مجلة الرسالة/العدد 63/س. ا. ع
مجلة الرسالة/العدد 63/س. ا. ع
للأستاذ مصطفى صادق الرافعي
هؤلاء ثلاثة من الأدباء تجمعهم صفة العزوبة، ويحبون المرأة حباً خائفا يقدِّم رجلاً ويؤخر أخرى؛ فلا يُقْبل إلا أدبر، ولا يعزم إلا انحل عزمه. بلغوا الرجولة وكأن ليست فيهم؛ وتمر بهم الحياة مرورها بالتماثيل المنصوبة، لا هذه قد وُلد لها ولا أولئك؛ وما برحوا يجاهدون ليحتملوا معاني وجودهم، لا ليطلبوا سعادة وجودهم، ويُمَخْرِقون في شعوذة الحياة بالنهار على الليل وبالليل على النهار، يحاولون أن يجدوا كالناس أياماً وليالي، إذ لا يعرفون لأنفسهم من العزوبة إلا نهاراً واحداً نصفه أسود مقفر مظلم.
فأما (س) فرجل (كشيخ المسجد) يكاد يرى حصير المسجد حيث وطئت قدماه من الأرض. . . . ذو دين وتقوى ما يزال بهما ينقبض وينكمش ويتزايل حتى يرجع طفلاً في الثلاثين من عمره. . . . وهو حائر بائر لا يتجه لشيء من أمر المرأة وقد فقد منها ما يحل وما يحرم، ولا جرأة لنفسه عليه فلا جرأة له على الموبقات، ولا يزين له الشيطان ورطة منها إلا أملس منه، فان له ثلاثة أبواب مفتوحة للهرب؛ إذ يخشى الله، ويتوقى على نفسه، ويستحي من ضميره.
وأما (أ) فرجل معزابة، ولكنه كالإسفنجة امتلأت حتى ليس فيها خلاء لقطرة، ثم عُصرت حتى ليس فيها بلال من قطرة؛ وقد بلغ ما في نفسه وقضى نهمته حتى اشتفى مما أراد؛ ثم قلب الثوب. . . فإذا له داخلة ناعمة من الخز والديباج، وإذا هو (الرجل الصالح) العفيف الدخلة ما تنطلق له نفس إلى مأتم، ولا يعرف الشيطان كيف يتسبب لصلحه ومراجعته الود. . .
وأما (ع) فهو كالأعرج؛ إذا مشى إلى الخير أو الشر مشى بطيئا برجل واحدة، ولكنه يمشي. . . وهو (ملك الشوارع) لا يزال فيها مقبلاً مدبراً طرفا من النهار وزُلفا من الليل؛ فإذا لم يكن في الشارع نساء ظن الشارع قد هرب من المدينة وخرج من طاعته. ولهذه الشوارع أسماء عنده غير أسمائها التي يتعارفها الناس ويستدلون بها. فقد يكون اسم الشارع مثلاً (على الحكيم) ويسميه هو (شارع ماري). . . ويكون اسم الآخر (شارع كتشنر) فيسميه (شارع الطويلة). . . ودرب اسمه (درب الملاح) واسمه عنده (درب المليحة) وهلم جراً ومسخاً. وإذا أراد صاحبنا هذا أن يسخر من الشيطان دخل المسجد فصلى، وإذا أراد الشيطان أن يسخر منه دحرجه في الشوارع. . .
وافيت هؤلاء الثلاثة مجتمعين يتدارسون مقالة (تربية لؤلؤية) يناقشونها بثلاثة عقول، ويفتشونها بست عيون؛ فأجمعوا على أن المرأة السافرة التي نبذت (حجاب طبيعتها) على ما بينته في تلك المقالة - إن هي إلا امرأة مجهولة عند طالبي الزواج بقدر ما بالغت أن تكون معروفة، وأنها ابتعدت من حقيقتها الصحيحة قدر ما اقتربت من خيالها الفاسد، وأتقنت الغلط ليصدقها فيه الرجل فلم يكذبها فيه إلا الرجل، وجعلت أحسن معانيها ما ظهرت به فارغة من أحسن معانيها. . . . .
