مجلة الرسالة/العدد 583/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 583/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 09 - 1944



عودة إلى وحدة الوجود

رأيت في العدد 581 من مجلة الرسالة الغراء عودة إلى موضوع (وحدة الوجود) بقلم العالم الأستاذ عبد المنعم خلاف. فوددت لو يسمح لي الأستاذ البليغ صاحب الرسالة وحضرات الكتاب فيها وقرائها قول كلمة أخرى في هذا الموضوع الذي هو من الأهمية بمكان عظيم الشأن

(وحدة الوجود) بالمعنى الذي فهمناه من سياق المناقشات فيها في هذه المجلة هي أن الله متحد في الكون المادي بحيث يكون والكون شيئاً واحداً، وهي بالحقيقة قضية فلسفية مختلفة النظريات باختلاف الفلاسفة الذين بحثوا فيها. وليس هنا محل الكلام فيها

الأديان السماوية الثلاثة ترفض هذه النظرية الفلسفية رفضاً باتاً. وهي مجمعة على أن الله والوجود المادي شيئان مختلفان. ولكل منهما ذاتية قائمة بذاتها منفصلة عن الأخرى، وأن الله الواجب الوجود الذاتي خالق الوجود المادي ومسيّره

هذه النظرية عقيدة دينية مقررة في تعاليم كل من الأديان الثلاثة لا تقبل النقض ولا التنقيح ولا التعديل،

وقد أصبحت تقليداً متحجراً منذ عهد موسى إلى اليوم

لا تمكن زعزعته ولا تليينه بوجه من الوجوه. وإذا رام شخص أو جماعة أو طائفة تعديل هذه العقيدة في مجمع أو في مؤتمر عدَّ أهل الأديان الثلاثة هذا التعديل بدعة وزندقة وكفراً

على أن للفلاسفة من عهد لوسيبيوس وديموقراطس ولوقريطس (قبل المسيح) إلى عهد سقراط وأفلاطون وأريسطو ومن تلاهم بعد المسيح إلى اليوم نظريات مختلفة متباينة في علاقة الله بالوجود المادي بعضها تنزهه عن المادة وبعضها تدمجه فيها. وبين النظريتين درجات متفاوتة ووجوه مختلفة. ولهم في نظرياتهم تعاليل بعضها منطقي معقول كثيراً وقليلاً، وبعضها سخيف لا يقبله عقل ولا يطابق منطقاً

فمن رام أن يبحث في (وحدة الوجود) أو ثنائيته فيما يخرج عن عقيدة الأديان الثلاثة فليعلم أنه يتعرض لتهمة الكفر والإلحاد، ولا يسلم من لسع الألسنة الحداد. لأنه ليس في بيئتنا الفكرية في البلاد العربية محل لحرية الفكر أو القول أو القلم. فأي بحث فلسفي أو علم يحتمل أن يساق إلى قضاء الامتحان الديني، وتنسب له تهمة المساس بالعقيدة الدينية، ويُحمَل عليه حملة تكافئه. وحينئذ على الباحث أن يدافع عن بحثه لتبرئته من تهمة الكفر والإلحاد، وإلا لسعته الألسنة الحداد.

يستحيل على من يتصدى للمسائل العلمية أو الفلسفية عن الوجود فيما وراء الطبيعة أن يستطيع التوفيق بين فلسفته والعقائد الدينية الراسخة إذا كان بين الفريقين تناقض أو تضاد، ويستحيل أن يسكت عليه الدينيون إلا إذا قاد النظرية الفلسفية أو العلمية إلى الطاعة العمياء للعقيدة الدينية. وحينئذ يكون قد فكر بالفلسفة والعلم

فحذار أيها العلماء من التفلسف بوحدة الوجود، لأن الموضوع وعر خطر.

