مجلة الرسالة/العدد 597/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 597/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 12 - 1944



زكي مبارك وكتاب الله

التحدي نشر بمجلة (الرسالة)، وهي مجلة عالية، والمتحدي أستاذ بكلية الطب، وهي أيضاً كلية عالية، فمن واجبي أن أدفع عن نفسي بلاء هذا التحدي فأقول: إني رجعت إلى مقالي المنشور (بالعدد 592) من (الرسالة) عن (تلك الروح وذلك اليوم)، فلم أجد فيه لفظة واحدة تدل على أني أخاصم القرآن حتى يصح لذلك الفلان أن يقول (ما لزكي مبارك وكتاب الله)

أنت يا أيها الأستاذ محمد أحمد الغمراوي تسيء إلى نفسك بإصرارك على اتهامي في إسلامي، وإن صح زعمك، فسيكون كفري أفضل من إيمانك، لأني أعرف ما لا تعرف من حقائق العلم والدين

كان يجب أن تتذكر أني دكتور في الفلسفة ثلاث مرات، وأني أجدر العلماء وأقدرهم على شرح نظرية وحدة الوجود، وسأخرج عنها كتاباً يفوق فهمك، ولكنه سيشرّفك حين تدرك أن في أبناء وطنك من شرح معضلة عجز عن شرحها الفلاسفة فيما سلف من الزمان!

وأنا مع هذا راضً عنك، لأنك بعلمك الغزير الوفير ترشدني إلى فهم القيمة الصحيحة لحقيقة نفسي، فما خطر في بالي أني أعظم من أساتذة كلية الطب، قبل أن أقرأ ما تكتبه عني

ثم ماذا؟ ثم أتعجب من ثنائك على نفسك بنشر ما قال أحد مخاطبيك مدحاً في قدحك على كتاب (النثر الفني)

وهل تفهم كتاب (النثر الفني) حتى تتطاول على مؤلفه بذلك الأسلوب؟

ثم ماذا؟ ثم اسأل عن سكوتك المطلوب المرغوب عن نقد كتاب (التصوف الإسلامي). . . وأجيب عنك فأقول: إنك تعجز عن فهم كتاب (التصوف الإسلامي)، لأنه كتاب في الفلسفة العالية، ولا تستطيع أنت ولا يستطيع أشياخك أن ينقدوه بحرف؛ لأنه فوق ما تطيق وفوق ما يطيقون!

أنت يا أيها الأستاذ في احتياج شديد إلى من يدلك على أن الشتائم لا تنفع في مقارعة الخصوم، وإنما ينفع الصدق، ولو أن الله وهبك عمر نوح لعجزت عن تأليف كتاب مثل كتاب (النثر الفني)، أو كتاب (التصوف الإسلامي).

زكي مبارك

كتاب المستقصي للزمخشري

اطلعت على ما كتبه الفاضل عبد الحميد صالح البصري عن كتاب المستقصي في الأدب للزمخشري؛ وهو في أمثال العرب أوله: الحمد لله على ما أثلج صدورنا من برد اليقين. ذكر فيه جملة من أمثال العرب، وعني في شرحها بإيراد قصصها، وذكر النكتة والروايات فيها والكشف عن معانيها والأنباء عن مضاربها، والتقاط أبيات الشواهد لها مع الاختصار المستحسن المقبول، وتجريد الألفاظ عن الفضول. رتبه على فصول المعجم، وانتهى من تأليفه في شهر رمضان سنة 499 هجرية.

ولدي نسخة من المستقصي، والنسخة التي تحت يدي في ستمائة صفحة مكتوبة بخط جيد أنيق على ورق من الكتان العتيق أحسبها كتبت في القرن السابع أو الثامن الهجري لاعتبارات فنية من ناحية قاعدة كتابتها ومن المادة التي كتبت بها والورق، وهي من ضمن مجموعة خطية أثرية من مخلفات والدي. وإني مستعد لتلبية من يود طبعه بشروط أتفق عليها أو أني أقدمها للمجمع اللغوي بمصر إذا رغبها. على أن الكتاب لا يخرج من القاهرة خدمة لأبناء وطني؛ كما إنه لدى تفسير البقاعي الذي لا وجود له بالمرة. وقد قدمت للمرحوم أحمد طلعت بك حول السبعين ألفاً من المؤلفات النادرة المثال، ومن النفائس منها: تفسير الخروبي لا يوجد له نظير مثل المستقصي وهو كتاب (ربيع الأبرار) اختصره هو نفسه وسماه: (روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار)، أما المعروف المتداول من مؤلفاته فهو: أساس البلاغة، أطواق الذهب، أعجب العجب، الأنموذج في الجبال والأمكنة، الحقائق في غريب الحديث، الكشاف في التفسير، الكلم النوابغ المفصل، النصائح الكبرى، مقدمة الأدب.

