مجلة الرسالة/العدد 580/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 580/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 580
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 14 - 08 - 1944



إلى الأستاذ بشر فارس

قدمت لك رسالتي في (الإسلام والفنون الجميلة)، وكان جميلاً منك أن عرفت بها قراء المقتطف، ولكن الذي تولى عنك التعريف - في عدد يونيو سنة 944 ص83 - لم يلتزم جانب الصدق في مهمته، بل راح يتهمني في جرأة غريبة بخيانة الأمانة العلمية، فكتبت إليك لترد الحق إلى نصابه وطلبت إليك أن تنشر ردي، كما نشرت من قبل كلمته كما يقضي بذلك العدل والمنطق السليم، ولكنك لم تفعل، فلا نشرت خطابي كما هو، ولا كنت أميناً في تلخيصه كما ينبغي، بل اخترت - أو اختار صاحب الإشارة - منه فقرات لا تصور رأيي على حقيقته، واستباح لنفسه أن يرد على ذلك الذي اختاره من خطابي، واستبحت لنفسك أن تنشر رده لتوهم القراء أنه رأيي وما هو من رأيي في شيء. وبعد، فقد تفضلت مجلة الرسالة - منبر الحق - فأفسحت لي من صدرها مكاناً أنشر فيه خطابي ' إليك الذي أبيت نشره ثم أعقب على الرد الذي ظهر في عدد يوليو سنة 944 من مجلة المقتطف

أما خطابي فنصه:

القاهرة في 21 يونيو سنة 1944

سيدي المحترم الأستاذ بشر فارس

قرأت اليوم في مجلة المقتطف كلمة عن كتيبي (الإسلام والفنون الجميلة) وإنني لأشكر لك عنايتك بتلك الرسالة الصغيرة، ولشد ما كنت أحب أن أقف عند حد هذا الشكر لا أتعداه، لولا أنك يا سيدي لم تكن موفقاً في اختيار الناقد الذي عهدت إليه بنقد تلك الرسالة وتعريف القراء بها، وأغلب الظن أن ناقدك المحترم ليس من الاختصاصيين في موضوع الرسالة بدليل أنه لم يستطع صبراً على قراءتها على صغر حجمها، ولم ينفذ إلى ما تضمنته من آراء حتى يناقشها ليهدمها أو يعدلها أو يؤيدها أو يأتي في الموضوع بجديد، لا سيما والبحث حديث لم يتجاوز الذين كتبوا فيه عدد أصابع اليد الواحد، كما ذكرت في المقدمة

وناقدك المحترم، يا سيدي، كذلك ليس من أهل النظر وأعداء الهوى كما تريد له أن يكون، فلقد أثبت بما كتبه أنه وقف عند الصفحة الثالثة من الرسالة التي تتضمن ثبتاً بالمحتويات ولم يتجاوزها إلا إلى الصور ليلقي عليها نظرة عابرة، وليته قرأ هذه الصفحة الواحدة بإمعان، بل تسرع فأخطأ في نقل بعض ما بها. إذ ذكر في نقده (النقابات المساعدة) وحقيقتها (النقابات الإسلامية)، وهو بعد هذا لم يفطن إلى الصفحات الثمانية التي لخصت فيها البحث باللغة الإنجليزية، فلم يشر إليها ولم تدخل في حسابه الذي توج به نقده إذ ذكر أن صفحات الرسالة 32 (كما هو وارد في الصفحة الثالثة) بينما هي في الحقيقة 40 صفحة، وأما الصور، فإن نظرته السريعة إليها قد دفعته إلى الظن بأنني اكتفيت بتلك الكلمة التي قصدت بها إيضاح الفكرة، فحسب، وجعلته يسارع في اتهامي بما أحرص عليه أشد الحرص، ولو كان حضرته حريصاً على الأمانة العلمية حرصي عليها لقرأ الرسالة كما يقرأ القاضي النزيه أوراق القضية قبل الحكم فيها، وعندئذ يجد أنني ذكرت في الصفحة السابعة والعشرين أسماء الكتب التي نقلت عنها الصور وأسماء مؤلفيها. بقيت مسألة أسف حضرة الناقد، لأنني نقلت إحدى عشرة صورة بحجمها من كتب نشرت قبل الآن، ثم أمنيته في أن أعنى بنشر صور جديدة، وفي الحق إنني لآسف له، راثٍ لحاله إذ كشف عن سطحيته إن صح هذا التعبير، لأنه لو كان قرأ البحث وأدركه حق الإدراك لوجد أنه يدور حول موقف الإسلام من الفنون الجميلة، وبيان هذا الموقف لا يتطلب أكثر من توضيح الفكرة بأي وسيلة إيضاح ميسورة، فمن الإسراف حقاً ألا يستفيد الإنسان من (كليشيهات) أنفقت الدولة على صنع معظمها، طالما أن ذلك لا يؤثر في جوهر الموضوع ويكشف عن الفكرة بجلاء. ولو كان البحث في الفنون الجميلة نفسها لكان الناقد على حق في مطالبته بصور جديدة، لأن المقصود عندئذ يكون ببيان الفن وتنوعه لا بيان الفكرة الكامنة وراءه