نقولا الحداد

حول وحدة الوجود

عنت لي ملاحظة يسيرة على نقطة هامة في مقال الأستاذ خلاف المنشور بالعدد 581 من الرسالة الغراء، وهي:

هل توهم الخليل أن هناك أدوات للخلق والتكوين؟

قال الأستاذ ذلك، ولذلك سال (أي الخليل) ربه سؤاله؛ فمن أين للأستاذ الفاضل هذا الفهم، والسؤال بكيف عن الحال، ولو كان كما أراد الأستاذ خلاف أن يفهم لكان السؤال هكذا بأي شيء تحيي الموتى؟ فيؤتى بأي التي هي صالحة لاستعمالها في أنواع المستفهم عنه، على أن الأستاذ الفاضل فسر صرهن بـ (اذبحهن)، وهذا ينافي صريح اللغة وسياق الآية الكريمة، إذ بعد أن يسرد الكشاف القراءات التي وردت في تلك اللفظة الجليلة وكلها يدور حول الضم والجمع ينشد قول الشاعر:

ولكن أطراف الرياح تصورها

وقول الشاعر:

وفرع يصير الجيد وحف كأنه ... على الليث قنوان الكروم الدوالح

وبدهي أنه لا معنى أصلاً لأذبحهن إليك، ولكن الضم إليه ليتأملها ويعرف أشكالها وحلاها، هذا من حيث اللغة والمنطق. والأستاذ هو من هو فيهما

وأما من حيث الأخبار الصحيحة الواردة في هذا المقام - والأستاذ الديّن الحصيف - فهو ما رواه البخاري في صحيحه، قال: قال رسول الله : (نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى؟. . . الخ) وبعد أن علق الشراح بآرائهم على هذا الحديث الشريف اخترت (هذا الذي ترون أنه شك أنا أولى به لأنه ليس بشك إنما هو طلب لمزيد البيان وتقوية لليقين بالمشاهدة بعد العلم). حكى بعض علماء العربية أن أفعل ربما جاء لنفى المعنى عن الشيئين نحو قوله سبحانه: (أهم خير أم قوم تبع)، أي لا خير في الفريقين، وجواب الخليل عليه السلام، ولكن ليطمئن قلبي، يؤيد ذلك، هذا والأستاذ ثنائي وإعجابي

(شبرا بابل)

إبراهيم السعيد عجلان

من غير تعليق:

في عدد الثقافة الأخير قرأت كلمة للأستاذ (ح. ج) تحت عنوان: (سعد وسعوده) جاء فيها: (نريد أن نتكلم عن سعد - الإنسان العادي - لا عن سعد الزعيم المتفرد، ولا عن سعد الخطيب المصقع، ولا عن سعد الخصم الجبار، فإن قصر الحديث في هذه الناحية وحدها من نواحيه المتعددة خليق أن يضرب بينه وبين الناس حجاباً يحول دون انتفاعهم بقدرته، والنسج على منواله في الحياة

وإني لأذكر أن كاتباً من كتابنا النابهين كتب عن شخصية سعد فقال ما معناه: إن الإنسان لينظر إلى سعد فيحس أنه على مقربة من رجل ممتاز في جسمه كما هو ممتاز في عقله. وإن طلعته لتذكر الناظر إليه بطلعة الأسد. وإنه ليس بين الوجوه الآدمية ما هو أشبه في قسماته ومهابته من سعد زغلول

(أذكر أني قرأت هذا الوصف في كتاب كنت أرجو أن ألتمس فيه لنفسي عوناً على الوصول إلى شيء من أسباب العظمة التي سلكت سعداً في سجل العظماء؛ فإن الإنسان ليقرأ سير العظماء ويبتغي أن يقع فيها على سرهم، لعله أن يصيب حظاً مثل حظهم. ولكنني قمت إلى المرآة بعد قراءة هذا الوصف أتفحص قسمات وجهي. فلم أر فيها شيئاً يشبه الأسد من قريب ولا من بعيد. ورأيتني فرد كغيري من الآدميين الكثيرين، فارتددت وفي نفسي شيء من خيبة الأمل على أن الطبيعة سلبتني أول مقومات العظمة التي حبت بها زعيمها الخالد!

