مجلة الرسالة/العدد 643/حول مذهب الشيخية:

مجلة الرسالة/العدد 643/حول مذهب الشيخية:

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 10 - 1945



بيان حقيقة وإيضاح شبهة

للشيخ عبد الله بن علي الموسوي

قرأت في الرسالة المباركة عدد (633) ما حرره الدكتور جواد علي بعنوان (الفلسفة الإسلامية المتأخرة) فرأيته، وفقه الله وسدده، قد خالف الحقيقة فيما نسبه إلى الشيخية ورئيسها المرحوم الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي؛ فتعجبت غاية العجب وقلت يا سبحان الله؛ إن مثل الدكتور جواد على المعروف بالتتبع والصدق والأمانة كيف يكتب خلاف الحقيقة ويسيء إلى التاريخ ويشوه سمعته حتى أني ظننت أنه، سلمه الله، لم يطلع على كتب الشيخ أحمد بن زين الدين ولا على كتب واحد من تلاميذه وأتباعه وما كتبه قد استقاه من عيون غير صافية. وها إني أبين ما جاء فيما كتبه صواباً وخطأ.

أما قوله: إن الشيخية هم المنسوبون إلى الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي فهو حق، لأن الشيخية هم الذين يقلدون الشيخ أحمد ويأخذون فروع دينهم عنه كما هي سيرة الشيعة الإثني عشرية إلى يومنا هذا. وأما قوله: إن الشيخ أحمد تأثر بآراء الملاصدرا كثيراً فشرح بعض كتبه مثل كتاب العرشية والمشاعر، وهو عيال على الملاصدرا فهو مخالف للحقيقة، لأن الملاصدرا يقول بوحدة الوجود كمحيى الدين بن عربي، والشيخ أحمد عقيدته التوحيد الخالص، وقد رد على الملاصدرا في شرحه كتابيه: العرشية والمشاعر، لا أيده، والشرحان مطبوعان وبإمكان كل منصف طالب الحقيقة النظر فيهما ليعرف حقيقة الأمر؛ كما أن الشيخ أحمد في كتابه شرح الزيارة زيف آراء محيى الدين وعقيدته في وحدة الوجود، تجد ذلك في (صحيفة 22) من كتاب شرح الزيارة طبع سليمان خاقان. فالقول بأنه عيال على الملاصدرا بعيد عن الإنصاف جداً.

قوله: وبالنظر إلى ما كان يظهره من غلو في بعض الآراء نفر الناس منه فألتمس الشيخ أحمد حامياً له ومعيناً، وكان ذلك الحامي هو الأمير محمد علي بن فتح علي شاه إلى آخر عبارته

(اعلم) أن الشيخ أحمد لا غلو في آرائه، وكانت آراؤه مستقاة من كتاب الله سبحانه وسنة نبيه وأحاديث آل البيت الإثني عشر، وتلك المصادر لا غلو فيها.

نعم إن الشيخ أحمد لما كانت له درجة رفيعة في العلم وكان ورعاً تقياً زاهداً عابداً لا همة له سوى إرشاد الناس وصلاحهم صارت له لدى الملوك والأمراء منزلة لا بأس بها، فأحب السلطان فتح علي شاه إقامته في طهران لما زارها وألح عليه فامتنع الشيخ أحمد عليه امتناعاً شديداً ورجع إلى يزد بعد أن زار خراسان، ثم بعد ذلك عزم السفر إلى زيارة أئمة العراق، ولما وصل إلى أصفهان أوفد الأمير محمد علي جماعة إلى أصفهان يستقبلونه وكان إذ ذاك في كرمنشاه والياً، ولما قارب الشيخ كرمنشاه خرج الأمير وحاشيته وجنده ورعاياه لاستقباله وقد طلب من الشيخ الإقامة في كرمنشاه فوعده بالإقامة بعد رجوعه من العراق، وبعد أن رجع أقام في كرمنشاه يدرس العلوم الدينية ويوضع الشريعة المحمدية.

هذه قصة الأمير محمد علي ميرزا ومن أراد الاطلاع عليها أو على غيرها فعليه بكتاب هداية الطالبين المطبوع في إيران.

