مجلة الرسالة/العدد 644/في إرشاد الأريب

مجلة الرسالة/العدد 644/في إرشاد الأريب

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 11 - 1945



إلى معرفة الأديب

للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

- 15 -

ج 16 ص 200

ما أبو عامر سوى اللطف شيء ... إنه جملة كما هو روح

كل ما لا يلوح من سر معنى ... عند تفكيره فليس يلوح

وجاء في شرح (جملة): الجمالي من الرجال الضخم الأعضاء التام الخلق.

قلت: (فليس يروح) لا يذهب، لا يعزب عن علمه بل يدركه ويذهنه.

ويعني بقوله (جملة كما هو روح) أنك إن مددته إنسانا من الأناسي مؤلفا من لحم ودم أصبت، وإن قلت: أنه روح من الأرواح كأنه ملك من الملائكة صدقت. وصدر البيت - وفيه اللطف - يساعد على هذا التأويل.

ج 5 ص 168: ودعا بقهرمانة:

قلت: ضبط اللسان (القهرمانة والترجمان) بالفتح والضم.

وفي النهاية: هو كالخازن والوكيل والحافظ لما تحت يده والقائم بأمور الرجل بلغة الفرس.

وقد أخذت العربية ذات التقدم والشجاعة هذه اللفظة الأعجمية، ثم اشتقت منها فعلا جاء في تاريخ بغداد للخطيب (ج 7 ص 320):

الحسن بن سهل بن عبد الله أبو محمد هو أخوذي الرياستين الفضل بن سهل. كانا من أهل بيت الرياسة في المجوس، وأسلماهما وأبوهما في أيام هارون الرشيد، واتصلوا بالبرامكة، وكان سهل (يتقهرم) ليحيى بن خالد بن برمك.

ج 17 ص 216: قال (علي بن محمد الجلاني الواسطي): وأن شدنا (ابن بشران) وقد انقطع الناس عن عيادته والدخول إليه:

ما لي أرى الأبصار بي جافيه ... لم تلتفت مني إلى ناحية

لا ينظر الناس إلى الميت لا ... وإنما الناس مع العافية قلت: (لا ينظر الناس إلى المبتلى) والبيتان من مقطوعة عزاها أبو الفرج في (بعض أخبار إبراهيم بن المهدي) إلى علية بنت المهدي. وقال: في أخبار (عليه بنت المهدي): (الشعر لأبي العتاهية وذكر ابن المعتز أنه لعلية) وقد تمثل بالبيتين هذا العالم العظيم المحدود غير المجدود. قال ياقوت:. . . صاحب نحو ولغة وأخبار ودين وصلاح، وأليه كانت الرحلة في زمانه، وهو عين وقته وأوانه. وكان مع ذلك ثقة ضابطا محررا حافظا إلا أنه كان محدودا. . .!

ج 3 ص 100:. . . وضرب أعناقهم فيه، وسار، وأنكر الناس ذلك وتحدثوا به، ونحبت قلوبهم منه.

وجاء في شرح (نحبت): اشتد عليهم الأمر.

قلت: (نخبت): جبنت، فزعت. في الأساس: أنه لمنخوب ونخيب ونخب: لا فؤاد له. وقد نخب قلبه ونخب كأنما نزع من قولهم نخبت الشيء وانتخبته إذا نزعته، ومنه الانتخاب: الاختيار كأنك تنتزعه من بين الأشياء.

ج 4 ص 66: أحمد بن علي الأسواني:

ونزلت مقهور الفؤاد ببلدة ... قل الصديق بها وقل الدرهم!

في معشر خلقوا شخوص بهائم ... يصدى بها فكر اللبيب ويُبهَم

فالله يغني عنهم، ويزيد في ... زهدي لهم، ويفك أسري منهم

وجاء في الشرح: يقال: صدى الرجل يصدي صدى: عطش، أهو شدة العطش، كناية عن تبلد العقل.

