مجلة الرسالة/العدد 639/العلاقة اللغوية
مجلة الرسالة/العدد 639/العلاقة اللغوية
إن السؤال الذي غالباً ما يعنى الباحث الجنسي هو: هل لهذه اللغة علاقة بتلك أم لا؟ ونقصد بالعلاقة هنا وحدة الأصل مثلما يجيء شقيقان من أب واحد، فإذا ما اتضح أن هناك لغات واحدة المصدر كانت الشعوب التي تتخاطب بها - في وقت ما - تكون شعباً واحداً. ومن ناحية أخرى إذا ما كانت لغات شعبين جد مختلفة يتحدان من الناحيتين: الجنسية والثقافية، كما هي الحال في المجر وجيرانهم، فإنه يبدو أن عنصر من هجرة متقطعة له علاقة بذلك، فقد يضطر جزء من مجموعة جنسية أصلية إلى إدخال بعض التعديلات في لغته تحت تأثير المعرفة أو الحاجة أو الهجرة أو أي حادث تاريخ آخر مما يدعو إلى استبدال هذه اللغة بأخرى. وربما يكون العكس صحيحاً أيضاً، إذ تكون المجموعتان متميزتين في الأصل كل التميز ولكن تختلط ثقافتهما وتمتزج على أثر تجاورهما وتزاوجهما حتى يصبح الجنسان الطبيعيان جنساً واحداً بينما تظل اللغات منفصلة متباينة. والإصلاح الذي يدل على أن لغتين أو أو أكثر لهما أصل واحد وليس لهما علاقة ما بلغة أخرى من اللغات هو (العائلة اللغوية كما أن كلمة (الكتلة اللغوية تستخدم مرادفة لها.
هذا هو الأساس الجوهري في تقسيم اللغات، واللغات التي قد يكون فيها تشابه ما في الأسلوب أو في البناء كالتصريف مثلا يجب أن توضع في عائلة واحدة. والذي يعنينا هنا هو أن يستعمل اصطلاح (العائلة اللغوية) أو مرادفة (الكتلة اللغوية) للدلالة على أن مجموعة من اللغات موحدة الأصل، أما المجموعات الأخرى فيشار إليها بعبارات أخرى.
لكي نتعرف العلاقة بين اللغات نلجأ إلى طريقة المقارنة، فإذا تشابهت أساليب أو قواعد أو كلمات لغتين إلى الحد الذي لا يظن فيه أنه حدث لمجرد المصادفة، فليس من شك في أن هذه الكلمات المتشابهة ترجع إلى أصل واحد. وإذا لم يظهر بالمقارنة علاقة فيجب أن تصنف اللغات في عائلات متميزة. وليس من الضروري أن يدل عدم وجود العلاقة والتشابه بين لغتين على أنهما ليستا من أصل واحد، لأن توالي الأزمنة كفيل بتغييرهما تغييراً بمحو أي تشابه بينهما؛ وللخبير وحده أن يتبين العلاقة بينهما. وقد يبدو لنا أن بعض اللغات لا تتشابه مع أننا لو عدنا بالماضي القهقري اتضح لنا وحدة أصلها، وقد يرجع هذا إلى عدم معرفتنا تاريخ هذه اللغات أو كيف نحللها ونكتشف العلاقة بينها. وكثيرا ما يظهر - بعد الدراسة الدقيقة - أن مجموعة من اللغات ليس بينها تشابه ترجع إلى أصل واحد، ففي مثل هذه الحال ما كان يعتبر عائلات لغوية متعددة هو في الواقع عائلة لغوية واحدة.
ولكي نقدر التشابه بين اللغات فإن الكلمات التي تتخذها برهاناً يجب أن يتوافر فيها شرطان: أولاً التشابه في اللفظ، وثانياً التشابه في المعنى، فالكلمة الإنكليزية والكلمة الفرنسية يتشابهان في اللفظ ولكنهما يختلفان في المعنى، بحيث لا يمكن أن نرجعهما إلى أصل واحد، فكلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية بينما كلمة تمت بصلة إلى الكلمة الألمانية وهاتان الكلمتان وتختلفان في اللفظ والمعنى فلا يمكن إرجاعهما إلى أصل واحد. وإذا فرض أن ضاع الأصل اللاتيني والألماني ولم يكن يعرف شئ عن تاريخ اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولم يكن معنى جزيرة بل سمك أو ثعبان الماء. . . حينئذ يمكن أن نقول بوجود علاقة بينهما.