وأردت أن أعرف كيف تنتصف الطبيعة من الرجل العزب للمرأة التي أهملها أو تركها مهملة. . . . وأين تبلغ ضرباتها في عيشه، وكيف يكون أثرها في نفسه، وكيف تكون المرأة في خائنة الأعين؛ فتسرحت مع أصحابنا في الكلام فنا بعد فن، وأزلت حذارهم الذي يحذرون حتى أفضوا إليّ بفلسفة عقولهم وصدورهم في هذه المعاني.
قال (س): حسبي والله من الآلام وآلام معها - شعوري بحرماني المرأة؛ فهو بلاء منعني القرار، وسلبني السكينة؛ وكأنه شعور بمثل الوحدة التي يعاقب السجين بها مصروفا عن الحياة مصروفة عنه الحياة؛ تجعله جدران سجنه يتمنى لو كان حجرا فيها فينجو من عذاب إنسانيته الذليلة المجرمة المخلى بينها وبينه توسعه مما يكره؛ شعور بالوحدة والعزلة حتى مع الناس وبين الأهل، فما فيّ إلا عواطف خُرس لا تستجيب لأحد ولا يجاوبها أحد في (ذلك المعنى).
وتمام الذلة أن يجد العزب نفسه أبداً مكرهاً على الحديث عن آلامه بكل من يخالطه أو يجلس إليه، كأنه يحمل مصيبة لا ينفس منها إلا كلامه عنها. وهذا هو السر في أنك لا تجد عزباً إلا عرفته ثرثاراً لا تزال في لسانه مقالة عن معنى أو رجل أو امرأة، وأصبته كالذباب لا يطير عن موضع إلا ليقع على موضع.
ومع جهد الحرمان جهد شر منه في المقاومة وكف النفس، فذلك تعب يهلك به الآدمي إذ لا يدعه يتقار على حالة - من الضجر - فيما تنازعه الطبيعة إليه، وهو كالمزع في أعصابه يحسها تشد لتقطع، ودائما تشد لتقطع.
وقد رهقني من ذلك الضنى النسوي ما عيل به صبري وضعف له احتمالي؛ فما أراني يوماً على حمام من النفس، ولا ارتياح من الطبع؛ وكيف وفي القلب مادة همه، وفي النفس علة انقباضها، وفي الفكر أسباب مشغلته؟ وقد أوقدت سورة الشباب نارها على الدم، تلتعج في الأحشاء؛ وتطير في الرأس، وتصبغ الدنيا بلون دخانها، وفي كل يوم يتخلف منها رماد هو هذا السواد الذي ران على قلبي.
وما حال رجل عذابه أنه رجل، وذله أنه رجل؟ يلبس ثيابه الإنسانية على مثل الوحش في سلاسله وأغلاله، ويحمل عقلاً تسبه الغريزة كل يوم، وتراه من العقول الزيوف لا أثر للفضيلة فيه؛ إذ هو مجنون بالمرأة جنون الفكرة الثابتة، فما يخلو إلى نفسه ساعة أو بعض ساعة إلا أخذته الغريزة مجترحاً جريمة فكر. . .
وفي دون هذا ينكر المرء عقله؛ وأي عقل تراه في رجل عزب يقع في خياله أنه متزوج، وأنه يأوي إلى (فلانة) وأنها قائمة على إصلاح شأنه ونظام بيته، وأنه من أجلها كان عزوفاً عن الفحشاء بعيداً من المنكر، وفاءً لها، وحفظاً لعهد الله فيها وقد دلهته بفنونها التي يبتدعها فكره؛ وهي ساعة تؤاكله على الخوان، وساعة تضاحكه، ومرةً تعابثه، وتارة تجافيه، وفي كل ذلك هو ناعم بها، يحدثها في نفسه، ويسمر معها، ويتصنع لها وتتصنع له؛ ويعاتبها أحياناً في رقة، وأحياناً في جفاء وغلظة؛ وقد ضربها ذات مرة. .؟
ألا إن المرأة عندي هي هذا الجنون الذي يرجع بي إلى عشرة آلاف سنة من تاريخ الدنيا، فيرمي بي في كهف أو غابة رجلاً عارياً متوحشاً متأبداً ليس من الحيوان ولا من الإنس، أحجار وأشجار، وهو حجر له نمو الشجر.