(وأنا اليوم لا أريد أن أدفع اليأس في قلب قارئ جديد بالتحدث عن عظمة سعد، ولذلك اخترت أن أتحدث عنه لا بوصف كونه أمة في فرد ولا بوصف كونه الجبار العنيد، ولا على أنه الشجاع الأعزل الذي وقف في وجه الدولة المسلحة

(ولكني أريد أن أكتب عنه باعتباره إنساناً له نواحي ضعفه أحياناً، وله من الصفات الكثيرة ما يشاركه فيه كل إنسان آخر)

ثم تحدث الأستاذ (ح. ج) عن رقة شعور سعد التي جعلته لا يطيق باكياً أمامه ولا يستقبل أم المصريين في جبل طارق على المرسى خوف أن تجيش نفسه. وعن اضطلاعه بالمهام الكبار وهو مريض بجملة أمراض. وعن إثارة الأزمات لحيويته ونفي المرض عنه. ومن فكاهته مع الأزهريين الذين طلبوا إرسالهم في بعثات إلى أوربا. وعن مداعبته لزملاء المنفى في مالطة المتأثرين لما يصيب زوجاتهم من قلق عليهم بأن يخبروهن أنهم تزوجوا غيرهن فيبطل القلق!

والذي يقرأ هذا الكلام بما فيه من تهكم على حكاية وجه الأسد (يخيل إليه أن الكتاب الذي يشير إليه الأستاذ (ح. ج) قد سار كله على النسق الذي عرض الأستاذ به، وأنه أغفل من سعد تلك الجوانب الإنسانية التي فطن إليها كاتب المقال

ولما كنت أذكر ذلك الكتاب الذي يعنيه فقد عدت إليه فوجدت أن (كاتباً من كتابنا النابهين) هذا. هو الذي يقول في كتابه بتطويل وتفصيل نجمله في اختصار شديد:

(إن الذي يحسب سعداً مكافحاً مناضلاً فقط يخطئ في فهمه، وأنه: (لم يكن أصلح منه للعطف والصداقة وحسن المودة والأنس بالناس والارتياح إلى المعاشرة. وقد حفظ قلبه الكبير ما أودعته الفطرة من ذخيرة العطف الزاخر إلى آخر أيام الحياة. فإذا تأثرت نفسه بحالة مفرحة أو محزنة؛ فكثيراً ما تغرورق عيناه أو تنهملان بالدمع الغزير. وكان في مجالسه الخاصة من أقدر الناس على مؤانسة الجلساء بالحديث الشائق والفكاهة الحاضرة والحدب المطبوع، ثم يذكر بالذات حكاية أنه لم يكن يطيق باكياً، وأنه لم يستقبل أم المصريين في جبل طارق، وفكاهته مع الأزهريين ودعابته لزملاء مالطة في هذا الموضع. ويذكر في موضع آخر استجاشة الأزمات لحيويته واضطلاعه بالأعباء مع مرضه. . . وهو كل ما ذكره الأستاذ (ح. ج) ثم يزيد جوانب إنسانية أخرى له في بيته ومع أصدقائه وخصومه، ويكشف عن هذه الجوانب في سعد بكل تفصيل

هذا الكتاب هو كتاب (سعد زغلول. سيرة وتحية)، وهذا (الكاتب من كتابنا النابهين) هو الأستاذ العقاد. . .

أما الأستاذ (ح. ج) فمن رجال القضاء العادلين!

سيد قطب

تصويب

ورد البيت الآتي:

وساقين إن يستمكنا منك يتركا ... بجلدك يا غيلان مثل (المآثم)

في الكلمة التي وجهها الأستاذ الشرباصي إلى الأستاذ (الجليل) في العدد (581) من الرسالة. والصواب أن تكون (المآثم) المياسم جمع ميسم، وهو المكواة. وبها ننم روعة التشبيه الذي يهدف إليه الشاعر؛ فما يريد سوى تشييد أثر الساقين بأثر الميسم في الجلد.

حسين محمود البشبيشي

مجلة الأنصار

أصدرت مجلة (الأنصار) العربية الإسلامية في غرة شهر رمضان عدداً من أعدادها الممتازة خصصته للكتابة المستفيضة والدراسة التحليلية لموضوع (القصص والأساطير في الشرق). وقد طالعنا هذا العدد فوجدناه حافلاً بالأبحاث العربية الصادقة عن نشأة الأساطير الشرقية. وقد لفت نظرنا بحث واف طريفاً عن كتاب الشرق القصصي (ألف ليلة وليلة)