قلت: (فالله يغني عنهم) و (يصدي) هي (يصدأ) فخفف وهو مثل حبيب:

لم آتها من أي وجه جئتها ... ألا حسبت بيوتها أجداثا

بلد الفلاحة لو أتاها جرْوَل ... أعني الخطيئة لاغتدى حراثا

تصدا بها الإفهام بعد صقالها ... وترد ذكران العقول إناثا

وروى ابن قتيبة في (عيون الأخبار) لبعض الشعراء:

إني أجالس معشرا ... نوكي أخفهم ثقيل

قوم إذا جالستهم ... صدئت بقربهم العقول لا يفهموني قولهم ... ويدق عنهم ما أقول

فهمُ كثير بي وأعلم ... أنني بهم قليل

وللأسواني هذا البيت من جملة قصيدة:

ومالي إلى ماء سوى النيل غلةٌ ... ولو أنه (أستغفر الله) زمزمُ

ج 19 ص 276: هبة الله بن صاعد المعروف بابن التلميذ كان واحد عصره في صناعة الطب متفننا في علوم كثيرة. . . وكان عارفا بالفارسية واليونانية والسريانية متضلعا بالعربية، وله النظم الرائق والنثر الفائق.

قلت: (متضلعا من العربية) كما جاء في (ج 19 ص 282) وهو كلام مولد غير مستنكر. والذي قالته العربية الأولى هو ما جاء في (المصباح): تضلع من الطعام امتلأ منه. وفي النهاية وفي حديث زمزم فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع أي أكثر من الشرب حتى تمدد جنبه وأضلاعه، وفي حديث ابن عباس: أنه كان يتضلع من زمزم. وقال الأساس: (وأكل وشرب حتى تضلع) ولم يذكره في مجازه. وفي مقدمة (القاموس). . . بما يتضلع منه (أي من علم اللغة) قال شارحه: قال ثعلب: تضلع امتلأ ما بين أضلاعه

ج 6 ص 60:. . . وكان (إسحاق بن إبراهيم البربري المحرر ويعرف بابن النديم) يحرر الكتب النافذة من السلطان إلى ملوك الأطراف في الطوامير، وكان في نهاية الحرفة والوسخ، وكان مع ذلك سمحا لا يليق على شيء.

وجاء في شرح (لا يليق) أي لا يمسك من جوده على شيء.

قلت: لا يبقى على شيء أو لا يليق شيئا. في الأساس: فلان لا يليق بكفه درهم، ولا تليق كفه درهما: لسخائه. وفي اللسان قال الأصمعي للرشيد: ما ألاقتني أرض حتى أتيتك يا أمير المؤمنين. الأزهري: العرب تقول: هذا أمر لا يليق بك، معناه لا يحسن بك حتى يلصق بك. وقول الأصمعي الذي رواه اللسان هو في هذا الخبر ذي الفائدة، نقله ابن خلكان:

الأصمعي قال: دخلت على الرشيد هارون ومجلسه حافل، فقال: يا أصمعي، ما أغفلك عنا وأجفاك لحضرتنا!

قلت: والله يا أمير المؤمنين ما ألاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك. فأمرني بالجلوس، فجلست وسكت عني. فلما تفرق الناس إلا أقلهم نهضت للقيام فأشار إليّ أن اجلس، فجلست حتى خلا المجلس ولم يبقى غيري ومن بين يديه من الغلمان فقال: يا أبا سعيد، ما معنى قولك: ما ألاقتني بلاد بعدك؟ قلت: ما أمسكتني يا أمير المؤمنين، وأنشدت قول الشاعر:

كفاك كف ما تليق درهما ... جودا وأخرى تعط بالسيف دما

أي ما تمسك درهما. فقال: هذا أحسن. وهكذا فكن، وقرنا في الملا، وعلمنا في الخلا، فانه يقبح بالسلطان أن لا يكون عالما، إما أن أسكت فيعلم الناس أني لا أفهم إذ لم أجب، وإما أن أجيب بغير الجواب فيعلم من حولي أني لم أفهم ما قلت.

