مجلة الرسالة/العدد 590/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 590/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 10 - 1944



إليك أعتذر يا صديقي

كتب الأخ العزيز الأستاذ دريني خشبة كلمة في الرسالة يدعوني فيها للمرة الثالثة إلى شرح نظرية وحدة الوجود. والحق أني وعدت ثم أخلفت، وما كان يجوز أن أخلف الميعاد، ولكن الذي منعني حق الوفاء هو عرفاني بأن لمجلة (الرسالة) قراء من جميع الطبقات في جميع البلاد العربية والإسلامية، وبهذا يكون في شرح نظرية وحدة الوجود بلبلة فكرية لا أحب أن يكون لها في هذا الوقت مجال

وأنا أتأدب بأدب الغزالي حين ألف كتاباً سماه (المضنون به على غير أهله) وهو كتاب ألفه للخواص وطواه عن جماهير الناس

ولأجل أن يدرك الأستاذ دريني خطر ما يدعوني إليه أقول أني أعتقد بأنه (ليس في الوجود فضاء ولا سكون ولا موت)

وهذا الحكم الذي صغته في كلمات يحتاج في شرحه إلى مجلدات، ثم لا يصير مع ذلك من البديهيات، لأنه من الدقة بمكان

وإذا كان الأخ قد عجب من أن أترك الإسلام على جانب حين أفكر في الأمور الفلسفية، فليس معنى ذلك أني أرى في الإسلام جوانب واهية كما قال، ولكن معناه أني لا أحب أن أحشر الإسلام في مضايق نهانا عن الخوض فيها رسول الإسلام

والأخ يعجب من أن أوثر السلامة وأتخوف من ظلم الناس، ويصرح بأن المفكرين في العصور الخوالي قد تعرضوا للظلم والقتل، وفي هذا قال الأستاذ عبد المنعم خلاف كلاماً جاء فيه أن المفكرين في هذا العصر لا يريدون أن يتحملوا في سبيل مبادئهم أي إيذاء، مع أن أسلافهم كانوا يرحبون بالنفي والتشريد والقتل

والجواب حاضر: وهو أني لا أرى لجماهير المسلمين مصلحة في أن يؤمنوا بنظرية وحدة الوجود، ولو كنت أرى لهم مصلحة في الإيمان بهذه النظرية لعرضتها في كل مكان، وتعرضت من أجلها للنفي والتشريد والقتل

وتقول أني في كتاب التصوف الإسلامي أيدت هذه النظرية في صفحات، ثم نقضتها في صفحات، وأقول إن البحث العلمي الذي ارتضيته لنفسي يوجب أن أدرس كل نظرية من جميع الجوانب، مع التحرر من رأيي الخاص، حرصاً على تثقيف قرائي

ثم أقول مرة ثانية أين أعتقد بأنه (ليس في الوجود فضاء ولا سكون ولا موت) فإن بدا لك أن تنقض هذه النظرية فافعل إن استطعت، ولعلك تستطيع، لأغير رأيي في نظرية وحدة الوجود، ولأسألك عن المكان الذي يقيم به خالق الزمان والمكان

ثم أقول: '

فإن فعلت فستحترق، أنجاني الله وأنجاك من الاحتراق بنيران وحدة الوجود.

زكي مبارك

إلى الأستاذ نقولا الحداد

عرضت سؤال السيد على مراجع اللغة العربية - لا على مراجع الدين - فوجدت في مادة (لحد) ألحد بمعنى عَدَل وماري وجادل وترك القصد فيما أمر به وأشرك بالله. ووجدت في (الزنديق) أنه أحد الثنوية أو القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، أو هو معرب زن دين أي دين المرأة ج زنادقة أو زناديق، وقد تزندق والاسم الزندقة، وعندنا نحن المسلمين أن الذي لا يؤمن بأن الله لا إله إلا هو، وأن الله الذي أرسل موسى هو الذي أرسل عيسى وأرسل محمداً وأرسل الرسل أجمعين بعقيدة التوحيد التي لم تتغير فهو ملحد وزنديق - أما أهل واق الواق والأقزام السبعة فلهم دينهم ولنا دين. وكذلك الذين لا يؤمنون إلا بالمادة الذين يقولون بأن الروح والسمع والبصر والفكر إن هي إلا من التفاعلات الكيميائية. ليعتقدوا ما شاءوا. فإن سألوا مراجع اللغة العربية عما تسميهم به. فقد عرفنا بماذا تجيب. أما حرية الفكر فمصونة بحمد الله الذي نؤمن به إلا أن يقدح أحد في ديننا أو يسفه إيماننا أو يكذب قرآننا بحجة تلك الحرية المفتراة التي هي أسفل دركات الفوضى حينئذ

وتقبل يا سيدي الأستاذ الجليل أزكى تحياتي وأوفى احتراماتي

دريني

بين تيمور وذهني

لم أفاجأ برد الأستاذ صلاح ذهني في عدد الرسالة الماضي، ولكنني فوجئت بلهجة هذا الرد؛ فالحقائق يمكن أن تقال، دون أن يحتاج قائلها حتماً إلى البذاءة!