قوله: يروى عن الشيخية أن الإمام تجلى للسيد كاظم الرشتي في ليلة من الليالي وكان عمره إذ ذاك إثني عشر عاماً وأشار عليه بوجوب الذهاب إلى مدينة يزد والالتحاق بحاشية الشيخ أحمد، ما أدرى من أين أخذ دكتورنا هذه الرواية وعلى من اعتمد في نقلها ومتى كانت الشيخية تعتمد على أمثال هذه المزخرفات وإن كان ما يرويه الدكتور جواد علي حقاً فليذكر الكتاب الذي فيه هذه الرواية.

قوله: ولما غادر الأحسائي إيران ثم ترك العتبات المقدسة في العراق لأداء فريضة الحج توفي في الحجاز ودفن في المدينة في جوار قبور الأئمة بالبقيع سنة 1243، الصحيح أنه توفي سنة 1241 لا سنة 1243 للهجرة.

قوله: وأصبح السيد كاظم الرشتي خليفة الأحسائي والنايب منابه. نعم إن الشيخية لما فقدوا الشيخ أحمد ورأوا السيد كاظم الرشتي عالماً فاضلا ورعاً تقياً صادقاً أميناً قلدوه وأخذوا الأحكام الفرعية عنه، حتى أن الشيخ أحمد الأحسائي خلف ولدين وهما: الشيخ محمد تقي والشيخ علي وقد كانا عالمين فاضلين إلا أنهما رحمهما الله لما لم تكن درجتهما العلمية في نظر الشيخية كدرجة السيد كاظم الرشتي قلدوه وأعرضوا عن تقليدهما، وكذلك لما توفى المرحوم السيد كاظم الرشتي خلف ولده المرحوم السيد أحمد وكان أيضاً عالماً فاضلا وله من المال ما لا بأس به، إلا أن درجته العلمية لما لم تكن موازية لدرجة المرحوم الحاج محمد كريم خان قلدوا الحاج محمد كريم خان، وذلك دليل تدينهم وعدم تأثرهم بالماديات وغيرها وذلك لا عيب عليهم فيه.

قوله: إلى أن توفى الرشتي بمرض أصابه ببغداد دون أن يتمكن من النص على تعيين شخص يكون خليفته من بعده وزعيم الشيخية الديني المطاع بالنص والتعيين.

يا سبحان الله ما أعظمها من فردية ما أدرى من أين اقترف الدكتور هذه التهمة التي اتهم بها الشيخية، ومتى كانت الشيخية تعتقد بأن زعيمها الديني لابد وأن يكون منصوصاً عليه من سابقه؛ وفي أي كتاب من كتبهم اعتقدوا ذلك، ولذلك فليحسن الدكتور إلى التاريخ وليوقفنا عليه من كتب الشيخية أنفسهم لا من أقوال المفترين نكن لسعادته شاكرين.

نعم عقيدة الشيخية في التقليد هي عقيدة المجتهدين من الشيعة الإثنى عشرية فكل من رأوه فقيهاً عالماً عاملا تقياً نقياً قلدوه وأخذوا أحكام دينهم عنه، وذلك ما نص عليه الإمام جعفر من آل البيت بقوله: أما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه، ولا أمنع أنهم يختارون تقليد الأعلم.

