مجلة الرسالة/العدد 612/جيفة

مجلة الرسالة/العدد 612/جيفة

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 03 - 1945



لشارل بودلير

بقلم الأستاذ عثمان علي عسل

أتذكرين يا حبيبتي ما رأيناه صباح هذا اليوم المشرق من أيام الصيف الجميلة؟ أتذكرين هذه الجثة البشعة وهي راقدة على فراش قد تناثر عليه الحصى. وقد رفعت ساقيها في الهواء كفاجرة تلهبها الشهوات، ينضح منها العرق سما، وكشفت عن بطنها المفعم بروائح منتنة بفتور واستهتار. كانت الشمس تسلط أشعتها على هذه الجيفة كأنما تريد أن تصليها وتسويها فترد إلى الطبيعة ما وسقته، مبعثراً في ذرات لا تحصى. وكانت السماء تنظر إلى هذه الجثة الرائعة كأنها زهرة تتفتح، وكانت رائحة العفن الشديدة حتى كدت تسقطين على الأعشاب مغشياً عليك. وكان الذباب يطن حول هذه الأحشاء المجفرة التي تنبعث منها حشرات صافات سود تنحدر كأنها سائل ثقيل على هذه الأسمال الحية، وهي تعلو وتهبط كالأمواج، وتندفع في صخب، فيخيل إلى المرء أن الجسد وهو ينتفخ بأنفاس خفية يستمر في الحياة بتكاثر أجزائه. كان هذا الحشد يردد أنغاماً غريبة، كأنه ماء جار، أو ريح عاصفة، أو وسوسة حبوب تُذرَىَّ بمنسفة في الهواء بحركات متسقة. غابت معالم هذا الجسد عن الأنظار، فلم تعد تبدو للعين إلا كحلم أو رسم أولي لصورة سيرسمها الفنان من ذاكرته بعد حين على لوحته المهجورة. وكان ثمة كلب قلق قابعاً وراء الصخور، ينظر إلينا شزراً، مترقباً لحظة ذهابنا ليعود فيلتهم العظمة التي تركتها من هذا الحطام. على أنك وا حسرتاه! ستصيرين يوماً كهذه القمامة المدنسة، كهذا النتن المخيف، أنت يا نور عيني، يا شمس حياتي، أنت يا ملاكي، يا هيامي. بلي! إلى مثل هذا المصير سينتهي بك المطاف، يا ملكة الجمال، بعد أن تتلى على روحك الصلوات الأخيرة، فترقدين تحت الأعشاب والأزهار، ويبلى جمالك بين الرمَّم. وحينئذ خبري يا حبيبتي الفاتنة، خبري الدود الذي سيلتهمك بقبلاته، إنني سأحتفظ بصورة غرامي الزائل وروحه المقدسة.

البريد الأدبي

الأستاذ ساطع الحصري بك ورد القاهرة في الأسبوع الماضي على الرحب والسعة المربي الكبير الأستاذ ساطع الحصري بك. زعيم النهضة العلمية في العراق، والمستشار الفني لوزارة المعارف في سورية، واحد أقطاب الفكر في الشرق، ومؤلف الكتاب القيم (دراسات عن مقدمة ابن خلدون)؛ ورد القاهرة يستجم قليلا بعد أن قضى سنة في العمل المتصل، متنقلاً من مدن الشام إلى قراه، يزور المدارس، ويدرس المناهج، ويبحث النظم، حتى استطاع أن يضع للتعليم في سورية دستوراً على أحدث الطرق التربوية الحديثة يلائم نهضتها ووطنيتها وعقيدتها ووحدتها، ثم أخذ يدعو إليه ويدافع عنه حتى نفذ. وقد نزل الأستاذ في فندق شبرد، فأقبل عليه المشوقون إليه والمعجبون به يرحبون بمقدمة وينعمون بلقائه.