وأكبر ما يأخذه عليّ في رده أنني تحدثت عن تيمور مع جماعة من كتاب القصة والرواية، - ولم أقصر الموازنة على كتاب الأقصوصة - فما تقوله إذا كان (تيمور) نفسه هو الذي يضطر الناقد إلى هذا، لأنه لا يقصر محاولاته على الأقصوصة، فيحاول معها القصة والرواية؟ وإلا فما (نداء المجهول) وما (قنابل) وكيف يتحدث الناقد عمن يحاول هذه وتلك؟

أما حكاية أن ليس هناك (مدارس) فنية فلست أدري إلى أي وأد من الفوضى والسذاجة تقودنا فأدعها لأنها لا تستحق الحديث!

وقال: إنني نسيت توفيق الحكيم عند الكلام على (كفاح طيبة) مع أنه في (رواية) له اتجه إلى مصر القديمة و (الرواية) التي يعنيها هي قصة (عودة الروح) وهي تتناول عهد الثورة المصرية. فهل هذا هو ما يعنيه الأستاذ العلامة بأنه (مصر القديمة)؟. ثم يا هذا العالم باللافتات (اليفط) كيف تتحكم فتحتم تسمية (عودة الروح) و (كفاح طيبة) روايتين، ولا تسميهما قصتين؟! مع اعتزازك العريض بأنك تعرف اصطلاحين؟!

ثم ينكر أن يكون المازني كاتب قصة. فبماذا نسمي (إبراهيم الكاتب) أو (إبراهيم الثاني)؟ نسميهما مقالتين، لأن المازني كاتب مقالة فحسب؟!

وينكر أن يكون لتوفيق الحكيم قصة. فما عودة الروح، وما راقصة المعبد وما سواهما في عرف السيد صلاح؟!

ثم ماذا؟

ثم يلجأ إلى لهجته وهو يتكلم عن جهلي بالتاريخ. فلقد رجحت أن تكون مدة حكم الهكسوس حوالي خمسمائة عام لا مائتين كما ذكر الأستاذ نجيب محفوظ. فما رأيه في جهل رجل كجوستاف لويون يقرر في كتابه (الحضارة المصرية) (أن حكم الهكسوس بقي نحو خمسة قرون) وأن الصراع بينهم وبين حكام طيبة قد ظل أكثر من مائة وخمسين وعاماً؟ لعل مدة الصراع هي التي يجزم الأستاذ العلامة بأنها مدة حكم الهكسوس؟

أما أنني مخطئ في تعقيبي على قول الملك (سكنن رع): (لم تكن العجلات من آلات الحرب لدى الرعاة فكيف يكون لجيشهم أضعاف ما لجيشنا منها) لأن الهكسوس إنما أخذوا العجلات عن أهل فلسطين. . . فلست أدري كيف أرد على الأستاذ صلاح فيها. إنني في حاجة لأن أستعير لهجته!

آلهكسوس سبقوا المصريين في استخدام عجلات الحرب أم لا؟ أهم قد غلبوا بهذا السبق أم لا؟ هذا هو لب الموضوع وتعقيبي في موضعه. أما تعقيب الأستاذ صلاح فله وصف آخر ليس الآن في قاموسي!

وأما أن أحمس مشتق من (الحماسة) بمعناها. فأنا في انتظار ما يثبته، ولا يكفي أن يقرره العالم العلامة السيد صلاح ليصبح يقيناً لاشك فيه!

وأما أن بلاد بنت هي الصومال فهو محق في هذا وأنا مخطئ! والمسألة أهون من كل هذا التبجح العريض

ما الذي أثار الأستاذ صلاح إذن، وخرج به إلى تلك اللهجة البذيئة؟

أثاره أولاً: أن إشارتي إلى قصصه لم تكن مما يرضيه. فأنا إذن لا أصلح للنقد! ولكنني كنت أصلح ولا شك يوم كنت أجامله فأكتب عنه كلمة تشجيع. وكان على الأستاذ القصاص الكبير أن يعرف أنني شجعته في البدء منتظراً خطواته إلى الأمام. ولم يكن معقولاً أن تظل لغة التشجيع وهو يخرج كتابه الرابع فلا يبدو أن هناك خطوة وراء الخطوة الأولى، ولا يزيد على أن يظل مبتدئاً! حينئذ لم يكن بد من التنبيه الرفيق وقد فعلت، فآثر كل هذا الهياج

وأثاره ثانياً: أنني لم أرض تيمور. وهو يحس بينه وبين نفسه - وإن أنكر هذا كل الإنكار في أحاديثه - أنه ظل باهت لتيمور، وأن له خصائصه في (متحف الشمع) مع الفارق بين الأستاذ والتلميذ. فهو إنما يدافع عن نفسه حين يتخفى وراء أستاذه. أما تنصله الشديد العنيف من هذه التلمذة، فشيء متروك لأخلاق هذا الجيل!

