبْلُغ الأملَ البَعيدَ، فمالَ لليأس القريبِ
سِيَّان يا شمْسي، أنيرِي لي حَياتِيَ أوْ فَغِيبي
وخُذِي من الأفلاكُ برْحَ السَّعدِ أو بُرْجَ الخُطوب
لن تشهدي مني السرورَ على الشروق، ولا البكاءَ على الغروب
وترفَّقي كبِدِي - إذا أخْفَقتُ يوماً - أو فَذُوبي
نَفَّضْتُ كفَّى من حَياةٍ - بعد تجْريبي - كَذُوبِ
وعًدتْ، وما برَّتْ، فكانَ الوعْدُ كالبرق الخَلوبِ
وسئمتُ من ليْلَ الشَّبيبِة، وانتظرْتُ سَنَا المشيب
وتمرَّدتْ نَفْسي زماناً، ثمَّ ثابتْ من لُغُوب
مات الشُّعورُ بها، فما أنا بالحزينِ، ولا الطّروب
لا يَلْمَحُ الرائي بها سخط المُشِيحِ، ولا القَطوب
إلاً بَقايا مأتمِ في الوجْهِ يبُديه شُحوبي
أشلاءُ آمال تلوحُ كأنها صَرْعى الحُروب
وجِراحُ أنَّاتٍ تلاشتْ، واندمَلْنَ على نُدوب
ورفات آهاتِ تضمَّن قبرَها صدْر الغُيوب
وقناةُ دمعٍ، لم تزلْ بالخدِّ من عهْدِ النحيبِ
وحنين قلبِ مُلْجَم الدْقَّاتِ، مكبوحِ الوجيب
نزَّاعِ شجٍو، دونه في ناره شجوُ الغَريب
وقصيدُ عُمْرِ، داميَ الأوزانِ مجروحَ الضُّروب
سِفْرٌ من الحِكم الغوالي، هُنَّ فلسفةُ الكروب
أُمِّي، أبي، أدْعو، وعند كلِيْكما خير المجيب اشكو أساي، وإنها شكوى الحبيب إلى الحبيب
مَاِلي تهبُّ صَبَا الشمال علىَّ من صوْب الجنوب؟
مالي فَنيتُ، وأقفَر المخضَلُّ من قلبي الخصيب
لا البشر يدعوني، ولا أّهتز للمرحِ اللعوب
لا الكأس تُغريني، ولا البسمات من ثَغر شنيب
أصبحت رسماً حافلاً باليأس، والصمتِ الرَّهيب
وبلغت - من زهدي - الثمانين التي هدت جنوبي
أغضبتما فكبا جواديَ، أم ترى كثرت ذنوبي؟
مَنْ لي بأيام الطفولةِ في حِمى الصَّدر الرَّحيبِ
ومَلاعب الأولاد في كنفِ المنازلِ والدُّروبِ
كانتْ أرقَّ من الصَّبا، وأحبَّ من نجوَى القلوبِ
رفَّافة كالرُّوح، أو كالنُّور، أو طَيْفِ الحبيبِ
ريَّا كنُّوارِ المُروجِ يَضوع في أرَجِ وطيب
مرَّتْ ولم تتركْ سِوى جفْنٍ على الذكرى سَكوبِ
ومُتوَّج بالثَّلجِ مَرْهوبِ المغاِوِر والجُيوب
أمْلَي الشَّباب علىَّ أنْ أرقاهُ في الزمن العَصيبِ
زَمَنٌ به حِفظُ الكرامة والإباءِ من العيوبِ
فصعدت لا زادٌ سوى الأعصابِ والفُصحى العَروبِ
فتمزَّقتْ كَّفي، وأدْمَى صَخْرُه العاتي كُعوبي
والشمس تلفح جَبْهة تنفضُّ عن ماء صبيب
وأدور حولي، لا أرى غير الموامي والسهوب
وتكشفت لي مِحنَةُ الأكْفاء في البلد العجيب
فرجعت مكلومَ الفؤاد بحظِّ منشىَ سليب
وكأنما للغَمْطِ والحرمان - من أبنائها - حظُّ الأديب
علي شرف الدين