مجلة الرسالة/العدد 628/كيف تنام أعين العرب

مجلة الرسالة/العدد 628/كيف تنام أعين العرب

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 07 - 1945



عن إخوانهم في شمال أفريقية؟

للأستاذ حسن أحمد الخطيب

منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً توطن العرب والمسلمون بلاد المغرب برقة وتونس والجزائر ومراكش. لم يذهبوا إليها مدفوعين بحب الغلبة القاهرة، والسيطرة الغاشمة، والفتح الذي يقصد به استغلال المغلوبين، ولم ينتقلوا إليها ليجردوا أهل البلاد من خيراتهم، ولا لينتزعوا منهم ديارهم وأموالهم، ولا ليكرهوهم في الدين، ولا ليسلبوهم حريتهم، ولا ليقضوا على كيانهم كأمة من الأمم التي لها حق الحرية والوجود

إنما حركتهم للفتح عوامل إنسانية، وحفزتهم إلى الانتقال والترحل غايات نبيلة ومقاصد شريفة، هي رفع الظلم الذي كان يرسف فيه أبناء البلاد، وإزالة العسف الذي كانوا يلقونه من الحكام، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، إخراجهم من ظلمات الجهل والجور والفوضى والاسترقاق إلى نور العلم والعرفان والحرية والإخاء والعدل والإحسان، ثم اندمجوا فيهم فصاروا أمة واحدة تعيش في كنف من تعاليم الإسلام ونظمه، بحيث لم يعد هناك فارق بين الحاكمين والمحكومين. وكانت الشرائع والأحكام التي يرجع إليها الناس في مكة والمدينة واليمن والبصرة والكوفة ودمشق هي التي يدين لها بالطاعة والرعاية من في مصر وبرقة والقيروان وبجاية وتلمسان وسبته وطنجة وفاس ومراكش، كما ازدهرت في هذه البلاد حركة علمية عمادها ثقافة الإسلام وعلومه وقوامها اللغة العربية وآدابها وعلومها وبخاصة في مدينة القيروان

ثم تقلبت الأحداث والغير على تلك البلاد في مختلف الحقب والإعصار إلى أن منيت بالاستعمار الأوربي من الفرنسيين والأسبانيين والإيطاليين فساموا أهلها سوء العذاب، وأذاقوهم ألوان النكال، وهم أمة أبية لا تنام على ضيم، ولا تخلد إلى مسكنة أو مذلة، فثار المسلمون والعرب غير مرة على طاغوت المستعمرين وبغى الولاة الظالمين، لأنهم سلبوهم حريتهم المدنية والسياسية، وضيقوا عليهم الخناق في حريتهم الدينية، وسلطوا عليهم كل وسائل الاستعمار التي تنخر عظام الأمم وتحولها شيئاً فشيئاً إلى مصيرها المحتوم من التأخر والانحلال ثم الثبور والفناء هل أتاك نبأ ثورة الجزائر الأخيرة، إذ هضمت حقوقهم وسلبت حرياتهم، وحيل بينهم وبين كل مشروع من أمانيهم القومية، فقابلتهم فرنسا المستعمرة بالأسلحة الفاتكة والقوة الباطشة حتى أهريقت الدماء الزكية، وأزهقت النفوس الرضية، وشرد الأحرار، وألقى بالمجاهدين في غيابة السجون؟

فهل يجوز للعرب والمسلمين في أقطار الدنيا أن يسكتوا على هذه الحوادث الجسام، وان يسلموا إخواناً لهم في العروبة والإسلام لغول الاستعمار؟!!

كلا، فإن سمو نفوسهم، ويقظة وجدانهم، وما طبعوا عليه بحكم دينهم من الغضب للحق والتواصي به، ومن التعاون على البر والتقوى، ومن الشعور العميق بالوحدة والتكافل، بحيث إذا اشتكى عضو منهم تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى - كل أولئك يوجب عليهم حكومات وشعوباً أن يهبوا لنصرة الضعفاء من إخوانهم أبناء المغرب بالدفاع عن حقوقهم ورفع نير الظلم والاستعباد عنهم

وعلى الحكومات الإسلامية عامة والحكومات العربية خاصة أن يطالبوا رسمياً الدولتين الفرنسية والإسبانية بكف يد العدوان والظلم عن تونس والجزائر ومراكش، وعلى الجامعة العربية أن تطلب إجراء تحقيق محايد عن حوادث الجزائر الأخيرة، كما أن عليها أن تختار مندوبين عن طرابلس وتونس والجزائر ومراكش ليمثلوا أممهم في الجامعة، وبذلك يمكن رفع الصوت بالنيابة عنها والدفاع عن حقوقها والمطالبة بحريتها واستقلالها. كذلك ينبغي أن يكون من واجبات مكتبي الدعاية المزمع إنشاؤهما بلندن وواشنطون الدعوة إلى تلك البلاد بجانب الدعوة إلى فلسطين والدفاع عن حقوق العرب فيها، والله في عون الأفراد والأمم ما دامت الأمم بعضها في عون بعض. سدد الله خطى العاملين وهداهم إلى سواء السبيل (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز).

حسن أحمد الخطيب

المفتش العام بوزارة المعارف