قال الأصمعي: فعلمني أكثر مما علمته. . .

ج 9 ص 231: (الرضى من قصيدة في رثاء ابن الحجاج):

لسان هو الأزرق القعضبيّ ... تمضمض في ريقه الأفعواني

وجاء في الشرح: القعضبي نسبة إلى قعضب وهو رجل كان يصنع السنان. الأفعواني منسوب إلى الأفعوان وهو الثعبان فهو صفة لريق.

قلت: (تمضمض في ريقة الأفعوان) في الصحاح: الريق الرضاب والريقة أخص منه. وفي (ديوان الرضي): (من ريقه) و (في) أصح من (من).

ج 16 ص 150: قال أبو العباس ثعلب: جمع الحسن بن قحطبة عند مقدمه مدينة السلام الكسائي والأصمعي وعيسى بن عمر، فألقى عيسى على الكسائي هذه المسألة: (همكٌ ما أهمَّك) فذهب الكسائي يقول: يجوز كذا ويجوز كذا. فقال له عيسى: عافاك الله: إنما أريد كلام العرب، وليس هذا الذي تأتي به كلام العرب.

قال أبو العباس: وليس يقدر أحد أن يخطئ في هذه المسألة لأنه كيف أعرب فهو مصيب. وإنما أراد عيسى بن عمر من الكسائي أن يأتيه باللفظة التي وقعت إليه.

قلت: هذا مما قيل في المسألة. . .

في (التلويح في شرح الفصيح) لأبي سهل محمد الهروي. والفصيح للإمام ثعلب:

وتقول: (همَّك ما أهمَّك) فهمك مرفوع بالابتداء، وما أهمك خبره، وتقديره حزنك هو الذي حزنك ولم يحزن جارك ولا غيره من الناس. وأهمني الشيء بالألف حزنني، وهمني بغير ألف إذابني. (ص 76) وفي (المخصص) للإمام ابن سيده:

(همَّك ما أهمَّك) يعني أذابك ما أحزنك (ج 13 ص 138).

وفي (مجمع الأمثال) للإمام أبي الفضل أحمد الميداني:

همَّك ما همك، ويقال همك ما أهمك. يضرب لمن لا يهتم بشأن صاحبه إنما اهتمامه بغير ذلك. هذا عن أبي عبيد. يقال: أهمني الأمر إذا أقلقك وحزنك. ويقال: همَّك ما أهمك أي آذاك ما أقلقك. ومن روى همك بالرفع فمعناه شأنك الذي يجب أن تهتم به هو الذي أقلقك وأوقعك في الهم.

وفي (لسان العرب) للإمام أبي الفضل محمد بن مكَرمَّ المصري:

قال أبو عبيد في باب قلة اهتمام الرجل بشأن صاحبه: (همُّك ما همك) ويقال: همك ما أهمك جعل ما نفيا في قوله ما أهمك أي لم يهمك همك. ويقال معنى ما أهمك أي ما أحزنك، وقيل: ما أقلقك وقيل ما أذابك. . .

ج 12 ص 233: كان ابن سيدة منقطعا إلى أبي الجيش مجاهد. . .

قلت: في (وفيات الأعيان) ابن سيده: بكسر السين وسكون الياء وفتح الدال وبعدها هاء ساكنة.

قال ابن خليكان: وكان ضريرا وأبوه ضريرا أيضاً. وكان أبوه قيما بعلم اللغة، وعليه اشتغل ولده في أول أمره.

ومن تصانيفه - كما ذكر ياقوت - (المخصص) وقد طبع و (المحكم والمحيط الأعظم) رتبه على حروف المعجم وهو اثنا عشر مجلدا. ومنه نسخة مخطوطة في (دار الكتب المصرية) عمرها الله!