مجلة الرسالة/العدد 566/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 566/البريد الأدبي
7 - الشعر الجديد
يلحق بالشعر الجديد ما يدعونه اليوم (الشعر المنثور). ويكاد النوعان يتطابقان في جميع المظاهر والخصائص التي ألممت بها في هذه الأحاديث. وغالب ما قرأت من (المنثور) منشأ إنشاء؛ ومنه ما هو مترجم. وما يستجاد من هذا أو ذاك لا يكاد يذكر
ولقد كنت أحسب بادي الرأي أن رحب (المنثور) وانفساح جنباته، وأنَّه غير منحصر في وزن أو قافية - مما يأذن لسلامة التعبير ومتانة الأداء. ولكني وجدت الحال هي الحال. فإن كان لهم شئ مما يزعمون من المقدرة، فهنا مجاله. وإلا فأين نتلمس (نضارة الزهر، وعبق الريحان، وفتنة الألوان)؟
وعلى ذكر (القافية) يعن مظهر آخر - سوى ما أسلفنا - من مظاهر (الشعر الجديد): ذلك هو قلق القوافي فيه ونبوها، حتى إنك لتحس أنها تحشر حشراً، وتساق سوقاً، وتضغط في أماكنها ضغطاً، فتأتي واهنة خائرة، أو باردة فاترة
ورصانة القافية تنبئ بالفحولة ورسوخ القدم. وقديماً اعتبرها النقاد من أسس الموازنة، ومقومات المقايسة بين الشعراء. وقد عنى بها (العروضّيون) فبسطوا فيها القول، ونسقوا لها القواعد، وأفردوها بالتأليف؛ حتى وصلوا من ذلك إلى تفصيلات دقيقة، وتفريعات عجيبة. وذلك لمكانتها من القصيد، وأثرها في النفوس، متى اكتملت فيها شرائط الحسن، واستحكمت لها أصول الفن
ولسنا بصدد طرق هذا الباب؛ وإنما نريد أن نقول لهؤلاء النظامين: رويدكم؛ فإن الأمر ليس من الهون كما تظنون؛ فإحكام القافية وإنزالها منزلتها، مما يتطلب تحصيلاً عظيماً، وحسا مرهفاً، ومعاناة طويلة للجزل من الكلام، والمحكم من القريض
فلا غرو إذا أن ندرك سر تبرم القوم بالقوافي فقد تواترت اليوم صيحات تدعو إلى (كسر هذا القيد، وخلع ذلك النير). قالوا: وما للتقفية والشعر؟ لئن كانت التقفية سبيل القدماء ومنبت عصورهم، لخير لنا في عصرنا هذا أن نطرحها، لنكون في التفكير أكثر سداداً، وفي الخيال أبعد مرمى، ولنكون سراعاً ككل شئ
قالوا هذا، وقالوا كثيراً غيره، وأوغلوا في الاحتجاج، فأصبحنا نرى من القصائد ما لا تقفية له مطلقاً، وما نوعت فيه التقفية على أوضاع وأشكال شتى، وصور لا تكاد تنحصر
فالسر - فيما أرى - ليس فيما زعموا. وإنما السر كل السر فيما يقوم في سبيل التقفية - ولا سيما إن طالت في القصيدة - من عقبات، وما يعترض من شدائد. فكيف النجاة إلا فيما يتمحّلون وما يفتعلون من أسباب؟
وبينما أنا أهم باختتام هذه الكلمة، إذ خطر لي حوار كان بين أديبين - منذ قريب - حول ما يسمى (الشعر المهموس) وهو ما يمكن أن تتسع له أحاديثنا هذه. وكان في نفسي منه شئ. وهو فن ابتدع حديثاً، فيما أظن
ولقد كنت جهدت في تبين مدلول (الهمس) في ذاك الحوار، مستأنساً باللغة، فلم أوفق كل التوفيق. فانصرفت إلى الشعر الذي ساقاه للتصوير، وتأملته وأمعنت فيه
