مجلة الرسالة/العدد 570/(الشعر الجديد) لا (شعر الشباب)

مجلة الرسالة/العدد 570/(الشعر الجديد) لا (شعر الشباب)

مجلة الرسالة - العدد 570
(الشعر الجديد) لا (شعر الشباب)
ملاحظات: بتاريخ: 05 - 06 - 1944



معاذ الله أن يكون الشباب هدفاً مقصوداً في هذه المعركة، وإنما هو الشعر الجديد شباباً كان قائلوه أو شيباً. وما علاقة العمر بقديم الشعر وجديده؟ وهل اخترم طرفة وأبو تمام إلا وشبابهما في عنفوانه؟

ولو أنك رجعت إلى كلمات الأستاذ الكبير (ا. ع) في هذا الموضوع لوجدت عنوانها (الشعر الجديد)، وكذلك عنوان مقالي في العددين 568 و569 من الرسالة

نعم إن الأستاذ الكبير قال في إحدى كلماته: (ولكنهم كلهم - أو جلهم - أحداث أو أشباه أحداث). ولكنك لو تدبرت هذه العبارة لم تجد فيها ما يفهم أن شعراء الشباب كلهم - أو جلهم - مجددون، وأسارع إلى الاحتراس فأقول: (على النحو الذي فصله الأستاذ في كلماته عن مذهبهم في التجديد)، ثم إن الأستاذ يقول أيضاً: (وهل في كلامي ما يشير أو يدل على أني أجحد شعراء الشباب عامة؟ لا يا سيدي. إني حكمت على فئة كبيرة تسنى لها بعوامل مختلفة أن تنشر شعرها بين ظهرانينا. وهو شعر هزيل في ألفاظه وتراكيبه ومعانيه؛ فليس معنى هذا ألا يكون من بين شعر هؤلاء الشباب ما يستجاد أو يستملح. . . الخ.)

إذن فمن الذي أقحم لفظ (الشباب) في هذه الأحاديث؟ إنهم أنصار الشباب أنفسهم، فهم الذين كتبوا (شعراء الشباب والأستاذ الجليل) و (حول شعراء الشباب) و (شعراء الشباب) و (لقد ظلموا شعراء الشباب) و (حول شعراء الشباب) و (حول شعر الشباب). وغير ذلك

لسنا ننكر أن أكثر النظامين لهذا الشعر الجديد من شباب الشعراء، ولكننا لا ننكر أيضاً أن من الشباب من لم يفتنهم هذا التجديد المزعوم، بل إن من هؤلاء المجددين أنفسهم من ينزع عنه - طوعاً أو سهواً - في بعض الأحيان ثوب التجديد الخادع، وحينئذ ترى من شعره ما يروقك ويعجبك. وهذا هو الذي أشرنا إليه في حديثنا عن بعض مواضع الحسن في قصيدة الشاعر علي شرف الدين، وإذن فليس للأستاذ البشبييشي على حجة إذ يقول: (. . . إذا أخطئهم النسج القوى وصفتم شعرهم بالسخف والفتور؛ وإذا راعكم منهم البيان الجزل قلتم: هذا من الشعر القديم)

ومن العجيب أن أنصار هذا الشعر يقحمون في ثبت شعرائه أسماء لا تمت إلى جديدهم بصلة، بل إننا لنقرأ شعرهم فنستعذ به ونستملحه كما نستعذب ونستملح شعر المجيدين من القدماء أما الغموض الذي أخالف فيه أستاذي، وأما (معنى التجديد) الذي يتساءل عنه ولده الأديب (حسين) فحقهما التفصيل في بحث قريب إن شاء الله

(بني سويف)

محمد محمود رضوان

اللهجة المصرية وصلتها باللهجات المغربية

بين اللهجات المغربية واللهجة المصرية وجوه شبه في أصوات الحروف، فالثاء في الأولى تبدل تاء كما يبدلها المصريون في ثلج وثوب وثوم وثور وكثير. ومثلها الذال إذ يحول إلى دال مهملة في نحو الذهب ويذوب ويذوق. كذلك الظاء فإنها، تنقلب إلى ضاد كما في نطق المصريين الظهر وظفر ونظيف

وبعض القبائل العربية في المغرب تتلفظ بالقاف على النحو المعروف في صعيد مصر، وقد تمكن هذا النطق في اللهجات المحلية الأخرى حتى تأصل فيها

وكما أن معظم المصريين يبدلون القاف همزة، فكذلك يصنع سكان المدن المغربية مع تفاوت في الصوت، أي الترقيق والتفخيم

والجيم المصرية لها أيضاً نصيب من الانتشار في الأقاليم المغربية؛ إلا أن دائرة انتشارها محدودة لا تتعدى بضع مفردات من جملتها: يجازي ويجوز وجوز وجزار. وأصل هذا النطق يمنى يحتمل أن يكون قد انتقل إلى مصر عن طريق الخزرج الذين وفدوا إليها من المدينة يؤيد هذا ما رواه ابن دريد من أن اليمنيين يقولون للرجل ركل وللجمل كمل

أما كيفية انتقال طريقتهم في النطق إلى المغرب فهي أن فريقاً منهم استوطن مدينة سرقسطة بعد فتح الأندلس ثم توالت هجراتهم إلى عدوة المغرب حيث خلفوا أثرهم إلى اليوم

والملحوظ في لغة المصريين أنهم يقدمون حرفاً ويؤخرون حرفاً في قليل من الكلمات، كما في يفحر ويجوز وأنارب واتغاظ، فأصلها يحفر ويزوج وأرانب واغتاظ، ومثلهم تصنع فئة من المغاربة في السجادة وبلهاء ودجاج؛ يقولون: السداجة وبهلاء وجداد

وفي الأحاجي الشائعة بين القبائل في جبال أوراس غربي الجزائر ذكر لمصر والنيل مثل ما جاء في أحجية المرارة:

سجرتنا سجرة النيل ونابتة في هواها،

لا سطحها الريح ولا شربت ماءها

وأحجية الخرشوف:

على سجرتنا سجرة النيل نابتة في هواها

أولادها ستة وستين يرضعوا في قناها

وأحجية المطمورة:

بغلتنا مصرية (أي كبيرة) ترفد مائة صاع (حمل) بلا حوية (بردعة)

على أن اللهجة المصرية لم تخل من تأثير مغربي فيها، فأهل الإسكندرية يضيفون النون إلى أول الفعل في حالة المفرد المتكلم، فيقولون: (نسافر) بدلاً من أسافر؛ ثم يتبعون الفعل بالواو إذا تحدثوا عن أنفسهم، فيقولون (إحنا بنسافرو)

وهذا النهج في التعبير من خصائص اللهجة المغربية والأندلسية، لعل المهاجرين من أهل الربض في عهد الحكم أو الفاطميين من بعدهم حملوها معهم. ومن هذا القبيل لفظتا (الكسكسي) و (البلغة) فإن لهما شهرة في المجتمع المصري غنية عن التعريف.

أحمد مدينة

ليسانسيه في الآداب من جامعة فاروق الأول