مجلة الرسالة/العدد 63/النفس الضائعة

مجلة الرسالة/العدد 63/النفس الضائعة

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 09 - 1934



للأديب سيد قطب

أثِني أنا؟ أم ذاك رمزٌ لغابر؟ ... لأنكرتُ من نفسي أخصَّ شعائري!

لأنكرتُ إحساسي، وأنكرتُ منزعي ... وأنكرت آمالي، وشَتَّى خواطري

وأنكرتُ شِعري، وهو نفسي بريئةً ... ممحضةً من كل خِلطٍ مخامر

ويفصلني عما مضَى من مشاعري ... عهودٌ وآباد طوال الدياجر

وأجبها ذكرى، ولكنَّ بُعدَها ... يخيَّل لي أن لم تمر بخاطري!

أنقَّب عن ماضيَّ بين سرائري ... فألمحه كالوهم أو طيف عابر

أعيش بلا ماضٍ كأنيَ نبتةٌ ... على السطح تطفو في مهب الأعاصر

وما غابرُ الإنسان إلا جذوره ... فهل تمَّ نبت دون جذر مؤازر

أنقب عن نفسي التي قد فقدتُها ... بنفسي التي أعيا بها غير شاعر

وأطليها في الروض إذ كان همها ... تأمله، يُفضي بتلك الأزاهر

وفي الليل إذ يغشى وكانت إذا غفا ... تيقظ فيها كل غاف وسادر

وفي الليلة القمراء إذ تهمس الرؤى ... وتومئ للأرواح إيماء ساحر

وفي الفجر، والأنداء يقطرن، والشذى ... يفوح، ويشجي سمعه لحن طائر

وفي الحب إذ كانت شواظا وحرقة ... ومهبط آمال ومطمح ثائر

وفي النكباء، والغبطة التي ... تجود بها الأقدار جود المحاذر

ولكنني أيئستُ أن ألتقي بها ... وتاهت بوادٍ غامر التيه غائر

سأحيا إذن كالطيف، ليست تحسهُّ ... يدان، ولا يجلوه ضوء لناظر

سيد قطب