قوله: فانصرفت جماعة منهم إلى الميرزا علي محمد الشيرازي إلى أن قال والبابية عيال على الشيخية في آرائها وأفكارها المغالية ولا سيما في نظرتها إلى الإمام المهدي وعلاقة الإمامة بالإنسان؛ أظن أن الدكتور لم يطلع على كتب البابية وآرائها كما أنه لم يطلع على كتب الشيخية وعقائدها، ولو اطلع على الكتبين والعقيدتين لما افترى على الشيخية ولما ألحق البابية بالشيخية، فإن ميرزا على محمد الشيرازي ادعى البابية للإمام مرة، وادعى أنه المهدي الذي يخرج بالسيف تارة، ومرة ادعى أنه يوحي إليه وقد أنزل عليه بزعمه كتاب كالقرآن نعوذ بالله، وتارة ادعى الألوهية، ولولا الإطالة لسطرت من مزخرفاته التي أنزلت عليه في قرآنه بزعمه الذي سماه الذكر والبيان ما يهتدي به الطالبون، وأن ميرزا علي محمد أنكر شريعة سيد المرسلين وأسقط عن أتباعه الصلاة والصيام والحج والزكاة كما في قرآنه المزخرف وغيره من رسائله، وأول من زيف مزخرفاته ورد عليه وكفره بها هو زعيم الشيخية وعالمها المرحوم الحاج محمد كريم خان، وقد كتب في ذلك رسائل عربية وفارسية، وقد كان الميرزا علي محمد في قرآنه المزخرف يحرم على أتباعه النظر في كتب الشيخ أحمد والسيد كاظم وينهاهم عن مطالعتها، منها قوله في أول سورة من مزخرفه: (من اليوم الذي قرء عليكم كتاب ربكم كتاب البيان حرمنا عليكم يا حروف كلمة البيان ومظاهر النقطة السايرة في هويات الظهور إلى تفسير الزيارة وشرح الخطبة وكل ما كتب الأحمد بيمينه والكاظم بيمناه كما حرمنا على الذين من قبلكم النظر إلى عورات أمهاتكم وأن هذا من فضلنا عليكم وعلى الناس لعلهم يحذرون)

فهل يا ترى من الإنصاف لمتدين يدعي الإنصاف أن يتهم الشيخية بفكرة البابية ويجعل البابية عيالا عليهم، وما أدرى ما يجيب إذا سأله الله سبحانه يوم فصل القضاء عن ذلك فليستعد للجواب. وأما قوله: ولا سيما في نظرتها إلى الإمام المهدي، فاعلم أن الشيخية لا عقيدة لهم في المهدي كعقيدة البابية، بل عقيدتهم في الأئمة الإثنى عشر عقيدة الشيعة الإثنى عشر وهم: علي بن أبي طالب وولداه الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري ومحمد بن الحسن المهدي فلا يغيرون ولا يبدلون؛ فالشيخية إن اعتقدوا أنهم يزاد عليهم فيكونون ثلاثة عشر أو ينقص منهم فيكونون أحد عشر، وكذلك إن اعتقدوا بأن المهدي ليس هو محمد بن المحسن وإنما هو نوعي فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وإن افترى عليهم أحد بذلك فلعن الله من افترى، وقد جاءت الرواية عن الرسول (ص) من طريق الشيعة وطريق إخواننا السنية بعددهم وأسمائهم وأسماء آبائهم في مائة وخمسة وستين حديثاً وقد رواها التويلي في كتابه (غاية المرام)، وإن كان ما يقوله الدكتور حقاً فليوقفنا عليه من كتب الشيخية لا من كتب غيرهم فإن المرء يؤخذ بمنطقه.

قوله: ومن أقوال الإحسائي في الحشر والمعاد إن هذا البدن المحسوس المركب من العناصر الأربعة يفنى ويزول ولا يعود. الشيخية يعتقدون بالمعاد الجسماني وأن الجسم الذي عمل في الدنيا خيراً أو شراً هو الذي يعود في الآخرة؛ إلا أن المسألة مسألة علمية وقد شرحها مشايخنا ولا سيما المرحوم الحاج زين ألعابدين خان الكرماني في كتابه إيضاح الاشتباه وهو موجود ومطبوع في العراق وإيران.

قوله: وقد أنكر معراج النبي بالبدن العنصري البشري. الشيخية يعتقدون بمعراج النبي (ص) بروحه وجسمه كما أوضحه صاحب إيضاح الاشتباه الذي أشرت إليه.

قوله: وينسب إليه الغلو في الأئمة حتى أنه أشركهم مع الله في الخلق وفي القدرة وفي مسائل أخرى هي من صفات الألوهية والربوبية، هذه فرية أخرى.

