مجلة الرسالة/العدد 654/عاهل الجزيرة العظيم!

مجلة الرسالة/العدد 654/عاهل الجزيرة العظيم!

ملاحظات: بتاريخ: 14 - 01 - 1946


من بوادي نجد منبت العَرار والخزامَي، ومهب الصبا ومسرى النعامى، فاحت عطور الإسلام والعروبة من جديد، وباحت الرمال الصامتة بسرها المكنون منذ بعيد؛ وهبّت نفحات الرسول على آل الشيخ وآل سعود فجددوا ما رثَ من حبل الدين، وجمعوا ما شتَ من شمل العرب؛ وتهيأت الفرصة مرة أخرى لشريعة الله لترى الناس كيف بسطت ظلال السلام والوئام والأمن على أشد بقاع الأرض ضلالة وجهالة وفتنة؛ وتجلت في طويل العمر عبد العزيز فضائل العرب الأصلية: فمثل شاعريتها في رهافة حسه، وأريحيتها في سماحة نفسه، وحميتها في صرامة بأسه؛ فهو في دينه النقي الخالص، وفي خلقه السري الصريح، دليل ناهض على أن الجزيرة العربية لم تعقم بعد أنصار الدعوة وأبطال الفتوح. ولا يضيرها أن تتباعد فترات الإنجاب مادامت تنجب في القرن الأول ابن الخطاب، وفي القرن الأخير ابن السعود!

والملك عبد العزيز كالخليفة عمر من القادة المصطفين الذين صنعهم الله على عينه، وأمدهم بسلط ووعونه، ليؤيدوا رسالة أو يجددوا دعوة أو يوحدوا أمة. وقد اصطفاه الله من آل سعود ليكشف على يديه ما ادخر في هذه الأرض المقدسة المجهولة من ثراء وقوة، وليعود العرب بنعمة الله عليهم وعليه أمة واحدة ذات عزة وسطوة. والعرب والمسلمون على اختلاف المذاهب، وتباين الأجناس، وتنائي الديار، يولون وجوههم كل يوم خمس مرات شطر المملكة السعودية، لأنها صلتهم بالسماء، ورابطتهم في الأرض، ومنارتهم في الحياة!

وابن السعود هو ملك الوطن المشترك، وإمام القبلة الجامعة؛ لذلك أوتي محابَّ القلوب وطواعية النفوس، فله في صدر كل عربي مكانة، وفي عنق كل مسلم ذمة!

ولقد كان استقباله في مصر يوم الخميس الماضي تعبيراً شعبياً قوياً عن هذه المعاني التي تجول في كل خاطر وتتمثل في كل ذهن: كان استقبالا رائعاً لم تشهد الكنانة مثله لزعيم أو فاتح؛ لأن العواطف التي حشدت هذه الألوف المؤلفة في طريق الموكب الملكي على أطورة الشوارع وطنوف العمائر، وفي أفواه الأزقة ونوافذ البيوت، كانت شيئاً آخر غير الفضول الذي يسوق الناس في مثل هذا اليوم ليشهدوا ضخامة الحشد وفخامة الجند وروعة السلطان: إنما كان استقبالا روحياً طبيعياً فيه الحب والإعجاب، وفيه التجلة والقداسة، وفيه معنى أسمى من كل أولئك وهو شعور كل مصري بأنه يستقبل فرعاً من أصله، وعزيزاً من أهله.

فعلى الرحب والسعة يا مجدد التوحيد والوحدة، ومقيم ملكه الأشم علي الحمية والنجدة! وعلى الرحب والسعة يا حامي الحرمين، وثمال القريتين، وباعث الجزيرة الهامدة إلى عصر جديد سعيد يقوم فيه أمر الله على سيف علي ومصحف عثمان ودرة عمر وعزيمة الصديق!

أحمد حسن الزيات