مجلة الرسالة/العدد 601/اذكروا يا زعماء العرب!
مجلة الرسالة/العدد 601/اذكروا يا زعماء العرب!
اذكروا وأنتم اليوم بسبيل التشاور في تجديد وحدة العرب أن الركن الأول من أركان دينكم هو التوحيد، وان العمل الأول من أعمال نبيكم كان المؤاخاة
اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً؛ واذكروا إحسان النبي إليكم إذ كنتم أشتاتاً فجمع شتيت شملكم فأقمتم على وحدته ملكاً وسلطاناً.
اذكروا لماذا نذكر صاحب الهجرة في كل أذان وفي صلاة من كل يوم. هل نذكر اسمه مع اسم الله تعبدا به؟ معاذ الله فما يكون الشرك غير هذا؛ إنما نذكر الله ونذكر بعد محمداً كما تذكر القاعدة ومعها المثل، أو النظرية وبعدها العمل. لان الله يوحي والرسول يبلغ، ويأمر وهو ينفذ، ويشرع وهو يطبق. فنذكر الله استحضار لأوامره ونواهيه وتلك هي القدرة؛ وذكر الرسول استحضار لأفعاله وأقواله وتلك هي القدرة
اذكروا أن الوحدة هي التي أمكنت العرب في الأمس البعيد من تراث كسرى قيصر، وهي وحدها إلى تستطيع في الغد القريب تنقذهم من وراث (موسو) و (هتلر)
قولوا للمعوقين منكم والمخلفين عنكم: إن العصبية التي توسوس في بعض الصدور بالرياسة والسيادة والعزة إنما كانت في تاريخنا الحافل بالأحداث والعبر علة العلل في انشقاق العصا، وانقسام الرأي، وانحلال العقدة، وانتشار الأمر، وتعديل الدول. هي النعرة التي قالت يوم السقيفة: منا أمير ومنكم أمير. وهي الهامة التي خرجت من قبر عثمان وظلت تصحيح على دار الخلافة: نحن هاشميون وأمويون! نحن قيسيون ويمنيون! نحن علويون وعباسيون! نحن عرب وشعوبيون! نحن اثنتان وسبعون فرقة تتقاطع في الدين، وتتعادى في الدنيا، وتزعم كل فرقة منها أنها الناجية! نحن ثلاثة خلفاء في وقت واحد: عباسي على عرش بغداد، وأموي على عرش قرطبة، وفاطمي على عرش القاهرة، ولكل خليفة منهم شأن يغنيه، وعدوان مع الباغين على أخيه!
اذكروا كل أولئك يا زعماء العرب واستاروا بسيرة نبيكم في السياسة، واستنوا بسنته في الحكم، فإن محمد بن عبد الله الذي اثر أن يكون نبياً عبداً على أن يكون نبياً ملكاً قد ساس الناس في عهده سياسة دينية بين علي وبلال، ولا بين قريش وباهلة. لم يسسهم عليه السلام سياسة وطنية، لأن الوطن محدود والدين لا حد له. ولم يسسهم سياسة قومية، لأن القوم جماعة متميزة لا تعرف العموم، والدين إنسانية شاملة لا تعرف الخصوص. ومن كان مدينا بزعامته لربه لا لحزبه كان خليقا أن يساوي بين الناس جميعا في عدله وفضله. أما وقد استشرت العصبية ففرقت شعبنا فرقا لكل فرقة طرز ورسوم، ومزقت وطننا مزقا تفصل بينها مكوس وتخوم، فإنا أحرياء بأن نصلح الأمر بما صلح عليه أو له: نخفت في نفوسنا صوت الاثرة، ونسكن في رءوسنا عصف الهوى، ونجدد في أذهاننا ما طمس من معاني الإيثار والإخاء والفداء والمروءة، ونحدد في إفهامنا ما أنبهم من هذه المبادئ الإسلامية الصريحة: (إنما المؤمنون اخوة)، (وأمرهم شورى بينهم)، (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، الناس سواسية كأسنان المشط.
وتلك هي المثل العليا للسلام والنظام والحكم تطلبها الشعوب المكروبة المسخرة بالثورة بعد الثورة، وبالحرب عقب الحرب فيحول بينها وبينها تصادم القوى وتعارض المنافع.
لا نطمع في أن نجعل من الوطن العربي الذي قطعه الغاصبون الآكاون دويلات أو لقيمات يسهل ازدرادها، وحدة كاملة. ذلك فوق الطاقة الآن، لأنه عمل لم يقو عليه من قبل غير محمد، ولن يقوى عليه من بعد غير رجل من رجال محمد. هو الرجل الذي ينتظره العرب انتظارهم رجعة الربيع، ثم لا ينفكون النظر إليه في الأفق النائم يرجعون أن تنشق الحجب عن ظهوره. وبحسبنا اليوم أن نمهد أمامه الطريق ونهيئ له النفوس بهذه (الجامعة العربية) التي تتوافدون إلى عقد ميثاقها في القاهرة. فإذا أقمنوها يا زعماء العرب على الإيمان الصادق والنية الخالصة كانت إرهاسا لظهور ذلك الزعيم العظيم الذي يجمع الله لكم فيه الراعي الذي يطرد الذئب، والنظام الذي يجمع الحب، والدليل الذي يحمل المصباح، والقائد الذي يرفع العلم، والأستاذ الذي يعلمكم أن تصنعوا الإبرة والمدفع، وتشقوا المنجم والحقل، وتوفقوا بين الدين والدنيا، وتلائموا بين المنفعة الخاصة والمنفعة العامة، ويومئذ تعودون إلى منزلتكم من صدر الحياة ومكانتكم من قيادة الناس.
احمد حسن الزيات