مجلة الرسالة/العدد 588/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 588/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 10 - 1944



بيان إلى صحف الأقطار الشقيقة

بلغني من أحدهم بطريق المصادفة أن بعض صحف الأقطار الشقيقة تنسب ألي رأياً خاصا في الوحدة العربية، كما تشير إلى تهم قيل إنها صدرت مني ضد بعض الأدباء في تلك البلاد. ولم تقع في يدي حتى الآن صحيفة من تلك الصحف أطالع فيها تفصيل هذه الأخبار الغريبة. ولكني أكتفي هنا بأن أرجو من صحف البلاد الشقيقة أن تضن قليلا بحسن ظنها في صحة الأقاويل والإشاعات التي تنسب إلينا، وألا تلقي بالا إلى غير ما ينشر موقعا عليه بأسمائنا من مقالات أو تصريحات، فإن بدعة (أحاديث المجالس) المتفشية الآن في الصحافة الحديثة لم يبق فاصلا بين الجد والهزل، ولم تجعل حدا بين الحقيقة والخيال. وقد يأتي اليوم الذي أحاسب فيه أيضاً على تلك (النكات) والدعابات التي يضعونها على لساني تحت الصور الكاريكاتورية في المجلات الأسبوعية، أو ما يرد من حين إلى حين في صيغة (قال لنا الأستاذ فلان. . .) كل هذا يجب أن يؤخذ مأخذا خفيفاً، وأن يقرأ مع الابتسام، لا أن يجعل أساساً لحقائق يدور حولها الكلام. . . وكنت أود أن يفطن الناس إلى ذلك منذ زمن، فلا يجعلوا مثلي مسؤولا إلا عما يحرر بقلمه أو ما ينشر بإذنه، ولقد بحثت في ذاكرتي فلم أجدني نشرت أكثر من مقالين أدبيين منذ عام، ولم أسمح بأكثر من حديثين جديدين، ولم تكن الوحدة العربية موضوع بحث أو سؤال، ولا كان الأدباء محل نظر أو جدال. خصوصا وان اطلاعي على الصحف أو الكتب، ومعلوماتي عن كتابها ومؤلفيها من أبناء البلاد الشقيقة هي للأسف من الضآلة بحيث لا تبيح لي الكلام فيها. ولابد لي من وقت أعالج فيه هذا النقص، وأتوفر على الإحاطة بالإنتاج الحديث وأصحابه قبل إبداء الرأي أو توجيه الاتهام أو إزجاء الثناء. وأملي أن يوفقني الله إلى القيام بهذا الواجب في القريب. فإن أقل ما ينتظر منا هو أن نكشف للعيون عن ثمرات القرائح الناضجة في حدائق جيراننا. تلك غايتنا. فإذا عجزنا عن إدراكها سكتنا على مضض. أما أن نتكلم بشر فهذا ما لا يكون منا أبدا. وأخيرا أكون شاكراً لو تفضلت كل جريدة عربية في كل قطر عربي بنشر هذا البيان، إقرارا للحق في نصابه والسلام. . .

توفيق الحكيم حرية الفكر أيضاً

تفضل حضرة الأستاذ العلامة دريني خشبة في مقاله الأخير في الرسالة (حرية الفكر أيضاً)؛ فألمع إلى كلمتي الأخيرة في العدد الأسبق. ثم وضع لنا قانون حرية الفكر (والقول). وزبدة قانونه: (فليعتقد من يشاء ما يشاء بشرط ألا يجعل عقيدته دعوة يدعو إليها ويجهر بها الخ.) فعجبنا كيف تكون الحرية حرية متى قيدت بشرط أو شروط

ولأنني أعلم، وقد ازددت علما مما لاحظته في سياق النقاش في وحدة الوجود في الرسالة، إنه لا يجوز البحث في هذا الموضوع الذي اتفقت على بطلانه تعاليم الأديان الثلاثة. ولذلك حذرت سادتنا الكتاب من التوغل في موضوع قد بت فيه منذ مئات بل آلاف من السنين لئلا ينسب إليهم الإلحاد، وإنما رغبت أن يتجنبوا تهمة الإلحاد لأني أشفقت عليهم من غضب الجمهور الذي قد يثور على الملحدين. وكدت أنا أقع في نفسي ما حذرت منه إذ أصبحت في عرف أستاذنا العلامة دريني ملحداً أو زنديقاً لأني أعتقد بالمادة

لا باس أن ينعت المؤمن بالمادة ملحداً أو زنديقاً. ولكن ما قول أستاذنا فيما إذا اختلفت عقائد المؤمنين بالله؟

إن أصحاب الأديان الثلاثة يعتقدون أن الله خالق هذا الوجود ومدبره. ولكن لكل طائفة عقيدة بالله تختلف عن عقيدة غيرها. (فالله) الإسرائيليين يوصف بأنه (يهوه رب الجنود) أي إنه قائد حربي ينصر شعبه على أعدائهم. و (الله) النصارى ذو ثلاثة أقانيم في واحد. و (الله) المسلمين واحد أحد لا شريك له

وقد نضيف إليهم (الله) سقراط وتلاميذه الذين يعتقدون أن الله موجود مع الكون مستقل عنه ومدبره ولكنه لم يخلقه.

