مجلة الرسالة/العدد 608/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 608/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 02 - 1945



في عالم الكتب

محمد عبده

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

(محمد عبده) يدخل في سلسلة (أعلام الإسلام) نصاً وروحاً. ولقد أحسنت اللجنة التعجيل بإخراجه في أول السلسة، كما أحسن الدكتور عثمان أمين في اختيار الشخصية التي يقدمها من أعلام الإسلام.

ومن أولى المسلمين بأن يترجم له في الأعلام مثل الأستاذ الإمام؟ لقد عبنا على اللجنة إقرارها ترجمة (بشار) و (أبي نواس) ولكننا اليوم نذكرها بالثناء لهذا الانتقاء.

والدكتور عثمان أمين عالم بالشيخ محمد عبده من طول ما قرأ له وقرأ عنه. حتى لقد شغل به نفسه في رسالته التي ظفر بها بإجازة (الدكتوراه). ولا يزال الشيخ شغلا لصديقنا المؤلف في الصحف تارة وفي الندوات الأدبية تارات. حتى ليصح القول إن عثمان أمين ظل لروح الإمام لو كان للأرواح ظلال.

لعل هذا الكتاب موجز لرسالة المؤلف التي قدمها إلى الجامعة؛ ولعله أوجز فيه - مراعاة لاعتبار الطبع والنشر - كل ما يمكن أن يعرف عن محمد عبده

وإيجاز الرسائل الجامعية عمل لا بأس به لمن يريدون أن يجعلوا العلم سهلا تناوله قريباً مأخذه.

ولعل ذلك كان هدف المؤلف حين قصد إلى إخراج كتابه في هذه السلسلة المألوفة المنتشرة.

وليس كتاب (محمد عبده) عملا أدبياً يضع صاحبه في مرتبة الأدباء. وأظن المؤلف لم يقصد إلى هذا من وراء كتابه ولا عناه. ولكنه عمل عالم مشتغل بالفلسفة أراد أن يرسم للقراء صفحة واضحة من حياة رجل اشتغل بالحياة الفكرية الفلسفية الإسلامية فكان علماً من أعلامها.

ومن هنا أخطأ الذين لاموا عثمان أمين على طريقته في كتابه؛ ووجه الخطأ في قولهم إن (عثمان أمين) استعرض تاريخ رجل كما كان لا كما يريده المؤلف أن يكون. فهو يعرض الحوادث ويسوقها في تسلسل وحسن ربط وصحة عبارة وسلامة أسلوب. وهذا قصارى المؤلف في تاريخ الرجال. وما دام المؤلف قد بلغ بذلك العرض قصده من التعريف بحياة المترجم له فلا يعنينا بعد ذلك أن نبحث عن (مفاتيح الشخصية) التي يتحدث عنها بعض النقاد في هذه الأيام؟

وما حاجة المؤلف الواضح أن يصطنع (المفاتيح) ويتكلف البحث عنها ويدعي لنفسه فضل العثور عليها ما دامت الشخصية التي يتحدث عنها سهلة التناول واضحة للقارئ لا يجد فيها عناء ولا نصباً؟؟

الحق أن فكرة (مفاتيح الشخصية) هذه فكرة يلجأ إليها بعضهم حين يريد التجني على الكتاب لخدمة بعض الكتاب. وإلا فقد قرأنا (محمد عبده) لعثمان أمين ففهمنا حياة الشيخ من غير حاجة إلى (مفتاح). وكان المؤلف أفطن من أن يعنينا (بالمفاتيح) التي يقولون عنها في هذه الأيام!!

