مجلة الرسالة/العدد 609/امرأة وشيطان

مجلة الرسالة/العدد 609/امرأة وشيطان

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 03 - 1945



للأستاذ على محمود طه

(من إحدى قصائد ديوان الشوق العائد الذي يصدر قريباً)

ودنا الليل ورنَّت صدحةٌ ... نَّبههُ حين لا يبغي انتباها

وإذا مقصورةٌ من حوله ... خالها تَنبِضُ بالروح دماها

وقفتْ غانيةٌ في بابها ... قد تعرَّتْ غيَر فضلٍ من حُلاها

ثم نادت: يا (أحبايَ انهضوا ... واغنموا الليلة حتى منتهاها)

وتلاشى الصوتُ لا رجعَ صدىً ... لا ولا ثمَّ مُجيبٌ لنداها

فعرتها رِعدةٌ، فالتفتتْ، ... فرأْتهُ، فتلقّاها وجِاها

أبصرتْ وجهاً كوجه المِسْخِ لم ... يَتَقَنَّعْ، شاهَ هذا الوجهُ شاها

ورأتْ كفَّيهِ ينَدَى منهما ... أَرَجُ الزهرْ فأجَّتْ نظرتاها

عرفتْ ما اجترحتهُ يَدُهُ ... أو لا يعرفُ من داسَ حماها؟

يا لهذا المسخ! دوَّتْ ومَشتْ ... صيحةٌ يُنذر بالويل صَداها

فانثنى الشيطانُ عنها صارخاً ... أتُراها تتحدى؟ مَن تُراها؟

فَبَدتْ في شفتيها آيةٌ ... من مُبينِ السْحر، أو ما فمحاها

فدَنَتْ ترمقهُ فاختلجتْ ... عينهُ، حين أشارت بعصاها

بُدلَّتْ تلك العصا جمجمةً ... رِيعَ لمّا شرَعَتْها فاَّتقاها

هيَ من مَلْكة جِنٍ من تُصب ... يخترمْهُ بالمنايا محجراها

فتنحّى غاضباً مبتئساً ... وتنحَّتْ والاسَى يُلجِم فُاها

وسَجَى بينهما الصمتُ الذي ... يَتغثّى الأرض إن خان ردها

والتقتْ عيناهما فاستروحا ... راحةً من قبلها ما عرفاها

عرفت من هو فاستختْ له ... ورأى من هيَ فاستحيا قُواها

قال: أختاهُ اغفري لي نظرةً ... اشتهتْ كلَّ جمالِ واشتهاها

واغفري لي شِرةً عارمةً ... في دمي، لو أتأبى ما أباها

يا لهذا الدَّمِ! ما عنصرُهُ؟ ... كل ما في النار من وقد لظاها! فأجابتُ: زهراتي ردُهَّا ... إنْ تَقُلْ حقاً ولا تَبْغِ أذاها

قال: لا أذكرُ إلا حُلُماً ... لحظة ضلَّ بها عقلي وتاها

أأنا من تَتَخَطى قَدَميِ ... مَسبحَ الشمس فيريدُّ ضحاها

أأنا من يطفئُ النجمَ فمي ... وأردُّ الأرضَ غرقى في دُجاها

وتمسُّ القممَ الشمَّ يدي ... فُيرىَ منحدراً لي مُرتقاها

وأجئُ الأرضَ من محورها ... فإذا بي يتدانى قُطُباها

أأراني عاجزاً عن دَرْكِ ما ... تتمنَّى امرأةٌ؟! عزّتْ مناها!

آهِ ما أضعفَ سلطاني وما ... كنتُ إلاّ بغروري أتباهى!!

قالتِ: الآن سلاماً زائري ... وِرضَى نفسيَ إن رُمْتَ رضاها

أيها الشيطانُ ما أعظمَ ما ... قُلْتَهُ، ما قُلْتَ لغواً أو سفاها

زَهَراتي تلك، ما كانت سوى ... شهواتِ جِسْميَ الطاغي نماها

قهرتني واستذلتني بها ... غَيْرَةٌ ينهشُ قلبي عقرباها

وأنانيةُ أنثى لم تُطِقْ ... فاتناً تمسكُه أنثى سواها

قد صنعتَ الحقَّ قد عاقبتنيِ ... فارحم المرأة في ذُلّ هواها

فدنا منها فألفتْ وجههُ ... غير ما كانَ، لقد ألفَتْ أخاها!

قَرّبتْ بينهما روحُ الأسى ... فاجتبتْهُ بعد حَقدٍ واجتباها

واستهلُت دمعهٌ منْ عينها ... دمعةٌ رقَّتْ وشفّت قطرتاها

ضُمّنَت كلَّ عذابٍ وضنىً ... كل ما في النفس من بث أساها

ورآها فتندّتْ عينهُ ... رحمةً، فاحتال يُخفي من بُكاها

وبكى الشيطانُ! يا لامرأةٍ ... أبكتِ الشيطان لَمَّا أنْ رآها!!

على محمود طه