مجلة الرسالة/العدد 594/كلمة أخيرة. . .

مجلة الرسالة/العدد 594/كلمة أخيرة. . .

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 11 - 1944



للأستاذ سيد قطب

لست أملك أن أتمادى في الحديث مع الأستاذ صلاح ذهني أكثر مما فعلت حتى الآن، حيث لا موضوع للحديث غير الشتائم والسباب، وإلا فهو الرابح. . . لقد عجز بإنتاجه في القصة أن يكون موضع حديث أحد في صحيفة، فنال ذلك الآن عن طريق الشتائم والسباب!

وإلا ففيم كلمته الأخيرة؟

لقد أخذت عليه أن لهجة رده الأول كانت لهجة بذيئة، وإن ما جاء فيها من بيانات كان مستطاعاً دون الاضطرار إلى هذه البذاءة، صوتاً لمستوى المناقشات الأدبية. فإذا هو في كلمته الثانية يهبط ويهبط، حتى ليعز على كاتب يحترم قلمه أن يلاحقه. . . لقد فشلت إذن فيما وجهته إليه أول مرة!

والمسائل التي أثارها، فرددت عليها، عاد يثيرها بالنص من جديد: توفيق الحكيم ليس كاتب قصة، لأنه كاتب رواية؛ والمازني ليس كاتب قصة لأنه كاتب مقالة!

وعلى هذا النحو يسير، فلا يجوز أن أتحدث عن قصص بودلير لأنه شاعر، ولا عن قصائد لورنس لأنه قصاص وعلي أن الغي إنتاجهما الآخر، فلا أذكره ولا أسميه. وهكذا فشلت مرة أُخرى في أن أرد الأستاذ إلى الموضوع!

وقلت له: إن إنكاري للمدارس الأدبية مسألة لا تستحق المناقشة، لأنها تردنا إلى سذاجة في النقد، والى فوضى لا تنتهي فقال: أنني تركت الحديث فيها لجهلي بها. . . ثم إذا هو يقول عن تيمور: أنه ذو نزعة واقعية ينتمي بها إلى موباسان. . . لقد عدنا إذن إلى أن هناك عنوانات ترد إليها الأعمال الفنية. وكان قد أنكر ذلك وأثبته في آن واحد في مقاله الأول. فرأيت الحديث فيها عبثاً، وقد اتضح أنني محق فيما رأيت، فبعد مقالين هانحن أولاً، لا نزال حيث كنا من قبل!

بقيت أمور جديدة في قائمة الشتائم:

إنني لا أعرف لغة أجنبية: وهذا صحيح. ولعل منشأ كسلي عن تعلم لغة أجنبية هو أنني أرى الأستاذ صلاح وعشرات من أمثاله يعرفون لغة يتبجحون بمعرفتها ويلوكون مصطلحاتها ثم يكونون حيث هم، وأكون حيث أنا. فأرى أن اللغة - وإن كانت ضرورية - لا تخلق المعدومين، ولا تعدم الموجودين!

وثانية الشتائم أنني لا أكتب إلا عن الكتب التي تهدي ألي، ولذلك استهديته كتب تيمور. والأستاذ صلاح مسكين في هذا الهبوط، ثم مسكين. ولكن ماذا يقول، وقد أهدى ألي هو كتابه الأخير، إهداء لا أدري كيف أضع له الآن عنوانه في سجل الأخلاق وهو: (إلى أخي الناقد البارع الأستاذ سيد قطب مع وافر التقدير). ومع هذا فلم أكتب عنه شيئاً، لأنني لم أجد أنه يستحق شيئاً، فجاملته بالسكوت!

وليلاحظ أنني وقتها كنت (ناقداً بارعاً) وكنت الأستاذ فإما اليوم، فأنا لا (ناقد)، ولا (بارع)، ولا (أستاذ)، ولا يحزنون. . . لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

وثالثة الشتائم في القائمة أنني ظل العقاد في الظهيرة. فلأكرر هنا ما قلته من قبل للدكتور مندور: أنني أفهم المسائل على نحو غير الذي يفهمه بعض (شبان) الجيل. أنني لا أحاول إنكار تلمذتي للعقاد، لأن لدي ما أقوله وما أبدعه وراء ذلك، فلست أخشى على وجودي حين أعترف بهذه الأستاذية، وهي حق، فلا يسمح ليس خلقي أن أنكرها أشد الإنكار، وإن أبرأ منها كل البراءة، كما كان الأستاذ صلاح يصنع ويتشنج حين قال:

إنه من تلاميذ تيمور!

وبعد، فظل العقاد هذا يستطيع أن يكون (الناقد البارع) كما كنت عند الأستاذ صلاح في 23 أبريل الماضي! وإن يكون (ناقد شعر فقط) كما أنا الآن عند الأستاذ صلاح أيضاً في 12 أكتوبر الحالي. وأن أكون شاعراً كما يقول بعض الناس غير الأستاذ صلاح. فهل يستطيع أن يقول لي ما هو: ماذا يستطيع أن يكون؟ لقد كنت أعني ما أقول حين قلت له: إن إعزازي الشخصي له، هو الذي يدعوني أن أناقشه، وإلا فليس هنالك من محور أدبي نلتقي عنده ليستحق الحديث. وحتى هذا الإعزاز الشخصي قد عبث به ببذاءة التعبير. . . تلك كلمة أخيرة، لأن الشتائم في منوال من يريد.

سيد قطب