وبعد فإنني أعتقد أن من حقي عليك - يا سيدي الأستاذ - ومن حق المكانة العلمية السامية التي تتمتع بها مجلة المقتطف، بل ومن حق الأمانة العلمية التي تشدق بها حضرة ناقدك المحترم ونسيها في تقده أن تنشر هذه الكلمة في نفس الموضوع الذي نشرت فيه نقده في أول عدد يصدر من المجلة لترد الحق إلى نصابه. ولك مني بعد ذلك أطيب التحيات وخالص الاحترام

محمد عبد العزيز مرزوق وأما تعقيبي على الرد الذي نشر في عدد شهر يوليو سنة 944 ص190 من المقتطف فهو أنني ما زلت أعتقد من (صاحب الإشارة) ليس من الاختصاصيين في موضوع الرسالة، ولا يستطيع أن يستر دعواه بقوله إنه (لم ير مجالاً لمناقشة الآراء وإنها على حسن عرضها ليست على خطر ولا جدة). ولو كان حقاً من رجال هذا الموضوع لناقش ولو رأياً واحداً من الآراء الكثيرة التي تضمنتها. على أنني لا أعيب عليه هذا قط ولا أطالبه بأن يكون من الاختصاصيين، وإنما أطالبه بأن يكون أميناً في التعريف بما يتصدى له من كتب وأبحاث، مخلصاً فيما يتولاه من هذا العمل، مدققاً فيما يصدر عنه من أحكام، لا سيما إذا كانت تمس الآخرين. وأما قصة (الكليشيهات) فأظنه قد عز عليه أن يعود، إلى الحق مع أن الرجوع إليه - كما يعلم - من أعظم الفضائل. فعندما وضعت إصبعه على المكان الذي يرى فيه جلياً أنني شديد الحرص على المادة العلمية راح يستر تراجعه بقوله: (بل أريد المصدر تحت الصورة)، ومع أنني فعلت هذا فعلاً عندما نشرت البحث في مجلة الرسالة (راجع العداد 534، 539، 541) إلا أنني لم أشأ أن اشوه جمال الصور في كتابي بذكر مراجعها ووصفها على نفس الورق المصقول تحت الصورة بل آثرت تحقيقاً للذوق الجميل أن أجعل وصف اللوحات ومراجعها في مكان واضح في الكتاب لا يخطئه إلا مهمل أو مغرض، وكلاهما لا يقام لحكمه وزن.

محمد عبد العزيز مرزوق

الأمين المساعد بدار الآثار العربية

ويل للفلسفة من الناس!

