مجلة الرسالة/العدد 627/أصداء بعيدة
مجلة الرسالة/العدد 627/أصداء بعيدة
(للأستاذ العوضي الوكيل)
للأستاذ ثروت أباظة
صدر في الأيام القريبة الماضية ديوان (أصداءٌ بعيدة) للشاعر العوضي الوكيل، وصاحب الديوان غني عن التعريف وليس غريباً عن قراء الرسالة، وديوانه هذا الأخير يغري بالقراءة فقد قرأته عدة مرات، كنت أفتح الديوان عفواً فما أزال أقرأ وأقرأ حتى أجدني قد انتهيت من الديوان، ولعل هذه القراءة الكثيرة جعلتني ألحظ على الديوان شيئاً كنت أتمنى ألا ألحظه. فالشاعر العوضي شاعر له قصائد كثيرة تعطيك الفكرة الصحيحة الصادقة عن فن الشاعر الصادق. وبجانب هذه القصائد نجد مقطوعات لا تقل كثرة عن تلك، كان بودي أن ننسب لغير الشاعر الذي عرفناه فأنت حين تقرأ قصائد الديوان كأنك تقرأ لشعراء كثيرين متباينين قوة وضعفاً. فقصيدة الربيع مثلا التي يستهلها الشاعر بقوله
عدت يا صاحب الربيع وعدنا ... فامض في الكون كيف شئت وأنا
وكذلك قصيدتا الريف الفائية والرائية من أحسن ما يمكن أن يكتب عن الربيع وعن الريف، ولكن تعال معي مثلا إلى قصيدة الهجرة. . . . . .
رحلة لليقين والإيمان ... ونجاة الهوى من الطغيان
فتح القفر روحه للصديقين ... فأمسى بادية كالبستان
أيما ذرة من الرمل غنت ... ولكادت تهم بالطيران
حدثت أختها وفيها دبيب ... وهي نشوى بمقدم النسوان
بون شاسع بين هذا الشعر وما قدمت من نماذجه الجياد، ومن طراز هذا الشعر الأخير قصيدته في صلاح الدين ومقطوعته التي بعنوان (ونشيده العسكري وغير ذلك مما لا أرضاه للشاعر. أنا لا أنكر أن كل شاعر يسف ويحلق ولكن ليس بهذه الكثرة في الإسفاف. ولعل هذا راجع إلى أن الأستاذ العوضي سريع في نظمه كل السرعة، وسرعته هذه لا تعطيه الفرصة الكافية لكي يعرض القصيدة على ذوقه الأدبي مجرداً من كل عاطفة، فهو ينظم القصيدة ثم ينظر إليها نظرة المعجب المزهو لا المنتقد المفند، والوضع الصحيح أن ينتقد هو ليعجب به غيره. لعله يستمع لهذا الكلام في هدوء وطمأنينة فيحاول أن يتدارك هذا المأخذ. . . إذا لأصبح العوضي في مكانه اللائق به.
ثروت أباظة
1 - زوبعة الدهور: تأليف مارون عبود
فصول عن (دار المكشوف) بقلم خفيف سريع الحكم يعتصر حكمه على المعري من عاطفته ويستدل بشعر المعري بتنزعه من قصائده ويمهد لخواطره عن الشاعر
يدور الكتاب حول حياة المعري أو المعضلة العلائية ويمضي الكاتب يصف عصر المعري بعصر الأسرار ويفيض عن مدرسة أبي العلاء وصلته بالحاكم ويستطيل به القلم حتى يصل به القول إلى أن العصر ظفر منه بشاعر العقل الفاطمي.
وعند الكاتب أن المعري لم يضرب عن الزواج لأنه لا يريد الجناية على أحد ولكنه أضرب لأنه يؤثر الصفة ويحدد النسل عند الإضرار ولا يسمح بتعدد الزوجات ويثور للعرض المهصور ثورته للدم المهدور.
وقد أسرف الأستاذ المؤلف وزاد وأطال كي يثبت أن المعري شيخ الفاطمية الأعظم. وإليك ما انتهى إليه (في مذهب أبي العلاء) (من طالع سيرة المعز والعزيز والحاكم الفاطميين رأى أبا العلاء لا يخرج في حدود تعاليمه عن تخوم آراء هؤلاء الثلاثة، ومن أسعده الحظ وقرأ رسالة النساء الكبيرة في كتب الدروز يرى أن النبع واحد كل يريد أن يقصي المرأة وينحيها خوفاً من الفتنة).
