مجلة الرسالة/العدد 633/معاهد عربية سودانية

مجلة الرسالة/العدد 633/معاهد عربية سودانية

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 08 - 1945



بين والي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقلدرون

ملك السودان في سنة 31 هجرية - 652 ميلادية

للأستاذ المبارك إبراهيم

ما كاد العرب يدخلون أرض مصر فاتحين بقيادة السياسي العربي الداهية عمرو بن العاص، وما كاد يتسبب لهم الأمر فيها ويبسطون سلطانهم الديني عليها، وما كاد يدين لهم المصريون بالطاعة عام 20 للهجرة على أكثر الروايات شيوعاً. . . ما كاد يتم كل هذا حتى اتجه نظر ابن العاص رئيس الحكومة العربية المصرية الجديدة في فسطاط مصر صوب القطر السوداني ابتغاء فتحه وضمه إلى خريطة الإمبراطورية العربية الناشئة. وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

ففي عام 21 للهجرة أعد والي مصر عمر بن العاص جيشاً مؤلفاً من عشرين ألف مقاتل، وسيره لفتح السودان تحت إمرة القائد العربي المشهور عبد الله بن سعد بن أبي سرح

على أن هذا الجيش الغازي لم يستطع التوغل في الأراضي السودانية، وذلك لوعورة المسالك، وللمقاومة الشديدة التي صادفها من جيش حكومة السودان التي كان مقرها يومئذ (دنقلة العجوز) أي القديمة

ويؤخذ من رواية ابن الأثير أن هذه الغزوة العربية الأولى للقطر السوداني لم تكن موفقة كل التوفيق، إذ لم يتعد الفتح العربي فيها بلاد الشلال التي تقع على التخوم. ثم إن عبد الله بن أبي سرح، ما لبث أن انسحب بجيشه عائداً أدراجه إلى مصر بناء على أمر تلقاء من ابن العاص، وكان ابن أبي سرح قد هادن أهل البلاد المفتوحة على دفع الجزية فكانوا يدفعونها

وقد روى ابن الأثير أن عدداً لا يستهان به من المحاربين العرب قد عادوا إلى مصر وهم مثخنون بالجراح فاقدو الإحداق لكثرة ما نالهم في أبصارهم من نبال الجيش السوداني. ولذلك كان المحاربون العرب يسمون المحاربين السودانيين برماة الحدق

ثم دارت عجلة التاريخ دورتها، فعزل ابن العاص عن ولاية مصر في عهد خلافة عث رضي الله عنه، فآلت ولاية مصر إلى قائدنا عبد الله بن أبي سرح، وعبد الله هو من ذوي قرابة ابن عفان، بل ويعد أخاً له في الرضاعة

وفي عام 31 الهجري الموافق 652 للميلاد أعاد ابن أبي سرح الكرة وهو والي مصر، فسار في طليعة جيشه معتزماً فتح السودان مهما كلفه الأمر. وكان السودانيون حينذاك قد نقضوا عهد الهدنة، ورفضوا دفع الجزية وصاروا يشنون الغارة على سكان الحدود المصرية من العرب وأبناء الصعيد، ويوسعهم نهباً وتقتيلا منتهزين فرصة انشغال رجال الحكومة العربية في المسائل الداخلية التي تلت مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأقصت ابن العاص عن مصر، وغير ذلك من المشاكل الخاصة

هذا، وبعد حروب طاحنة بين جنود ابن أبي سرح وجنود قلدرون ملك دنقلة، تمكن الفاتح العربي من احتلال دنقلة - وكانت عاصمة السودان يومذاك - بعد أن حاصرها ورماها بالمنجنيق، ولم يكن استعماله معروفاً عند الجيش السوداني

وقد قال أحد الشعراء العرب الذين اشتركوا في معركة دنقلة الفاصلة راجزاً:

لم تر عيني مثل يوم دنقله ... والخيل تعدو بالدروع مثقله!

أما المعاهدة العربية السودانية التي حررت دليلا على المهادنة والصلح بين الفريقين فأليك نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح لعظيم النوبة (السودان) ولجميع أهل مملكته من حد أرض أسوان إلى حد أرض (علوة): وهي على بعد 15 ميلا من الخرطوم

إن عبد الله بن سعد جعل لهم أماناً وصدقة جارية بينهم وبين المسلمين ممن جاوروهم من أهل صعيد مصر وغيرهم من أهل الذمة

إنكم معاشر النوبة (السودان) آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد إلا نحاربكم ولا ننصب لكم حرباً ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم

على أن دخول بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه، وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه، وعليكم حفظ من نزل بلدكم أو يطرفه من مسلم أو معاهد حتى يخرج عنكم، وإن عليكم رد كل ابق خرج إليكم من عبيد المسلمين حتى ترده إلى أرض الإسلام، ولا تستولوا عليه ولا تمنعوا منه، ولا تتعرضوا لمسلم قصده وجاوره إلى أن ينصرف عنه

وعليكم حفظ المسجد الذي أبناء المسلمون بفناء مدينتكم (دنقلة)، ولا تمنعوا منه مصلياً، وعليكم كنسه وإسراجه وتكريمه

وعليكم في كل سنة ثلاثمائة رأس وستون رأساً تدفعونها إلى إمام المسلمين من أوسط رقيق بلدكم غير المعيب يكون فيها ذكران وإناث، ليس فيها شيخ هرم ولا عجوز ولا طفل لم يبلغ الحلم، تدفعون ذلك إلى والي أسوان

وليس على مسلم دفع عدو عرض لكم، ولا منعه عنكم من حد أرض علوة إلى أرض أسوان

فإن أنتم أويتم عبداً لمسلم، أو قتلتم مسلماً، أو معاهداً، أو تعرضتم للمسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم بهدم أو منعتم شيئاً من الثلاثمائة رأس والستين رأساً، فقد (برئت) منكم هذه الهدنة والأمان، وعدنا نحن وانتم على سواء حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين

بذلك عهد الله وميثاقه وذمة رسوله محمد ، ولنا عليكم بذلك أعظم ما تدينون به، والله الشاهد بيننا وبينكم على ذلك

هذا، وتحفظ لنا كتب التاريخ الشيء الكثير من الحوادث والأخبار عن العهد الذي عقب توقيع هذه المعاهدة العربية السودانية

(أم دزمان - سودان)

المبارك إبراهيم