يظهر أن القدماء كانوا على حق حين قال قائلهم: (لا تذيعوا الحكمة بين غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها عن أهلها فتظلموهم). وقد كنت إلى حين قريب أجهل قيمة الشطر الأول من هذه الحكمة، حتى ورد إليّ خطاب غريب من أديب لا أعرفه، يتهمني فيه بالكفر والإلحاد (بطبيعة الحال)، ويسفه فيه بعض آرائي (الفاسدة المضلة)! وإنما أعترف لهذا الأديب الفاضل بأني قد أخطأت وأسأت، ولكنني أرجوه أن يعرف أن الكلمة من صاحبها هي بمعناها في نفسه لا بمعناها في نفسها. فإذا كانت كلمتي الأخيرة تنطوي على شيء من هذا الذي توهمه أديبنا الفاضل، فلعله مما يشفع لي أن أكون قد أسأت التعبير، أو أن يكون هو قد أساء الفهم! وليطمئن صاحبنا الهمام، فإنه لن تكون لنا رجعة إلى هذا الموضوع بعد اليوم. . .

زكريا إبراهيم

حاشية: كنت قد وعدت الأستاذ الفاضل دريني خشبة بأن

أعرض لنقد ابن تيمية، وأعقب على اعتراضاته في كلمة

أنشرها بالرسالة، ولكن يظهر أن المجال لا يتسع لذلك، فضلا

عن أن الوقت لم يحن بعد للكلام في مثل هذه المسائل عندنا،

فأرجو المعذرة؛ وعسى أن أرسل البحث بأكمله للأستاذ

الفاضل حتى يطلع عليه. . .

(ز. إ.)

إلى الدكتور محمد مندور

ذكرتُ في مقالي (حول بعث القديم) في عدد الرسالة 577 خمس ملاحظات لاحظتها على مقالك (بعث القديم)، ولما تناولت عدد الرسالة الأخير وجدتك قد نشرت رداً لم أفد منه إلا أنك أحياناً تتخلى عما يليق بالعلماء إلى ما لا يليق. فقد بدأت ردك بأنك تظن أني طالب ثم جزمت بأني طالب. ولست أدري أولاً ماذا يعنيك إن كنت طالباً أم لم أكن، ولست أدري ثانياً ماذا حملك على الاتجاه إلى شخصي ولم أتقدم إليك إلا برأيي

لقد واجهتُك بخمس ملاحظات فانظر كيف أجبتَ عنها لقد تركتَ الرد على ثلاث ملاحظات لاحظتها عليك لم تتعرض لها لتوقع في وهم القراء أنك أفحمتني بما أجبت عنه وذلك ما لا أرضاه لك، فلتجب عنها إن كنت تستطيع.

وقد تعرضت لملاحظتين: إحداهما تاريخ الطباعة في مصر في عهد محمد علي، وقد لجأت في تعرضك لها إلى المراوغة والطعن، ثم قلت إن الكتب التي بين يدي كاذبة، ولن تأت ببرهان كعادتك

والملاحظة الثانية قد رجعت فيها إلى رأيي، وهو أن جمعية المعارف ومطبعتها اللتين أسسهما المويلحي ترجعان إلى سنة 1867، لا كما قلت أنت بأسلوب المراوغ المكابر إنها لا ترجع إلى أبعد من سنة 1860، وقد اعتمدتُ أنا على ما ورد بنصه في كتاب (الإسلام والتجديد) للدكتور تشارلز آدمس، وقد أشرتُ إليه في هامش ردي، ومع ذلك تزعم أن هذا المصدر مدرسي. ففي أي مدرسة في مصر يدرس هذا الكتاب؟ وإن جورجي زيدان الذي استشهد برأيه يؤيدني ولا يؤيدك

ثم زعمت كذباً عليّ أني أوافقك في أن رفاعة الطهطاوي بعث القديم بحكم ثقافته المستنيرة وأنا لم أقل ذلك، ولكنني قلت اعتماداً على أستاذك وأستاذي أحمد أمين بك وهو يترجمه إن رفاعة كان مقلداً المستشرقين ده ساس وكوزن في بعث القديم، ولقد نسيت أو تناسيت المصادر، وما كان لك أن تنسى المصادر ولا أن تتناساها، وذكرت أسماء بروكلمان وشيخو وزيدان والرافعي، ولم تذكرت ما يؤيدك. فهل تريد أن تقول إنك قرأت ما قالوا في ذلك وكفى. إن يكن ذلك فما تعرضنا لك فيه.

(سمالوط)

محمد خليفة التونسي