وهذه الحالات المشكوك فيها ناتجة عن أن تلك اللغات لم تدون عند بعض الشعوب، ففي لغة أهل كاليفورنيا القدماء الذين يطلق عليهم اسم (يوكي) نجد كلمة بمعنى وبمعنى ولكن البحث اثبت أنه لا توجد علاقة البتة بين اللغة الإنجليزية ولغة كاليفورنيا، فلا يدل وجود التشابه بين بعض الكلمات قطعاً على وجود علاقة بين اللغتين، فكثيرا ما يصادف أن تشابه بعض الكلمات كلمات لغة أخرى في اللفظ والمعنى، وقد يرجع هذا إلى أن بعض اللغات تستعير كلمات لغة أخرى كما هي الحال في اللغة الإنجليزية إذ نجد بها بعض كلمات فرنسية ولاتينية.
إن عدد العائلات اللغوية - من الناحية النظرية - ليس أمراً مهماً فإن هذا العدد لا يمكن أن يحدد، وكلما تقدمت بنا المعرفة والعلم بدت لنا قوانين جديدة تعمل على توحيد تلك الكتل التي تبدو لنا الآن منفصلة. وفي كل من آسيا وأوربا اللتين تعتبران - من هذه الناحية - وحدة واحدة، لا يتعدى فيهما عدد العائلات اللغوية أربعا وعشرين، وأهم تلك اللغات باعتبار عدد الذين يتكلمونها هي (الإندو الأوربية) أو الإندو الألمانية أو الآرية وهذه تنتشر في جنب غربي آسيا، ومعظم - إن لم يكن - كل أوربا. وأعم فروع اللهجات الآرية هي لهندية والسلافية والألمانية واللاتينية. واللغات الأخرى هي: الإيرانية والأرمنية واليونانية والإغريقية، والألبانية، والبلطية والكلتية.
وقد انتشرت في هذه العصور الحديثة من أوربا العائلة الآرية كاللغة الإنكليزية والأسبانية والفرنسية والروسية إلى أقاليم أخرى مثل استراليا وأمريكا حيث يقطن معظم أراضيها شعوب تتكلم هذه اللغات. ويمتد توزيع اللغات الآرية على شكل حزام من غرب أوربا إلى شمال شرق الهند، ولا يعترضها في الطريق سوى آسيا الصغرى التي حلت اللغة التركية فيها محل اللغات الآرية. كذلك احتلت اللغات التركية المنطقة التي في شمال بحر بلطق. ومما يضاهي اللغة الآرية من حيث عدد الذين يتكلمونها اللغات الصينية التي تنتشر في الصين الأصلية، واللغات الألتية التي تتمثل في اللغات التركية والمغولية والمنشورية وهذه تنتشر في شمال ووسط آسيا وبعض جهات أوربا.
أما شرق أوربا وشمال غرب آسيا فهو موطن اللغات الأورالية ولغات الفينو والهنغارية المجرية ويوحد معظم العلماء هذه الفروع الأورالية الثلاثة مع الفينو والسامويد ويضعونها في عائلة أورالية ألتية واسعة.
ومن العائلة السامية اللغة العربية، وهي من أعظم اللغات السامية حياة وتمثيلا، وتشبهها - كصنف شقيقة لها - اللغة الأمهربة في الحبشة. وكثير من الشعوب القديمة كانت تتكلم اللغات السامية مثل البابليين والأشوريين والفينيقيين والقرطاجنيين والعبرانيين.
ومن اللغات الهامة لغة الدرافيدا في جنوب الهند ويبلغ عدد الذين يتخاطبون بها نحو من خمسين مليوناً، وكذلك من اللغات الهامة لغة اليابان ولغة كوريا، وقد تكون لغة أنام مستمدة من اللغة الصينية ولكنها تعتبر إلى حد ما مستقلة عنها.
(مترجم متصرف)
عمر رشدي
ليسانس في العلوم الجغرافية
من جامعة فؤاد الأول