معرض سيدات القاهرة

المعرض الذي أقيم في نادي سيدات القاهرة خلال هذا الشهر، لا يقل في مستواه عن أي معرض شاهدناه. والرسوم المعروضة كلها من رسم سيدات وآنسات، والبعض منهن لسن مصريات، ولكنهن عشن في مصر واستوحين تربتها السمراء وسماءها الصافية ومشاهدها المختلفة.

واحسن صور هذا المعرض من عمل الآنسات مرجريت يزبك وجان كوهين ومنيرفا فرح وكلو بادارو، ولكل طابعها وشخصيتها المميزة.

فرسوم الآنسة يزبك مفعمة بالعاطفة الشابة، وفي صورها شيء من الشاعرية، وهي ترسم وكأنها تصلي أو تغني وتبذل كل حرارة قلبها في الصلاة أو الغناء

وللآنسة جان كوهين صورة شخصية لرجل (دكتور هيكمان)، والآنسة جان رسامة بارعة ناضجة، قد وفقت فيما رسمت توفيقاً كبيراً، فأعطتنا خلاصة شخصية الرجل الذي رسمته، ويبدو أنه رجل ممتاز، فالصورة تنطق بالعمق والعزم ويقظة الحيوية النفسية.

أما لوحات الآنسة منيرفا فرح - وهذه أول مرة أسعد فيها برؤية صورها - فهي خير برهان على أن الآنسة الفنانة تجد جديداً يهز مشاعرها في الأشياء التي تصادفنا كل يوم ولا نحفل بها. وهي حين تعرض علينا صورها تشركنا في عواطفها المتجددة، وتفتح عيوننا على ألوان من الجمال كثيراً ما نغفل عنها. وتلك هي رسالة الفن.

والآنسة عطيات فرج توفق أحياناً فتبلغ مستوى زميلتها وصديقتها (جان) وتقصر أحياناً، وهي غالباً ما تحمل لوحاتها أكثر مما تطيق هذه اللوحات احتماله من الأشكال والألوان، فتضيع (الوحدة الفنية) ويتوزع اهتمام الناظر المتأمل، ويبدو اها تبذل في عملها مجهوداً كبيراً، ولكن كل هذا الإجهاد لا يصل بها دائماً إلى غايتها، ولألوانها طابع قاتم، وليس لنا اعتراض عليه ما دام وحي شخصيتها واحساساتها، ولا شك أنها في طريقها إلى النجاح الكامل.

وقد وقفت الآنسة أنايت شمليان في منظر من مناظر الطبيعة الصامتة، ولكنها لم تبلغ المستوى نفسه في لوحيتها (العارية) و (زهور).

وهناك فنانات ما زلن في منتصف الطريق: ففي صور (ماريان بيرسن)، نجد أن الإحساس أقوى من الأداء، ومع ذلك فهو إحساس لم يتركز بعد، كما أن الألوان غير ناضجة، وفي صور (عم رضوان) للآنسة قدرية علوية نجد المظهر الخارجي للشيخ المسن، ولكنها لم تنجح في نقل صورته النفسية.

ونعتقد أن المستقبل والاجتهاد، كفيل بأن يصل ببعض هؤلاء الفنانات إلى مستوى أرقى، واللواتي بهذه الجملة الأخيرة، هن الآنسات: قدرية علوية، ومفيدة شعبان، وكوكب يوسف. والمعرض في مجموعة مجهود لا بأس به.

نصري عطا الله سوس

نقص إرشاد الأريب

إجابة عن تساؤل الأستاذ أحمد أحمد آل صالح المذكور في عدد (الرسالة 160) أقول: إننا لا نستطيع أن نتهم ياقوتا الحموي بإغفال بعض الفحول، غير أن الكتاب لم يصل إلينا كاملاً، كما ذكر ذلك الغرباني مرجليوث في مقدمة الطبعة الأولى. وأمر آخر هو أحد الوراقين كان لفق جزءاً وباعه للغرباني مرجليوث على أنه من (إرشاد الأريب)، فطبعه وألحته بطبعته، وراج ذلك على الدكتور الرفاعي فنشره في طبعته الأخيرة. ونفس ياقوت لا يخفى على الحاذق.