لقد توزعت المرأة عقلي فهو متفرق عليها وهي متفرقة فيه، لا أستطيع والله أن أتصورها كاملة، بل هي في خيالي أجزاء لا يجمعها كل؛ هي ابتسامة، هي نظرة، هي ضحكة، هي أغنية، هي جسم، هي شيء هي هي هي. أكل تلك المعاني هي المرأة التي يعرفها الناس، أم أنا لي امرأة وحدي؟
وإني على ذلك لأتخوف الزواج وأتحاماه؛ إذ أرى الشارع قد فضح النساء وكشفهن؛ فما يريني منهن إلا امرأة تزهي بثيابها وصنعة جمالها، أو امرأة كالهاربة من فضائلها؛ والبيت إنما يطلب الزوجة الفاضلة الصناع، تخيط ثوبها بيدها فتباهي بصنعته قبل أن تباهي بلبسه، وتزهى بأثر وجهها في، لا بأثر المساحيق في وجهها. وإن مكابدة العفة، ومصارعة الشيطان، وتوهج القلب بناره الحامية، وإلمام الطيرة الجنونية بالعقل - كل ذلك ومثله معه أهون من مكابدة زوجة فاسدة العلم أو فاسدة الجهل، أُبتلى منها في صديق العمر بعدو العمر.
إن أثر الشارع في المرأة هو سوء الظن بها، فهي تحسب نفسها معلنة فيه أنوثتها وجمالها وزينتها، ونحن نراها معلنة فيه سوء أدب وفساد خلق وانحطاط غريزة. ومن كان فاسقاً أساء الظن بكل الفتيات، ووجد السبيل من واحدة إلى قول يقوله في الأخرى؛ ومن كان عفيفاً سمع من الفاسق فوجد من ذلك متعلقاً يتعلق به، وقياساً يقيس عليه؛ والفتنة لا تصيب اللذين ظلموا خاصة.
آه لو استطعت أن أوقظ امرأة من نساء أحلامي. .!
وقال (أ): لقد كانت معاني المرأة في ذهني صوراً بديعة من الشعر تستخفني إليها العاطفة، ولا يزال منها في قلبي لكل يوم نازية تنزو. وكانت المرأة بذلك حديث أحلامي ونجي وساوسي، وكنت عفيف البنطلون؛ ولكن النساء أيقظنني من الحلم، وفجعنني فيه بالحقيقة، ووضعن يدي على ما تحت ملمس الحية. ولو حدثتك بجملة أخبارهن، وما مارست منهن لتكرهت وتسخطت، ولأيقنت أن كلمة تحرير المرأة إنما كانت خطأ مطبعياً، وصوابها: تجرير المرأة. . فهؤلاء النساء أو كثرتهن - لم يذلن الحجاب إلا لتخرج واحدة مما تجهل إلى ما تريد أن تعرف، وتخرج الأخرى مما تعرف إلى أكثر مما تعرفه، وتخرج بعضهن من إنسانة إلى بهيمة.
لقد عرفت فيمن عرفت منهن الخفيفة الطياشة، والحمقاء المتساقطة، والفاحشة ذات الريبة؛ وكل أولئك كان تحريرهن أي تجريرهن - تقليداً للمرأة الأوربية؛ تهالكن على رذائلها دون فضائلها، واشتد حرصهن على خيالها الروائي دون حقيقتها العلمية، ومن مصائبنا نحن الشرقيين أننا لا نأخذ الرذائل كما هي، بل نزيد عليها ضعفنا فإذا هي رذائل مضاعفة.