وكان أحد المنافسين يتعصب لشعراء (المهجر) أشد التعصب ويقدمهم في هذا الباب، وينكر على المصريين - فيما أذكر - استعدادهم فيه. وساق كل من المتناظرين مقطوعات مختلفة. وطال النقاش
إلا أني لم أتذوق في الشعر المصري مذاقاً خاصاً، لم ألمح فيه لوناً أو طعماً خاصاً - أما الشعر المهجري فكان من صفته الوَنَى والفتور والتهافت، وإن حاول الأستاذ - جاهداً - أن يحمله من المعاني ما لا يحتمل، وأن يعتصر منه ما ليس فيه. ولقد عجبت من هذا الاختيار، وفي (المهجر) شعراء ذوو مكانة سامية، ولهم فن مستملح، وتجديد عذب
فليت شعري ما (الهمس) في الشعر وما مرماه؟
(للحديث بقية)
(ا. ع)
كتابة الإسبانية بالحروف العربية
أورد حضرة الأستاذ الجليل (ن) في العدد 562 من الرسالة خبراً حول كتابة اللسان الإسباني بالحروف العربية استحدثه من أستاذنا الدكتور باول كراوس
وكأني بكثير من الناس لا يعرفون عن هذه الحقيقة التاريخية إلا اليسير؛ لذلك أحببت أن أقدم إلى أصدقاء (الرسالة) لمحة سريعة عن الظروف التي أحاطت بهذه الكتابة راجياً أن تتاح لي الفرصة للتحدث عن أدب المورسكيين الذي كان جله يكتب بالحروف العربية
بعد أن استرد الإسبانيان غرناطة - آخر معقل لدولة الإسلام في الأندلس - ظل كثير من المسلمين يعيش في كنف الدولة الجديدة المنتصرة. ولكن سرعان ما اشتدت وطأة محاكم التفتيش عليهم، فحملوا - أمام هذا الضغط - على استعمال اللغة الأعجمية في حياتهم الاجتماعية. ولم يكن في وسعهم حينئذ أن يكتبوها بالحروف اللاتينية؛ فلجأوا إلى حروف لغتهم العربية
وفي سنة 1609 أقصى المورسكيون عن إسبانيا واندثرت لغتهم التي استحدثوها، فقضى بذلك على آخر مظهر من مظاهر الأدب الإسلامي في الأندلس
والأدب الأعجمي ككل أدب، له ناحيتان: النثر، ويتمثل في كتب الدين والشريعة وسير الرسل والشعر، وقد نظمت به المدائح النبوية وقصة يوسف
وهاهي ذي بعض الأبيات من قصة يوسف نظمها باللغة الأعجمية شاعر مجهول عاش في القرن الثالث عشر والرابع عشر:
حديث دا يوسف عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
لُوَ مياْ نتُ أدَ الُّله أَلَلْتُ يَاشْ إبارْ دَادَار
أُنْرَّدُ إقُنْبِلِدُ شاُّنرْ دَارَايتُرَارُ
ثم يسترسل في ذكر الصفات الإلهية حتى يصل إلى قول يوسف لأبيه:
أكاشْتُ فُوَا كابِيُ أُنْزَ أشْترَالَّشْ
كامرَّشْ لفَرَّارَ تَيايَ كُنَالَّشْ
كاْلشُلْ إَللُنَ أَرَكا أَنْدَبَ أَنْتَرَالَّشْ
ومعناه: (إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)
ولا تزال خزائن المورسكيين مدفونة لم يكشف في القرن التاسع عشر إلا على القليل منها. ولعل في استخراجها من مدافنها ما يوضح مدى النشاط الفكري الذي بلغه هؤلاء القوم المعذبون.