وبعد فإن إعزازي الشخصي البحت لصلاح هو الذي يدفعني إلى أن أناقشه، وإلا فقد كنت أعرف يوم كتبت عن (تيمور) أن هناك صلاحاً وعشرة صلاحات أخرى، سيعدون أنفسهم (خونة) إذا لم يشتموا هذا الذي لا يتملق تيمور!!

سيد قطب

دعبل شاعر الهجاء بمناسبة تشرفي بزيارة الوطن العزيز أخذت أطلع على بعض الكتب التي تتناول أخباره وحوادثه، وكان من بينها كتاب للرحالة العربي (البكري) خاص بوصف بلاد المغرب من كتابه المسمى (المسالك والممالك)، وقد لفت نظري في الصفحة السابعة ما ورد بخصوص شاعر الهجاء (دعبل)، حيث قال: (. . . ولما فتح عمرو برقة بعث عقبة بن نافع حتى بلغ زويلة، وصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين. وبزويلة قبر دعبل بن علي الخزاعي الشاعر. قال بكر بن حماد:

الموت غادر دعبلا بزويلة ... وبأرض برقة أحمد بن خصيب

فرجعت إلى بعض المصادر الأخرى أبحث عن ترجمة وافية لهذا الشاعر علي أهتدي إلى الأسباب التي دفعت هذا الشاعر أن يترك بغداد ويذهب إلى زويلة في جوف صحراء طرابلس. وكان من بين هذه المصادر معجم الأدباء لياقوت الحموي، طبعة دار المأمون؛ فوجدت له ترجمة في الجزء الحادي عشر، ولكن صاحب هذا المعجم لم يتعرض لوفاة هذا الشاعر وأين دفن. أما كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان الذي نشره ديسلان، طبعة باريس سنة 1338؛ فقد أورد له ترجمة صغيرة مكتفياً بذكر بعض الأمثلة من شعره، وقال في صفحة 260: (. . . وتوفي سنة 246هـ بالطيب، وهي بلدة بين واسط العراق وكور أهواز. . .). ثم تصفحت قاموس الأعلام للزركلي فوجدته يذكر في صفحة 209 من الجزء الأول أنه توفي ببلدة الطيب كما ينقل عن ابن خلكان.

فإلى أدباء مصر ومؤرخيها أسوق هذه النبذة راجياً التفضل بتحقيق هذه الأسباب على صفحات الرسالة الغراء حيث لها المكانة الأولى في نفوسنا نحن الطرابلسيين، والأمل معقود بأن يتفضل مؤرخ مصر الكبير الأستاذ عبد الحميد العبادي يتناول هذا الموضوع.

مصطفى بعيو

مسراته - طرابلس الغرب

الخوارزمي أيضاً

أخذ الأستاذ علي محمد حسن المدرس بالأزهر على الأستاذ منصور جاب الله في مقال نشرته الرسالة أنه لم يدقق في بعض أحكامه الأدبية، ومن ذلك دعواه على القدامى بأنهم منحوا الخوارزمي لقب (الأديب) لأنه كان (راوية)، ونبهه إلى أن الخوارزمي شاعر فحل وكاتب بليغ، وكذلك أخذ عليه جريه مع النقاد القائلين بهزيمة الخوارزمي في المناظرة بينه وبين بديع الزمان الهمذاني

ولقد كنا ننتظر أمام هذه المآخذ أن يدافع الأستاذ منصور عن رأيه، وأن يحدثنا كيف أطلق على الخوارزمي (لقب الأديب) لروايته فحسب؟ ومن الذي أطلقه عليه؟. . . وأن ينتصر للبديع في تلك المناظرة بأسباب وجيهة، ولكن الرسالة طلعت علينا بكلام للأستاذ منصور لا جدوى منه ولا محصول له، فقد وافق الأستاذ علياً على كل ما أخذه عليه، وزاد أنه يعرف المراجع التي استند إليها الأستاذ في اعتراضاته (!) وأنه انساق إلى ذلك انسياقاً (!). وماذا يفيد القراء أن يعرفوا أن الأستاذ منصوراً اطلع على هذه المراجع، ولكنه انساق إلى ما انساق إليه انسياقاً؟. وهل أراد من ذلك أن يغض من خصمه؟

نريد أن نقول للكاتب إن الأستاذ علياً قد نبه على ما نبهه عليه منذ ست سنوات في صيف سنة 1939 حيث كان يكتب في السياسة الأسبوعية ترجمة للبديع يستطيع أن يرجع إليها إن شاء؛ ونظن أن الأستاذ علياً لم يطلع على كتاب المستشرق، كما (نحسب) أن الأستاذ منصوراً لم يطلع عليه ولا سمع به، وإلا لانتفع منه؛ على أن الانتصار للخوارزمي رأي قديم، لا فضل فيه للمستشرقين، وإن كنا لم نظفر بالأسباب التي ذكرها الأستاذ.

أحمد الشرباصي

كلية اللغة العربية