كان الحلم الجميل في الحجاب وحده، وهو كان يسعر أنفاسي ويستطير قلبي، ويرغمني مع ذلك على الاعتقاد أن ههنا علامة التكرم ورمز الأدب وشارة العفة، وأن هذه المحصنة المخدرة عذراء أو امرأة لم تلق الحجاب عليها إلا إيذاناً بأنها في قانون عاطفة الأمومة لا غيرها؛ فهي تحت الحجاب لأنه رمز الأمانة لمستقبلها، ورمز الفصل بين ما يحسن وما لا يحسن، ولأن وراءه صفاء روحها الذي تخشى أن يكدر، وثبات كيانها الذي تخشى أن يزعزع.
قال حكيم لأولئك الذين يستميلون النساء بأنواع الحلي وصنوف الزينة والكسوة الحسنة: (ياهؤلاء، إنكم إنما تعلمونهن محبة الأغنياء لا محبة الأزواج) وأحكم من هذا قول ذلك الرجل الإلهي الصارم عمر بن الخطاب: (اضربوهن بالعرى.) فقد عرف من ألف وثلثمائة سنة أن تحرير المرأة هو تجريرها، وإنها لا تخرج لمصلحة أكثر مما تخرج لإظهار زينتها. فلو منعت الثياب الجميلة حبستها طبيعتها في بيتها. فماذا تقول الشوارع لو نطقت؟ إنها تقول: يا هؤلاء، إنما تعلمونهن معرفة الكثير لا معرفة الواحد. . .!
لقد والله أنكرت أكثر ماقرأت، وسمعت من محاسنهن وفضائلهن وحيائهن. ولقد كان الحجاب معنى لصعوبة المرأة واعتزازها، فصار الشارع معنى لسهولتها ورخصها؛ وكان مع تحقق الصعوبة أو توهمها أخلاق وطباع في الرجل، فصار مع توهم السهولة أو تحققها أخلاق وطباع أخرى على العكس من تلك مازالت تنمى وتتحول حتى ألجأت القانون أخيراً أن يترقى بمن لمس المرأة في الطريق من (الجنحة) إلى (الجناية). وتخنث الشبان والرجال ضروباً من التخنث بهذا الاختلاط وهذا الابتذال، وتحللت فيهم طباع الغيرة، فكان هذا سريعاً في تغيير نظرتهم إلى النساء، وسريعاً في إفساد اعتقادهم، وفي نقض احترامهم، فأقبلوا بالجسم على المرأة وأعرضوا عنها بالقلب، وأخذوها بمعنى الأنوثة وتركوها بمعنى الأمومة؛ ومن هذا قل طلاب الزواج، وكثر رواد الخنا.
ولقد جاءت إلى مصر كاتبة إنكليزية وأقامت أشهراً تخالط النساء المتحجبات وتدرس معاني الحجاب، فلما رجعت إلى بلادها كتبت مقالاً عنوانه (سؤال أحمله من الشرق إلى المرأة الغربية) قالت في آخره: (إذا كانت هذه الحرية التي كسبناها أخيراً، وهذا التنافس الجنسي، وتجريد الجنسين من الحجب المشوقة الباعثة التي أقامتها الطبيعة بينهما - إذا كان هذا سيصبح كل أثره أن يتولى الرجال عن النساء، وأن يزول من القلوب كل ما يحرك فيها أوتار الحب الزوجي فما الذي نكون قد ربحناه؟ لقد والله تضطرنا هذه الحال إلى تغيير خططنا، بل قد نستقر طوعا وراء الحجاب الشرقي، لنتعلم من جديد فن الحب الحقيقي.).
وقال (ع): لست فيلسوفا، ولكن في يدي حقائق من علم الحياة لا تأتي الفلسفة بمثلها، وكتابي الذي أقرأ فيه هو الشارع. فأعلم أن العزاب من الرجال يتعلم بعضهم من بعض، وهم كاللصوص لا يجتمع هؤلاء ولا هؤلاء إلا على رذيلة أو جريمة. وحياة اللص معناها وجود السرقة، وحياة العزب معناها وجود البغاء والفسق.
