مجلة الرسالة/العدد 63/الصقور البحرية في البحر الأحمر
مجلة الرسالة/العدد 63/الصقور البحرية في البحر الأحمر
للدكتور كرسلاند
مدير محطة الأحياء البحرية بالغردقة
تقل الطيور البحرية في شمال البحر الأحمر حيث محطة الأحياء البحرية التابعة للجامعة المصرية. وأكثرها الصقر البحري وبدهي أن تندر الطيور البرية في أرض مجدبة لم تجدها الأمطار منذ أثني عشر عاماً. أما الغربان فكثيرة الانتشار وتعتمد في غذائها على جماعات الإنسان، ولكني لم أعثر للآن على النسر البحري المصري الذي كان يوجد بكثرة عند المحطة التي كنت أديرها على شاطئ السودان.
أما في فصلي الربيع والخريف فيمر بالمحطة عدد كبير من الطيور من كل نوع، كنوعين من البط وبعضها كالخطاف وأبي فصاده ينساب طوال الفصل. أما الصفير (العصفور) فيمر فرادى.
وصقر البحر يختلف في نوع فريسته وطرق صيده عن الطيور البحرية الأخرى. إذ لم يتأقلم تماماً للحياة البحرية، فبرغم تشوك أصابعه واندثار الريش الطويل من أرجله ما زال يشبه الطيور الأخرى من فصيلته. ولا يمكنه أن ينقض على جماعات الأسماك التي تعوم بسرعة قريباً من سطح الماء كما تفعل النورزة والخطاف البحري بل يفترس عادة الأسماك البطيئة كأبي صندوق , والحجم والدرمة والمشط وهذه الأخيرة سمكة زرقاء اللون تزينها بقعة صفراء فاقعة، وتكثر حول الشعاب المرجانية. وكثيراً ما نرى عظام هذه الأسماك وجلودها بكميات كبيرة حول أعشاش الصقر. وإنه وإن بدت هذه الأسماك محصنة من الأسماك المفترسة بكيفية لا نعرفها إلا أن ذلك لا يقيها شرين: حربة الصياد، ومخالب الصقر.
وقد التجأ الصيادون هنا إلى استعمال الحراب لانتشار الشعاب المرجانية مما أدى تحديد صلاحية الشباك للصيد. وقد لا يجدي الصيد بالشص كثيراً إذ تتحصن الأسماك المصيدة بالشعاب فيفقد السمك والشص معاً، لذلك انتشر استعمال الحراب. وتتكون الحربة من قضيب من الحديد يبلغ سمكه سنتيمتراً أو سنتيمترين، ويصل طوله إلى ثلاثة أمتار، أحد طرفيه مدبب وبالآخر ثقب صغير يثبت به الخيط. ويشتغل الصيادون مثنى في كل ه (قارب منحوت من الأشجار) ينظر أحدهما في منظار الماء بينما يجدف الآخر ببطء، ويبحثان عن صدف اللؤلؤ، ولكن إذا ما تراءت لهما سمكة أمسك أحدهما الحربة من منتصفها وصوبها ثم قذف بها بمهارة لا تفلت منها الأسماك الصغيرة. وأكثر ما يصاد عادة بهذه الطريقة الأسماك البطيئة الحركة. وقد تقتنص الأسماك السريعة كأنواع البياض وأميز هذا الجنس ما يسميه الأوربيون خطأ فأنه يتلون بألوان براقة جميلة حينما يحتضر خارج الماء.
وقد صادفت مرة جماعة من صيادي اللؤلؤ وقد أمسكوا درمة (جنس من السمك) فسألتهم (كيف أمسكتم هذه السمكة وليس معكم حربة واحدة؟) فأجاب أحدهم (أمسكتها بيدي).
والدرمة سمكة معروفة بأنها سامة، ولكنها تأكل كثيراً بالبحر الأحمر، ويقال إن لحمها جيد وإن كان قليلاً.
وعلى شاطئ البحر الأحمر لا توجد جروف ولا أشجار يبني في وقايتها الصقر عشه. فيلجأ إلى أفرع نباتات الأرض الملحة على الشاطئ المنبسط مثل الشمرة البحرية والحزيس والساليكورنيا وغيرها من النباتات التي تنمو على الأرض المنخفضة بجانب البحر بل وعلى رمل الشاطئ نفسه، وكذلك على الأعشاب البحرية وجلد الأسماك وعظامها والأجسام الطافية على سطح الماء من أي نوع. والصقر لا يغير عشه بل يضيف إليه كل عام حتى يصبح ربوة عالية - وعلى مقربة من المحطة عش يربو ارتفاعه على المترين. ورأيت آخر على شاطئ السودان كان يسكنه صقر مدة خمسة عشر عاماً ولست أدري كم أقام به الصقر قبل ذهابي إلى السودان.
وبيض هذا الصقر كبير الحجم وعليه نقط سمراء داكنة، أما الصغار فسمر الألوان، وإذا أزعجت خرجت من عشها وجثمت بين الأعشاب المجاورة.
ومما يساعد على وقاية هذه الطيور عزلتها في الصحراء ورغبة (البشاريين) عن أكل الطيور وبيضها. ولكن انتشار السيارات في الصحراء قد سلبها عزلتها. وكم نشفق الآن على بعض هذه الطيور التي ما زالت تأوي عشاً لا يبعد إلا قليلاً من الأمتار عن الطريق الموصل بين آبار البترول ومحطة الأحياء البحرية! أما الجزر فما زالت ولن تزال حصناً منيعاً لها.
وقد أقمت عدة علامات لتحدد الشعب المرجانية، وسرعان ما انتفع بها الصقر للاستراحة والتهام فريسته، ولا شك أن هذه العلامات توسع نطاق صيدها. إذ أن الصقر طير بري، ولا بد له من الرجوع إلى الشاطئ لأكل فريسته، ولكنه الآن لا يحتاج إلى ذلك كثيراً بفضل انتشار العلامات على بضعة أميال من الشاطئ. وكثيراً ما يرى الصقر ممسكاً بفريسته بين مخالبه باحثاً عن مكان يلتهمها فيه؛ وهو يمسك فريسته موازية لجسمه، بخلاف الطيور الأخرى التي تمسكها في اتجاه مستعرض.
كرلس كربلاند