ولقد قرأت في الفرنسية كتاب لمؤلفه وهو من الكتب التي قرظها فلم أجد فيه (مفاتيح) بل وجدت الكتاب كله مفتوحا أمامي. . وقرأت في العربية كتاب (روزفلت) لفؤاد صروف وكتبت عنه في الرسالة الغراء فلم أجد الباب فيه إلى حياة روزفلت موصداً! وكذلك كان شأني حينما قرأت (محمد عبده)

إلا أن عثمان أمين لم يشر إلى المراجع التي وردت فيها أقوال من استشهد بهم، فقد ذكر أقوالا لأحمد بك أمين ولفضيلة الأستاذ الشيخ محمد مصطفى المراغي ولم يشر إلى مأخذها - (ص22) وذكر كلام لجورجي زيدان ولم نشر إلى مصدره صفحة 24، وروى للشيخ عبد الوهاب النجار كلاما ولم يذكر مصدره - صفحة 105

وذكر المراجع والمصادر والمأخذ في خلال الاستشهاد يسهل على مريد البحث المطول أن يرجع إليه في مصدره، وخاصة أن الدكتور عثمان لم يثبت في ذيل الكتاب مسرداً بأسماء مراجعه

وقد جره ذلك الإغفال إلى إغفال أعداد الصحف والمجلات التي نشرت فيها مقالات للشيخ خصها المؤلف بالذكر لأهميتها، فذكر العناوين فقط ولم يذكر أعداد الصحف التي شوقنا إلى الاطلاع عليها وعنانا بالبحث عنها.

وفي الكتاب أعلام ذكرت الحروف الأولى منها ولم تذكر كاملة مثل (ع. ا. باشا) ناظر المعارف - ص 42؛ و (ل. بيك. س) الأستاذ بالمدرسة الحربية - ص 62.

ووجه الحكمة في إخفاء هذه الأعلام واضح في عصر محمد عبده حتى لا يتعرض الكاتب لأذى حاكم أو سخط رئيس. ولكني لم أفهم وجه الحكمة في أن يخفي علينا الدكتور عثمان أمين حقيقة هذه الأعلام بعد أن أصبحت في ذمة التاريخ. .

ولقد كان للشيخ محمد عبده رأى في الإصلاح الوئيد الثابت عن طريق التربية والتعليم لا عن طريق الطفرة والتطرف السياسي فكان كلام الدكتور في هذا منقطع الوشائج: ذَكَرهُ مواجزاً في صفحة 62، ثم عاد إليه مقتضباً في صفحة 120 حين تكلم عن جهود الإمام في الجمعية الخيرية الإسلامية. ولو عقد فصلا مستقلا في طريقة الإصلاح عند الإمام لوجد الكلام واسعاً موصولا. كما صنع أحمد أمين بك في الفصول الطيبة التي كتبها عن جمال الدين الأفغاني (راجع الثقافة - الأعداد من 264 إلى 269).

عيب الكتب التي تخرج دورية من شهر إلى شهر، أن كتابها يكتبون وهم مقيدون بقدر من الصفحات لا يتعدون حدوده! ولا يرضى مصدرو هذه السلاسل أن يتسع الكتاب أن يضيق تبعاً لموضوعه. ومن هنا يقع الكاتب في غل قد تأباه سليقته ولكن تحتمه عليه المناسبة (والظروف).

ومن هنا نجد كتب هذه السلاسل تنبسط هواديها وتنكمش أعجازها. . . تنبسط حين يبتدئ الكاتب في غير قيد، وتنكمش حين يحتم عليه تحديد الصفحات أن يقف في غير موقف! وأن يختم في غير مختتم! فترى آخر الكتاب ضيق الأنفاس على الضدَّ من أوله.

وكذلك كان الحال في (كتاب محمد عبده) فان محمد عبده المفتي لم يعرض كما عرض محمد عبده الطالب بالجامع الأحمدي في بضع الصفحات الأولى من الكتاب. ومحمد عبده المدافع عن الإسلام ص 126 لم يطل الكلام فيه كما طال مع الشيخ عليش صفحات 27 و28 و29 و30

إلا أن عثمان أمين يمتاز بالنصوع حتى على إيجازه، والحق أنني أحببته محدثا في ندوتنا الأدبية: ندوة الأحرار. وأحببته باحثاً في الفلسفة وكاتباً عن (محمد عبده). وأحببته فوق ذلك مثالا رفيعاً لتواضع العلماء.

محمد عبد الغني حسن