ومن حكم الطبيعة على الجنسين أن الفاسق يباهي باظهار فسقه قدر ما تخاف الفاسقة من ظهور أمرها؛ وهذه إشارة من الطبيعة إلى أن المرأة مسكينة مظلومة. فما ابتذال الحجاب، ولا استهتاك النساء إلا جواب على انتشار العزوبة في الرجال، وكيف يتحول الماء ثلجاً لولا الضغط نازلاً فنازلاً إلى مادون الصفر؟ فهذا الثلج ماء يعتذر من تحوله وانقلابه بعذر طبيعي قاهر له قوة الضرورة الملجئة، وكذلك المرأة المذالة أو الطامحة أو المتبذلة أو المتهتكة - ما صفاتهن إلا توكيد لأعذارهن. وكان على الحكومة أن تضرب العزوبة ضربة قانون صارم، فالعزب وإن كان رجلاً حراً في نفسه، ولكن رجولته تفرض للأنوثة حقها فيه، فمتى جحد هذا الحق واستكبر عليه رجع حاله مع المرأة إلى مثل شأن الغريم مع غريمه؛ ليس للفصل فيه إلا الدولة وأحكامها وقوتها التنفيذية.
وإذا أطلقت الحرية فصاروا كلهم أو أكثرهم أعزاباً فماذا يكون إلا أن تمحي الدولة، وتسقط الأمة، وتتلاشى الفضائل؟ فالعزوبة من هذا جريمة بنفسها، ولا ينبغي أن تتربص بها الحكومة حتى تعم، بل يجب اعتبارها باعتبار الجرائم من حيث هي، ويجب تفسير كلمة (العزب) في اللغة بمثل هذا المعنى: إنها شخصية مذكرة ساخطة متمردة على حقوق مختلفة للمرأة والنسل والأمة والوطن.
وما ساء رأى العزاب في النساء والفتيات إلا من كونهم بطبيعة حياتهم المضطربة لا يعرفون المرأة إلا في أسوإ أحوالها وأقبح صفاتها، وهم وحدهم جعلوها كذلك.
إن لهم وجودا محزنا يستمتعون فيه ولكنهم يَهلكون ويُهلكون به. هم والله أساتذة الدروس السافلة في كل أمة، وهم والله بغاة من الرجال في حكم البغايا من النساء، يجرون جميعا مجرى واحدا. ومن هي البغي في الأكثر إلا امرأة فاجرة لا زوج لها؟ ومن هو العزب في الأكثر إلا رجل فاسق لا زوجة له؟ على أن مع المرأة عذر ضعفها أو حاجتها. ولكن ما عذر الرجل؟
ماذا تفيد الدولة أو الأمة من هذا العزب الذي اعتاد فوضى الحياة، وسيرها على غير نظامها، وتحققها على أسخف ما فيها من الخيال والحقيقة؛ وأي عزب يجد الاستقرار أو تجتمع له أسباب الحياة الفاضلة، وهو فقد تلك الروح التي تتمم روحه وتنقحها وتمسكها في دائرتها الاجتماعية على واجباتها وحقوقها، وتجيئه بالأرواح الصغيرة التي تشعره التبعة والسيادة معاً، وتمتد به ويمتد بها في تاريخ الوطن.
كيف يعتبر مثل هذا موجوداً اجتماعياً صحيحاً وهو حي مختل في وجود مستعار، يقضي الليل هارباً من حياة النهار، ويقضي النهار نافراً من حياة الليل؛ فيقضي عمره كله هارباً من الحياة، وكأنه لا يعيش بروحه كاملة، بل ببعضها، بل بالممكن من بعضها. .!
أية أسرة شريفة تقبل أن يساكنها رجل عزب، وأية خادم عفيفة تطمئن أن تخدم رجلاً عزباً؟ هذه هي لعنة الشرف والعفة لهؤلاء الأعزاب من الرجال!
قال الراوي: وهنا إنتفض (س) و (أ) وحاولا أن يقبضا على هذه اللعنة ويرداها إلى حلق (ع). ثم سألني ثلاثتهم أن أسقطها من المقال، بيد أني رأيت أن خيراً من حذفها أن تكون اللعنة لأعزاب الرجال إلا (س) و (أ) و (ع). . .
طنطا
مصطفى صادق الرافعي