مجلة الرسالة/العدد 605/إشهار الرؤوس المقطوعة

مجلة الرسالة/العدد 605/إشهار الرؤوس المقطوعة

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 02 - 1945



في أيام العباسيين

(بقية المنشور في العدد الماضي)

للأستاذ ميخائيل عواد

ثالثاً - رؤوس متفرقة

1 - الرؤوس في مصر

قال المقريزي في كلامه على دار الوزارة الكبرى: (. . . . . وأخبرني شيخ معمر يعرف الشيخ على السعودي، ولد في سنة سبع وسبعمائة، قال: رأيت مرة وقد سقط من ظهر الرباط المجاور لخانقاه بييرس من جملة ما بقي من سور دار الوزارة جانب ظهرت منه علبة فيها رأس إنسان كبير، وعندي أن هذا الرأس من جملة رؤوس الأمراء البرقية الذين قتلهم ضرغام في أيام وزارته للعاضد بعد شاور؛ فأنه كان عمل الحيلة عليهم بدار الوزارة، وصار يستدعي واحداً بعد واحد إلى خزانة الدار ويوهم أنه يخلع عليهم، فإذا صار واحد منهم في الخزانة قتل وقطع رأسه وذلك في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. وكانت دار الوزارة في الدولة الفاطمية تشتمل على عدة قاعات ومساكن. .)

ومما حفلت به سنة 410هـ من الأحداث أن (جرد صاحب مصر جيشاً لقتال صالح بن مرداس صاحب حلب، وبعث الجيش مع نوشتكين التزبري، فكانت الواقعة عند شاطئ نهر الأردن، فاستظهر التزبري وقتل صالحاً وابنه، وأنفذ رأسيهما إلى مصر. . . .)

2 - الرؤوس في قندهار:

قندهار من بلاد السند. قد وقفنا في بعض أخبار سنة 304هـ على أنه (ورد الكتاب من خراسان يذكر فيه انه وجد بالقندهار في أبراج سورها برج متصل بها، فيه خمسة آلاف رأس في سلال من حشيش، ومن الرؤوس تسعة وعشرون رأسا، في أذن كل رأس منها رقعة مشدودة بخيط ابر يسم باسم كل رجل منهم. والأسماء: شريح بن حيان، خباب بن الزبير، الخليل بن موسى التميمي، الحارث بن عبد الله، طلق بن معاذ السلمي، حاتم بن حسنة، هانيء بن عروة، عمر بن علان، جرير بن عباد المدني، جابر بن خبيب ابن الزبير، فرقد بن الزبير السعدي، عبد الله بن سليمان بن عمارة، سليمان بن عمارة، مالك بن طرخان صاحب لواء عقيل، ابن لهيل بن عمرو، عمرو بن حيان، سعيد بن عتاب الكندي، حبيب بن أنس، هرون بن عروة، غيلان بن العلاء، جبريل بن عبادة، عبد الله البجلي، مطرف بن صبح، ختن عثمان بن عفان (رض) - وجدوا على حالهم إلا أنهم قد جفت جلودهم والشعر عليها بحالته لم يتغير، وفي الرقاع من سنة 70 من الهجرة).

رابعا: الطواف بالرؤوس في الآفاق:

هذا لون آخر من ألوان عرض الرؤوس، فقد كانت تنصب ببغداد أياما فوق الأماكن البارزة ثم تحط، فمنها ما يستقر في خزانة الرؤوس، ومنها ما يرسل به إلى البلدان فيعرض في كل بلد وكورة، فيكون عبرة لمن يعتبر، وعظة لمن تسول له نفسه الخروج عن طاعة أمير المؤمنين. وكانت من هذه الرؤوس:

1 - رأس محمد بن عبد الله:

روي الطبري في حوادث سنة 145 هـ: (حدثني عيسى (بن عبد الله) قال: حدثنا ابن أبى الكرام. قال: بعثني عيسى برأس محمد وبعث معي مائة من الجند. قال: فجئنا حتى إذا أشرفنا على النجف كبرنا. قال: وعامر بن إسماعيل يومئذ بواسط محاصر هرون بن سعد العجلي. فقال أبو جعفر للربيع: ويحك ما هذا التكبير؟ قال: هذا ابن أبى الكرم جاء يرأس محمد بن عبد الله قال: أؤذن له ولعشرة ممن معه. قال: فأذن لي، فوضعت الرأس بين يديه في ترس. . . .، حدثني علي بن صالح ابن ميثم. قال: لما قدم برأس محمد علي أبى جعفر وهو بالكوفة أمر به فطيف به في طبق أبيض، فرأيته آدم أرقط، فلما أمسى من يومه بعث به إلى الآفاق).

2 - رأس بابك الخزمي

كان ظهور بابك الخزمي في أيام المعتصم، وقد أشتهر أمره وذاع صيته وكثر أتباعه، فهابته أمراء النواحي والأطراف، وبالغ في الظلم والعيث والفساد، وكان المعتصم يوم ذاك مشتغلاً في بناء سامراء، العاصمة الجديدة لبني العباس، فصبر له، حتى إذا فرغ من هذا الأمر، سير إليه الجيوش وعليها الأفشين، فاتصلت الحرب بين الطرفين مدة، حتى ضاق الأمر على بابك ثم دارت الدائرة عليه فوقع أسيراً هو وأخوه وجماعة من أصحابه، فجئ به مقيداً مشهراً. قال المسعودي يصف مشهد قتل بابك، (ووجدت في كتاب أخبار بغداد أنه لما وقف بابك بين يدي المعتصم لم يكلمه ملياً، ثم قال له: أنت بابك؟ قال: نعم أنا عبدك وغلامك؛ وكان أسم بابك الحسن، واسم أخيه عبد الله. قال: جردوه؛ فسلبه الخدام ما كان عليه من الزينة، فقطعت يمينه فضرب يمينه فضرب بها وجهه، وفعل مثل ذلك بيساره، وثلث برجليه، وهو يتمرغ في النطع في دمه؛ وقد كان تكلم بكلام كثير يرغب في أموال عظيمة قبله، فلم يلتفت إلى قوله وأقبل يضرب بما بقي من زنديه وجهه. وأمر المعتصم السياف أن يدخل السيف بين ضلعين من أضلاعه اسفل من القلب ليكون أطول لعذابه ففعل، ثم أمر بجز رأسه وضم أطرافه إلى جسده، فصلب ثم حمل رأسه إلى مدينة السلام فنصب على الجسر، وحمل بعد ذلك إلى خراسان فطيف به كل مدينة من مدنها وكورها؛ لما كان في نفوس الناس من استفحال أمره وعظيم شأنه وكثرة جنوده وإشرافه على إزالة ملك وقلب ملة وتبديلها. وحمل أخوه عبد الله ما فعل بأخيه بابك بسامراء. وصلب جثة بابك على خشبة طويلة في أقاصي سامراء، وموضعه مشهور إلى هذه الغاية يعرف بكنيسة بابك. . .)

3 - راس الحلاج:

للحسين بن منصور الحلاج أخبار غريبة أسهب الكتبة فيها، حتى إنهم صنفوا كتباً شرحوا فيها دعوته وأعماله وأقواله ويهمنا في هذا المقام خبر رأسه. فقد روى ابن الجوزي في ترجمته للحلاج، قائلاً: (. . . . فلما أصبح يوم الثلاثاء لست بيقين من ذي القعدة (سنة 309 للهجرة) أخرج ليقتل. . .، وضرب ألف صوت، ثم قطعت يده ثم رجله وجز رأسه أحرقت جثته، وألقى رماده في دجلة. . .).

ثم أشار أبو الفرج إلى مصير الحلاج في حوادث سنة 310هـ، فقال: (وفي يوم الاثنين سلخ ذي القعدة، أخرج رأس الحسين بن منصور الحلاج من دار السلطان ليحمل إلى خراسان).

وعلى هذا فإن رأس الحلاج مكث سنة كاملة ضيفاً على خزانة الرؤوس.

ميخائيل عواد