والمؤلف جرئ كثير التحامل والشطط من ذلك حكمه بأن أدب العميان جميعاً فيه رائحة عفنة لا تعجبه. وهو قد يكون على شئ، ولكن في أدب العميان مثل بشار سحر لا يشاب بعضه ولكنه يمزح بالسخر والصدق والصرامة؛ وفي نظرات المعري نفسه صدق ومضاء غاب عن المؤلف؛ والمرارة شئ والتعفن شئ آخر.
والكتاب جمعية من الخواطر الأدبية في ثوب باحث وأسلوب يشوق القارئ بحديثه لولا الإطالة والإطناب حول المعري والدعوة الفاطمية التي استولت على المؤلف وأضاعت عليه وقتاً كان في حاجة إليه في جوانب أخرى عن المعري. . .
7 - مرايا الناس: تأليف السيدة وداد سكاكيني رأيي في الأدب النسوي لا يسر المرأة ولا يروق ربات البنان المخضب، ولكني أعترف كما يعترف غيري أننا قرأنا من نتاج الأدبيات في مصر ما طربنا به شيئاً، وإن كنت أجد فيه إلى جوار نأمل المرأة أصابع الرجل تنقيه مرة وتشجعه مرة أخرى وقد تقومه أو توجهه. والذي يؤلم أن أدب الأنوثة كنار الهشيم تعلو سريعاً ثم تهبط وإلا فأين (صوت سهير القلماوي) وأين نفخات الأنوثة في (قلم ابنة الشاطئ) وأين طرائف المبدعات من (وداد صادق عنبر) وبيانها المنزل من موروث والدها. أين؟ وأين؟ أظن (البيت) هو الذي طغى على رسالة القلم عند هؤلُيَّائكنَّ. ولا حرج فالطبيعة تقضي.
غير أني اليوم أطالع مرايا الناس للسيدة وداد سكاكيني الكاتبة الشرقية فأعجب كف أن الطبيعة لم تغلبها، وحرفة الأمومة لم تنهنه من حماسها الأدبي ولم تبلبل تيارها العارم؛ أعجب ولا يدفعني هذا إلى أن أقول كما قال الناقد القديم. (تلك التي غلبت الفحول) لا أقول ذلك وإنما أدعو القارئ إلى أن يرد مراياها ويقف على شخصيتها ويتملى من أسلوبها ليعجب بقصصها الإنساني الذي أتخذ من صلاته بالمرأة درساً وتحليلاً ثم جاء تعبيراً سامياً في إطار يشوق وإخراج يروق. وحتى لا أحرم القارئ أو يرميني بمجاملة الضيفة الصديقة أضع أمامه قطعة من (شقيقة نفسي) تكتشف عن جمال في العبير وإبداع في التصوير ورفعة في الأسلوب الذي تحسد عليه المرأة وتغبط السيدة وداد.
(في صيداء مدينة الزهر والعطر، الحالمة بمجدها على شاطئ الأبيض الجاثم بوداعة وفطنة ليداعب بمده وجزره تلك الرمال النقية فإذا وليت وجهك شطر البيوت تركت البحر يواجه بأمواجه القلعة العتيقة السادرة في ذكرياتها، ثم أقبلت بالنظر على جنات ألفاف، وأفواف خلف أفواف، وحدائق وراء بساتين رفافة النسيم سمراء الأديم قد شاعت فيها أنفاس الفردوس، وليكن هذا في الربيع حين يعبق في هواء صيداء عطور النارنج والليمون).
وأخشى أن أطيل وأمضي بك في كثير من القطع الفنية التي صاغتها ريشة تغني بعواطف المرأة وتجارب الأنثى وتأملاتها في الحياة والمجتمع وصلات الناس.
نعم قد تمر على بعض القصص فلا تفجأ بالحادثة، وقد تمر بك الخطرات والنظرات وأنت تقرأ كأنها النسيم يمضي رخاء دون أن يلفحك أو يعصر قلبك لأن السيدة وداد رفيقة الأنفاس هادئة اليراعة تنظر بمرآة صافية لن تلعب بها الأعاصير ولم تتمايل بها الرياح إنما هي امرأة فنانة متمكنة من قياد القلم تحمل قلباً إنسانياً ونظرة نشف وتنم عن الرحمة واليقظة وهكذا جاءت مراياها من القصص المحلل المتأمل يشهد للمرأة ويحملنا على الاعتراف بأدبها.
وقصص (هاجر العانس) و (الضرتان) و (حظها المكتوب) و (العروس) لون من نتاج المرأة الذي يضع الكاتبة في مصاف القصاصين المبدعين.
ويكفي الأدبية أن تقبل إعجابنا بنتاجها الموفق وإلى أثر أدبي آخر يردنا إلى الإعجاب بفن الأنوثة الشرقية.
كامل محمد عجلان