أحمد مدينة البيت الذي يعدل ألف بيت
قرأنا في العدد الأخير من (الرسالة) رأي الأستاذ دريني خشبة في بيت للدكتور إبراهيم ناجي وهو يعدله بألف بيت من جيد الشعر
ونحن نرى أن البيت الذي يعدل ألف بيت من جيد الشعر هو بيت الرئيس أبي منصور علي بن الحسن (صردر):
ناضلننا بنوافذ مسمومة ... وودت لو قبلت سهم الرامي
من قصيدته:
يا ماء (لينة) لو نفعت أوامى ... كانت حياضك لي كؤوس مدام
أما البيت:
ومن عجب أحنو على السهم غائراً ... ويسألني قلبي متى يرجع الرامي
فيعدل بيتاً واحداً، لأنه مأخوذ عن الرئيس أبي منصور بتصرف
محمد علي خليل
بقايا نغم
نشر الأستاذ محمود حسن إسماعيل قصيدة في العدد الماضي من (الرسالة) الغراء بهذا العنوان ورد فيها ما يأتي:
وفيها أنت يا ليلايْ ... سلوٌ يانعٌ لبكايْ
وفجر رائع لدجايْ ... وخلد سامع لغِنايْ
يعللني ويوحيني
أما أنت ياليلاي سلو يانع لبكاي، فهذا كلام جميل وإن كان السلو لا يوصف بأنه يانع، وأما قوله (يعللني ويوحيني)، فذلك خطأ محض إذ ليس من اللغة الصحيحة أن أقول (يوحيني) بمعنى (يوحى إلى أو لي) ولو قال (يحييني) لكفى نفسه هذا الاضطرار الذي أوقعه في خطأ واضح
هذا وللأستاذ تقديري وثنائي على أي حال.
عبد القادر محمود (كتاب الفلاحون) والدكتور غلاب
طالبنا الدكتور غلاب بالأدلة على جور الأب عيروط أحياناً وعلى ركاكة أسلوب الترجمة، فإليه بعض هذه الأمثلة بلا تعليق:
1 - جاء في ص 158: إن الشدة القرآنية تلين أمام الضرورة والتقاليد
2 - وجاء في الصفحة نفسها: إن جرائم القتل بسبب العرض التي هي لا تزال مألوفة إلى حد كبير والتي هي مجندة من الإسلام، إن لم تكن من أوضاعه تلقى رحمة العدالة الرسمية (أي في المحاكم!)
3 - وجاء في ص 160: أن الأم التي تلد تلحقها نجاسة شرعية مدة (أو إبان كما يقول السيد غلاب) أربعين يوماً إن كان المولود ولداً أو ثلاثين إن كان بنتاً!
4 - وفي ص 161 يقول بعد أن شنع كثيراً على عادة إطالة مدة الرضاع: ونحن نشاهد نفس هذا التعيين في مدة الرضاع عند قدماء المصريين وفي أفريقيا السوداء وفي أوامر القرآن!
5 - وجاء في ص 125: إن الفلاحين يقومون بطقوس الصلاة بعد الوضوء مساء!. ويوم الجمعة مرات عديدة! وأنهم يصلون جماعة، أو على الأقل يصورون هيكل حركات الصلاة!
6 - وفي ص 133: (إن النساء الباكيات على الميت (يؤنين الإله على دعوته إياه!) ويسائلن الميت وزوجته وأولاده بل والموت نفسه) وينتهي الكلام بلا معنى عند هذه العبارة! فعم التساؤل؟
7 - وفي ص 124: ينفى عن الفلاحات ملاحظة شئ من قواعد الإسلام حتى الشهادتين أو الصوم أو الزكاة
8 - وفي ص 156: رمى الفلاحات المصريات جميعاً بالعهر والدعارة وعدم الصون!
9 - وفي ص 18 يتهم الفلاحين بأنهم يقدسون الحيوان، كما كان يصنع قدماء المصريين!
10 - وفي ص 125: إن المسلمين لا يفهمون عربية القرآن الأدبية!
فهذه عشرة مآخذ من عشرين أعددناها في مقال أشفقت (الرسالة) من نشره. فهل يأبى المترجم إلا أن نزيد؟! وهل يرضيه هذا اللون المكشوف من النقد؟ أما ركاكة الأسلوب فالكتاب كله شاهد على ذلك، وفي نشر شئ منه تضييع لوقت القراء
(د. خ)