محمد عبد الله الغزالي

أمين مكتبة منطقة التعليم بإسكندرية

العقلية المصرية أعجبت بالكلمة التي كتبها الدكتور مندور عن العقلية المصرية في عدد 592 من الرسالة، ولست أخالفه في وجهة نظره، ولكني أريد أن أقول إن العقلية المصرية إيجابية فعالة كالعقليات الغربية، وليس أدل على هذا من أنها سلبية قابلة كحكمه عليها، لأن العقل المحصل الواعي القوي الذاكرة لابد أن يكون منتجاً فعالاً لو أتيح له، وفي نهضتنا العلمية الحاضرة مظاهر للإنتاج العقلي الإيجابي تتفق وخطواتنا في سبيل التقدم العلمي ووسائلنا المادية المساعدة، ومن شبابنا المثقف من اهتدى في عالم الأدب والنفس إلى نظرية غير معروفة، ومن كشف الحجاب عن مجهول، ومن استطاع أن يقود حركة خاصة ويتزعم مدرسة خاصة. فإذا تذكرنا أننا في الواقع في بدء النهضة التي ينتظر أن يتسع مجالها غدا استطعنا أن نصدق في كثير من الرضا أن العقول المصرية إيجابية فعالة. والمعقول أن النهضات تبدأ بالتحصيل والقبول أزمنة تختلف باختلاف الأمم استعداداً للنهوض واستجابة لدوافعه، ثم يكون بعد ذلك الإنتاج الإيجابي. فإذا كنا نحن في بدء النهضة، ونحن في الواقع كذلك، فليس لنا أن نحكم على العقلية المصرية بأنها تكيفت بكيفية ما تيئسنا من أن يكون فينا منتجون إيجابيون بالقدر الذي نبغيه وبأنه لا وجود للملكات بيننا تقريبا.

إن الإنتاج الإيجابي في أي أمة يتجلى في مظهرين لا ثالث لهما. الأول: المظهر الأدبي بأوسع ما يمكن أن تحتمله هذه العبارة، وهذا، ولا أغالي، قد قطعت فيه مصر شوطاً لا بأس به يتناسب جد التناسب مع عمر نهضتها الحالية. والثانية: المظهر المادي وحظ مصر فيه حقاً قليل جداً، لأن المظهر المادي دائماً يعتمد على المال وحسن استثماره، ولكن إذا قسنا كذلك ما وصلت إليه مصر في هذا المجال إلى عمر نهضتها وظروفها الخاصة، كان من المعقول أن يكون حظها منه مناسباً

وهذا لا يدلنا على أي حال أن العقلية المصرية تكيفت بالنحو الذي يجعلها سلبية قابلة فقط

ومظاهر سوء التصرف وضيق الحيلة وضعف الاعتماد على النفس وعدم الاهتداء إلى السبيل السوي عندما يضطرب حبل الأمور وتشتد المواقف، مرده في الواقع فيما نراه في الكثيرين منا حتى المثقفين إلى تغير مجرى الحياة السياسية بمصر منذ عهد غير بعيد. ولو أن مصر كانت حسنة الحظ سياسياً وسارت نهضتها التي بدت بعهد عاهلها الأكبر محمد علي باشا في طريقها لرأينا النفس المصرية غيرها الآن.

والمشكلة الحقيقية عندنا هي مشكلة الأخلاق التي هي أقوى مظاهر الثقافة، فإذا استطعنا أن نربي في نفوس الأجيال المقبلة الملكات التي توجه الأفراد والمجتمعات صغيرة أو كبيرة الوجهة الصالحة في غير عناء اتسع المجال أمام العقلية المصرية السلبية القابلة ويسرت لها وسائل الإنتاج الإيجابي فكانت فعالة مبتكرة.

ولست أرى رابطة بين العلم والأخلاق إلا بقدر البيان الإرشادي فقط باعتبار أن الأخلاق قد تكون من مباحث العقل، فلا يمكن أن يكون العلم والتوسع فيه مقوماً للأخلاق، فالعلم شيء آخر. فليتجه من بيدهم الأمر بمصر إلى تقويم الأخلاق، وليجعلوا كل شيء من مظاهر الإصلاح في المحل الثاني بعدها، فهناك تستقيم أمورنا ويستطيع الفرد أن يبتكر، وهناك ترى العقلية المصرية إيجابية فاعلة.

عبد اللطيف ثابت

(الشوامخ)

أصدر الدكتور الفاضل محمد صبري الجزء الثاني من الشوامخ، وهو دراسة تحليلية لخصائص الشعر الجاهلي بدراسة أعلامه: الأفوه الأودي، وزهير، وطرفة، ولبيد، والشنفري، والشعراء الهذليين وقد قال المؤلف الفاضل في مقدمته: (ولا ريب أن خير وسيلة لدراسة الشعر العباسي، والشعر الحديث بصفة عامة، هي دراسة الشعر الجاهلي والرجوع إلى (عمود الشعر) الذي تكلم عنه مشايخ النقد، كما أن خير وسيلة لدراسة الشعر الجاهلي هي الانتباه إلى الصلة الدقيقة التي تربط النثر الجاهلي بالشعر الجاهلي، وبعبارة أدق درس المحيط والبيئة التي نشأ فيها الشعر وتمكن، والى الصلة التي تربط ذلك الشعر بآداب العرب وفنونها من نحت وتصوير.

(وفي اعتقادنا أن دراسة الشعر الجاهلي في ذلك الضوء الجديد من شأنها أن تظهر لنا الكثير من روائعه، وأن تفتح لنا منه كل باب مغلق). وهو كلام حق لا ريب فيه

والكتاب مطبوع في مطبعة (دار الكتب المصرية) طبعاً متقنا. ويطلب من المكاتب الشهيرة وثمنه ثلاثون قرشاً.