وفي دار الكتب المصرية، مختصر لإرشاد الأريب، لعله يتيسر لنا الإطلاع عليه قريباً، فنستبين منه بعض ما خفي علينا من أصله.

فلسفة الإسكندرية القديمة

حاضرنا الأستاذ يوسف كرم، المدرس بكلية الآداب، بجامعة فاروق الأول، بقاعة المحاضرات لجمعية فؤاد الشبان المسيحيين، عن فلسفة الإسكندرية القديمة، وهي الحلقة الأولى من سلسلة محاضرات تقيمها الجمعية عن مدنيتنا الخالدة، الإسكندرية، في شتى العصور.

على أن ظاهرة لفتت نظري في محاضرة الأستاذ كرم، عن أصل الفلسفة! هل الفلسفة أصيلة في اليونان؟ لقد أكد لنا الأستاذ كرم، كما فعل كل مؤرخ للفلسفة من كتابنا المعاصرين، - ما عدا الدكتور غلاب فيما ذكر - أصالة الفلسفة اليونانية، وقال الدكتور كرم، متابعاً في ذلك أرسطو وأشياعه، إن طاليس الملطي هو أبو الفلسفة بلا منازع! فما قول الأستاذ كرم في إننا ننازع طاليس هذه الأبوة، ونزعم أن الشرق هو أبو الفلسفة.

على أن الأستاذ كرم أمتعنا كل الإمتاع باستعراضه التلخيصي لتاريخ الفلسفة منذ أن وضع لبنتها طاليس - فيما يرى أستاذنا الفاضل - إلى آخر عهد الأفلاطونية الحديثة بالإسكندرية، وأن أبناء الثغر من رواد الحضارة الجديدة ليتطلعون إلى بعث جديد، يحسون اليوم إرهاصاً بوشك حدوثه، وإن غداً لناظره قريب.

(الإسكندرية)

علي حسن حموده

حول اسم كتاب

اطلعت على ما كتبه الأستاذ منصورجاب الله فيما يصل بتخطئه عنوان كتاب (الفاروق عمر)، ثم رد الأستاذ عبد المتعال الصعيدي والأديب احمد إبراهيم الغرباوي عليه، وكان من المصادفة أني كنت أقرأ ساعتها نص ابن الأنباري (على أن اللقب إذا كان أشهر من الاسم) فوجدت الأستاذ منصوراً محقاً في قوله لأن اسم سيدنا عمر اشهر من لقبه، والعامة عندنا لا يكادون يعرفون لقب ثاني الخلفاء الراشدين، على حين أنهم يحفظون اسمه حفظاً.

وأما ما ذكره الزرقاوي من ألقاب الخلفاء تقدم على أسمائهم فهذا نادر لا يقاس عليه، وبحسب القارئ أن يسأل نفسه: هل يقولون هارون الرشيد أو الرشيد هارون، وهل يقول عبد الله المأمون أو المأمون عبد الله. . . ليجد عند نفسه الجواب الصحيح. وقد أشار السيوطي إلى هذه المسألة اللغوية، وقال إنها (تخصيص لإطلاق وجوب تأخير اللقب)

وكان حرياً بسعادة الدكتور هيكل باشا ان يجري على المشهور من أقوال اللغةويدع التخصيص الذي أورده السيوطي وغيره.

ومن هان لا نرانا نميل إلى قول الأستاذ الصعيدي من أن الأستاذ منصور جاب الله كان متعتنا في تخطئة اسم كتاب مؤلفنا الكبير، وإنما كان رجلا يسعى وراء الحق، ولو كان متعتنا حقيقة لما أقدم على تخطئة رجل له من المكانة في وطنه وي بلدان العروبة ما له.

(الإسكندرية)

عبد العزيز جادو