وهناك عقائد مختلفة بالله في الشرق الأسيوي وجزر الباسفيك القصوى. فمن هم الزنادقة؟ وفي نظر من هم زنادقة؟ وهل يحرم على أولئك المنسوبة لهم الزندقة أن يقولوا عقيدتهم. إذا أين حرية الفكر؟ وهي بيت القصيد في كلمتي الماضية وفي هذه أيضاً

أود أن يعلم حضرة الأستاذ جيدا أني لست أناقش في عقيدة معينة من العقائد الدينية. ولا أدافع عن عقيدة خاصة حتى ولا عن حرية الفكر. فما دامت الحرية غير مقيدة بسلاسل ولا هي معتقلة في السجن؛ فلا أغضب ولا أكون شبه غاضب. ولذلك أرجو من حضرة الأخ العزيز الأستاذ دريني خشبة أن يسحب من مقاله (غاضبون أو شبه غاضبين) لأنه في الأبحاث العلمية لا محل للغضب عند من يعقلون، وإذا كنت أتطفل في مساجلته؛ فلأني أستلذ بحثه فأستزيده منه، وله تحيتي.

نقولا الحداد

تعريف الوحدة

الوحدة العربية، كلمة جذابة تطوي أطيب المعاني المستحبة عند كل الناس من جميع الطبقات، وقد أقترب كثيرا من الحقيقة إذا قلت إن تعريفها يختلف عند السوريين والعراقيين والحجازيين واليمانيين والفلسطينيين والمصريين

لا عجب في اختلاف معاني الوحدة العربية ولا غرابة في ذلك ما دام القائمون بها لم يضعوا لها بعد تعريفا يظهر الغاية ويزيل البلبلة والتضارب في التفسير ويحد من اجتهاد المجتهدين في إفراغ تعريفها في أحسن الألوان وأزهى المظاهر

وليس ثمة من دليل على البلبلة والتضارب اقطع من الدليل الذي أقامه الأستاذ أسعد داغر في صحيفة الأهرام، وما أدراك ما هي صلة الأستاذ بجميع القائمين بالوحدة والعاملين لها، قال في سياق مناظرة حول هذا الموضوع (أعرف أن الوحدة التي ينشدها العرب الآن هي وحدة الروح والفكر والمصلحة والخطة، والعمل على تحقيق آمال الأمة واستعادة مجدها الغابر لمصلحتها ومصلحة كل قطر من أقطارها، وكل فرد من أبنائها. ومصلحة الحضارة والعمران والسلام العام. على أساس الرضا والتعاون بين جميع البلاد العربية)

هذا الكلام وقد نقلته بنصه في تعرف الوحدة لا يروي ظمأ المتعطشين إلى الوقوف على الحقيقة من رجال السياسة والاقتصاد، ولا يحد من أخيلة المتخيلين الذين قد يضر الوحدة خيالهم ولا ينفع؛ فهل للأساتذة الأفاضل أمثال عبد الرحمن عزام وخليل ثابت ومحمود عزمي وعبد الوهاب عزام، وبقية المشتغلين بقضية الوحدة أن يضعوا لها تعريفا محدود القصد والغاية بعيدا عن التعابير الشعرية والأساليب الخيالية.

حبيب الزحلاوي إلى الدكتور زكي مبارك

مرحبا بك يا أخي مساجلاً وصديقاً وأستاذاً حر التفكير (معقد الإيمان)

خذ في الموضوع إذن، ورجائي أن تذكر ما قلته في كلمتك الأولى من أنك تؤمن بنظرية وحدة الوجود كما تناولتها في كتابك القيم؛ فلا تنس هذا. . . ولا تنس أنك قد أيدتها في صفحات، ثم عدت فنقضتها في صفحات أخرى، فهل كنت مؤمنا بهذه النظرية في الصفحات الأولى، وغير مؤمن بها في الصفحات الأخيرة؟ ولن يفوتني أن أسألك يا أخي عما يخيفك من دخولي الإسلام في موضوعنا؟ أفي الإسلام نقط واهية يخشى عليه منها بصدد هذه النظرية الصادقة في نظرك؟ وعلى كل فخذ في الموضوع، واشرح لنا هذه النظرية كما تؤمن بها ونحن في انتظار ما تقول؛ وتقبل تحيات صديقك الذي يقدرك، وسوف يظل إلى الأبد يقدرك

