مجلة الرسالة/العدد 642/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 642/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 10 - 1945



بحث وتحليل:

قضية الجمال والحب

(أول تآليف طلبة قسم النقد والبحوث الفنية بمعهد فن التمثيل

العربي)

للأستاذ زكي طليمات

الحب والجمال قضية شغلت الإنسان في مختلف مداركه منذ القدم، وستكون شغله مادامت النفس البشرية على ما هي عليه، وذلك أن الجمال من عناصر الوجود، نتصيد مظاهره في المرئيات وما يقع عليه الحس، كما هو كامن فينا بفعل الفطرة بدليل أننا نخلعه أحياناً على ما يحيطنا، هذا والحب رباط الحياة وقوامها وسناد التجاذب الذي تقوم عليه غريزة حفظ النوع، وهي أقوى ما ركبته لفطرة فينا، لأنها أساس الحياة الدنيا وسر بقائها.

فإذا شغلت هذه القضية ذهن شاب في العقد الثالث من عمره، وفي هذا العصر الذي نعيش فيه، عصر السرعة والآلة الذي يقوم على أثر حرب طاحنة ما زال انهيار الأنقاض فيها يسك مسامعنا إذا كانت تشغله هذه القضية إلى حد إصدار مؤلف جديد يعالج دخائلها وشعابها، ففي هذا ما ينهض دليلا على أنها قضية خالدة لا تبلى جدتها أبداً.

فقد أصدر الأديب (حلمي عبد الجواد السباعي) مؤلفاً يحمل هذا العنوان تناول فيه، ماهية الجمال، ووسائل الإحساس به، ومظاهر تعبيره وذلك في التصوير والنحت والرقص والموسيقى والأدب، ثم عرج على الحب فأحاطه به إحاطة كاملة فأوضح ألوانه، وكما تحدث عن حب الله، وحب الكرامة والواجب، وحب القرابة، فأنه أجرى قلمه في الحب المألوف وحب الشهوة، والحب الشاذ، أجرى كل هذا في لفتات سريعة تشهد له ببراعة في الإنشاء الذهني والأسلوب اللغوي.

ويزهيني، والمؤلف أحد طلاب قسم النقد والبحوث الفنية بمعهد فن التمثيل العربي، أن أقدم كتابه إلى القراء، وأن أقدمه متجرداً من عطف الأستاذ على التلميذ، ومن هوى الزمي للزميل، في خدمة المبدأ والفكرة العامة.

إن المتصفح هذا الكتاب، المتمعن عناوين أبوابه، لا يلبث أن يحكم بأن المؤلف ما زال في غمرة الشباب وأحلامه، وأنه للجمال وللحب، فإذا ما قرأ الكتاب انتهى إلى أنه لم يخطئ في حكمه، وأن للكاتب عرقاً في الأدب يمتد إلى القديم والحديث والشرقي والغربي في أفانينه.

بيد أنه عرق ما زال رطب العود بدليل أن المؤلف، وإن أحاط بما سبقت الإشارة إليه من مواضيع إحاطة شاملة تشهد له بالتقصي المحكم والاستقراء الحاذق في الشائع من الأدبيين العربي والأوربي، إلا أنها إحاطة تكاد تخلو من كشف جديد في أحكام قضية الحب والجمال، وتكاد تقفر من اللفتات الأصيلة البارعة التي تشق للقارئ أفقا جديداً من التأمل.

وهذا مأخذ إذا سجلناه، فلأننا ننفس بالمؤلف، وهو نابه في بدايته، أن تقف جهوده عند السير في السبل المعبدة المطروقة.

والمؤلف في كتابه يوحي بظاهرة نفسية جديرة بالتأمل، تراود الخاطر على استجلاء بواطنها، فإذا أخذنا في تحليلها، برد الفرع إلى الأصل، إذا تقصينا الحافز الباطني الذي دفع قلم المؤلف إلى معالجة هذه القضية بهذا النفس الحار والنشوة البالغة التي لا تتوانى عن أن تمتد إلى القارئ اليقظ الوجدان، إذا أخذنا بكل هذا فسرعان ما يتضح لنا أن المؤلف يصدر فيما كتب عن كبت حسي، كبت له طابع خاص، إذا تعاونت على تصفيته وتهدئته وإلجام نزواته قيود تأصلت في نفسه، وثقافة أمدت صاحبها بما يجعله يغلب المعنويات على الماديات في أحاسيسه فركبت فيه شاعرية حالمة تدخل في نطاق الحديث الشريف (إن الله جميل يحب الجمال).

المؤلف يكابد عقدة نفسية، ومن منا ليست له عقدة نفسية تسيطر على أعماله وسلوكه، ولكن من لطف الله بالأستاذ المؤلف وبنا، وبآنسات المعهد، أن عقدته النفسية رهينة قيود لا تشكو أسرها، جعلته للشباب في أحلامه وتهاويله العذراء البكر، وليس للشباب في متطلباته العادية، واستجابته لصوت الدم الدافيء، فهنيئا له فقد كفاه الله شر القتال في مجال قلما يكون الغالب فيه خيراً من المغلوب.

ولا يضير الأستاذ (حلمي) في شيء أن يكون من هذه الفئة المحرومة من لذاذات الواقع، الموفورة الحظ من متع الخيال وأفاويقه فإن كتابه جاء خالياً مما يسعر الحس، ويدفع إلى مزالق الشهوات.

ولا يهمنا إذا كان المؤلف قد انتهى إلى هذا عن عجز في الوسائل فهو مكره لا بطل، أو عن تعفف القادر الصادف عن وحل البهيمية، فالعبرة بالكتاب الذي أصدره وهو كتاب يصح أن يقرأه الجيل الشاب ليستبطن دخائل ما يختلج في واعيته من إشاعات الحس الفائر وموحيات الدم الشاب المستعر، وليتبصر بها، وقد عرضها الكتاب عرضا ينشط الإيحاء العفيف، بعد أن أضفى عليها المؤلف من روحانياته مسحة أحالتها إلى متع ذهنية تضيء ولا تحرق.

زكي طليمات

مدير معهد التمثيل العربي