قال الشيخ أحمد في كتابه حياة النفس الذي صنفه في العقائد صحيفة (4) اعلم أنه واحد في أربعة مراتب لا شريك له فيها (الأولى) لا شريك له في ذاته. قال الله سبحانه وتعالى لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد (والثانية) لا شريك له في صفاته قال الله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). (والثالثة) لا شريك له في صنعه، هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه (والرابعة) لا شريك له في عبادته فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحداً. هذا مذهبه وهذه عقيدته ولا يضره كفر من كفره إن صح ما قاله الدكتور فان من كفر مسلماً فقد كفر. (قوله) أما المذهب الشيخي فلم يظهر في وسطه زعيم قوي بعد وفاة الخليفة الإحسائي يستطيع الاستمرار على دعاية ذلك المذهب على الرغم من الجهود التي بذلها بمض علمائهم من أمثال الحاج محمد خليل خان الكرماني والملأ محمد المماقاتي.

بينت فيما سبق أن الشيخية لا مذهب لهم غير مذهب الشيعة الأثنى عشرية، ومن نسب لهم غير ذلك فقد بهتهم وافترى عليهم وظلمهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

وأما علماؤها فقد ملئوا الأصقاع والبقاع بتصانيفهم ومؤلفاتهم في أغلب العلوم والفنون حتى أنها من زمان الشيخ أحمد الأحسائي إلى الآن تزيد على ألف مصنف ومؤلف. (قوله) ومع ذلك فلا زالت هنالك جماعة صغيرة مشتتة بين العراق وإيران وسواحل الخليج تنتمي إلى مذهب الأحسائي ولكنها لا تتظاهر بذلك ولا تجهريه

هذه النبذة الأخيرة التي سجلها الدكتور يقصد بها الإزراء على الشيخية والطعن عليهم في أنهم جماعة صغيرة فأراد أن يطعن عليهم بقتلهم مع أن المناط هو الحق فلا تجدي الكثرة نفعاً إن كان أصحابها مبطلين، كما أن القلة ليست بضائرة إن كان معتنقوها محقين. وقد مدح الله سبحانه القلة في مواضع كثيرة من كتابه كقوله: (قليل من عبادي الشكور) وكقوله: (وما آمن معه إلا قليل).

(وأما قوله) سلمه الله: لا تتظاهر بذلك ولا تجهر به بينت مكرراً أن دين الشيخية دين المسلمين الذي أنزله الله سبحانه في كتابه المبين وبينه خاتم الأنبياء والمرسلين والبلاد والحمد لله بلاد مسلمة لا بلاد كافرة، والعدالة سائدة فيها، فعلام لا تجهر به فتلك مساجد الشيخية والحمد لله في جميع أنحاء العراق وفي جميع بلاد إيران وفي الإحساء والبحرين والكويت وغيرها من بلاد المسلمين معمورة بالأذان والعبادات؛ والشيخية معروفة بالمحافظة على الصلوات وأداء الفرائض في أوقاتها والصدق والأمانة وإن خفي ذلك على الدكتور فلا يخفى على غيره من المنصفين. وأنا أعلم أن ما كتبته الآن لا يجدي نفعاً لأن المسألة لم تكن مبنية على الإنصاف:

وقد حكى أن رجلا دخل على الإمام جعفر الصادق فقال له الصادق من أنت قال: أنا رجل أحضر عند العلماء. قال له: أي شيء عندك من الأخبار؟ قال: أخبرني سفيان الثوري أن جعفر ابن محمد الصادق يقول: إن الله قاعد على العرش ففضل منه من كل جانب من العرش أربعة أصابع. فقال له الإمام: أخبرني بغير هذا مما عندك فذكر له من هذا القبيل أموراً كثيرة وكلها ينسبها إلى الإمام جعفر فقال له الإمام جعفر لما سمع منه كثيرا من الأكاذيب عليه يا هذا هل تعرف جعفراً إذا رأيته قال لا. فقال الإمام جعفر إذا أخبرك جعفر وقال لك إني ما قلت كذا وأنا بريء من هذه الأكاذيب ما كنت تقول في حق جعفر بن محمد؟ قال أنكر عليه ولا أقبل منه وأقول له إن الذي أخبرني أعدل منك، فقضيتنا مثل هذه القضية وليس لنا إلا أن نفوض أمرنا إلى الله سبحانه ونتوكل عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(البصرة)

عبد الله بن علي الموسوي