دريني

بقية عن تيمور

كتبت في العدد الأسبق عن (تيمور) وواضح أن التقدير الفني - لا للتسجيل التاريخي - هو الذي كنت أتجه إليه؛ وهو الذي يتسع له مقال في صحيفة لا فصل في كتاب

ولما لم يكن من غرضي - في هذه الفصول النقدية التي أكتبها هضم حق أحد ولا منح أحد أكثر مما يستحق، لسبب من الأسباب الكثيرة التي تعصف بمن يحاولون النقد في هذا البلد العجيب. فقد رأيت أن أنشر هذه (البقية) التي كنت أبقي تفضيلها لكتاب هو بين يدي الآن

فأحب أن أسجل لتيمور إنه واضع الحجر الأول في محاولة (الأقصوصة) في مصر بعد أخيه المرحوم (محمد تيمور). وهذه الحقيقة التاريخية لا شأن لها بتقويم عمله من الوجهة الفنية. ولعل حديثي الماضي عن تيمور في صدد كتاب الرواية والقصة والأقصوصة مجتمعين، هو الذي أخفى مكانه التاريخي والفني بينهم. . .

فأما حين نفرد (الأقصوصة) فإننا نجد تيمور هو واضع الأساس. ولعلنا لا ننتظر ممن يخط الحروف الأولى أن يبلغ القمة، وحسبه أن يمهد الطريق

هذا الحق التاريخي. لا يمنعني مانع من كبرياء أو عناد، أن أعود فأقرره لتيمور، لأثبت له - من وجهة نظري - ما له وما عليه. ولعل هذه الكلمة تكشف الحقيقة للكثيرين، ممن قرأوا كلمتي الماضية، فتأولوها تأويلا غير مضبوط.

سيد قطب

منع النساء من لبس العمائم الكبيرة

إتماماً لما كتبه الأستاذ النشاشيبي في (نقل الأديب) من (عدد الرسالة 578) من خبر النساء في إنطاكية وأنهن يتعممن كالرجال، وأن الرجال يلبسون السراقوجات، أنقل ما سيأتي من كلام ابن الجزري المؤرخ. وقد عودنا الأستاذ أن يشرح لنا غريب الألفاظ الذي يرد في كلامه، ولكنه لم يذكر لنا معنى (سرغوج). وهي شارة توضع على مقدمة القلنسوة، فيها شعر مفتول بعدد معين. تكون رمزاً لرتبة عسكرية عند المغول والأتراك حتى العثمانيين كما جاء في قاموس شمس الدين سامي وغيره:

قال المؤرخ محمد بن إبراهيم الجزري في تاريخه الكبير (حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه): وفي يوم الخميس لعشرين من رمضان سنة 690 رسم نائب السلطنة بدمشق - الأمير علم الدين سنجر الشجاعي - أن لا ترجع امرأة تلبس عمامة كبيرة، ومن خالف المرسوم غلظت عقوبتها. فامتنع النساء من ذلك على كره منهن. وكان في المرسوم أيضاً أن لا يكتب على المناديل البسملة ولا شيء من القرآن المجيد

وروى في كتابه المذكور عن الشيخ عماد الدين يونس بن علي بن قرسق الدمشقي، وكان والده متولي دمشق وشاد دواوينها، إنه قال: استتوب والدي بعض اللصوص ممن كان يخطف العمائم، قال ويبقى في خدمته بالباب، قال فقلت له مرة: أشتهي تحكي لي أعجب ما جرى لك فقال: اتفق أنني خرجت ليلة فوقفت في مظلمة فما استقر بي الوقوف إلا وخطفت عمامتي، قال فمشيت إلى بيتي وكان لي تخفيفة فتعممت بها ورحت إلى مكان آخر فما لحقت أقف إلا وقد خطفت، قال فعدت إلى البيت وأخذت مقنعة امرأتي فتعممت بها، والمرأة تخاصم وتحلف إن راحت مقنعتها تعرف الوالي، فأخذتها ورحت إلى مكان آخر فخطفت المقنعة، فقلت والله لا رحت إلى البيت إلا بشيء وخفت من المرأة، وكان وسطي مشدوداً بمنديل فتركته على رأسي وقلت في نفسي قد دخل الليل وما بقي إلا سقاية جيرون فجيت ودخلتها ووقفت أنتظر من يعبر، وإذا بإنسان قد دخل وعلى رأسه عمامة كبيرة إلى غاية، فقلت في نفسي هذه أخطفها، ثم إني تركته حتى عرفت إنه قد تمكن من القعود، وفتحت عليه الباب، وخطفت العمامة وجريت جرية واحدة إلى بيتي، وافتقدتها فإذا هي العمامة والتخفيفة ومقنعة المرأة التي خطفت مني تلك الليلة لا تزيد خيطا، وراحت ليلتي بلا فائدة لا ربحت ولا خسرت.