مجلة الرسالة/العدد 655/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
مجلة الرسالة/العدد 655/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي
ج7ص236: حدث السمعاني عن أحمد بن سعد العجلي قال: كان السلطان نازلاً على باب همذان فرأيت الأديب الأبيوردي راجعاً من عندهم، فقلت له: من أين؟ فأنشأ يقول ارتجالاً:
ركبت ِطرفي فأذرى دمعة أسفا ... عند انصرافيَ منهم مضمر الياس
وقال: حتام تؤذيني فإن سنحت ... جوانح لك فاركبني إلى الناس
وجاء في الشرح: سنحت جوانح: جرى فألك باليمن.
قلت: (سنحت سوانح لك) أي خطرت على بالك خواطر أو خطرات. في التاج: سنح الرأي والشعر لي: عرض لي أو تيسر. وفي الصحاح: سنح لي رأى في كذا أي عرض.
وقد يراد بالسوانح جمع السانح، وهو ما كانت العرب في القديم تتيمن به. ومن أمثالهم: (من لي بالسانح بعد البارح) والسانح ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر أو غير ذلك، والبارح ما أتاك من ذلك عن يسارك، ومنهم من يتشاءم بالسانح ويتيمن بالبارح. . .
لم أجد هذين البيتين ومقاطيع كثيرة في (الإرشاد) وفي (الوفيات) في ديوان الأبيوردي المطبوع في بيروت سنة 1317. ولهذا الشاعر الأموي ميمية خالدة ألهمه الله إياها في (الحروب الصليبية) لم تسعد بها تلك الطبعة. ولم يذكر منها في (الإرشاد والوفيات) شيء. وقد ذكرها العلامة النويري في (نهاية الأرب) قال: (قال أبو المظفر الأبيوردي لما استولى الفرنج على البيت المقدس في سنة (492) قصيدة منها) وروى اثنين وعشرين بيتا. يقول الأموي في هذه الخالدة المخلدة:
فأيها بني الإسلام، إن وراءكم ... وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
أتهويمة في ظل أمن وغبطة ... وعيش كنوار الخميلة ناعم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
يسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
وتلك حروب من يغبْ عن غمارها ... ليسلم يقرعْ بعدها سن نادم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى ... رماحهم والدين واهي الدعائم
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى ... وتغضي على ذل كماه الأعاج فليتهم إذ لم يذودوا حمية ... عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
لئن أذعنت تلك الخياشيم للبرى ... فلا عطست إلا بأجدع راغم
دعوناكم والحروب ترنو ملحة ... إلينا بألحاظ النسور القشاعم
نراقب فينا غارة عربية ... تطيل عليها الروم عض الأباهم
ج5ص233: قال: (أسامة بن مرشد بن منقذ)، في أخيه يحيى:
بالشام لي حدث وجدت بفقده ... وجدا يكاد القلب منه يذوب
فيه من البأس المهيب صواعق ... تخشى ومن ماء السماء قليب
فارقت حتى حسن صبري بعده ... وهجرت حتى النوم وهو حبيب
وجاء في الشرح: حدث أي رجل فتى.
قلت: جدت، وهم يعنون من فيه. قال الحماسي (متمم ابن نويرة):
فقال أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك
وقال الحماسي (مسلم بن الوليد):
قبر بحلوان استسر ضريحه ... خطرا تقاصر دونه الأخطار
في التاج: ابن برى: ثوى أقام في قبره.
ج6ص160: ومن شعره (الجوهري صاحب الصحاح):
يا صاحب الدعوة لا تجزعن ... فكلنا أزهد من كرَّز
فالماء كالعنبر في قومس ... من عزه يجعل في الحرز
فسقِّنا ماء بلا منة ... وأنت في حل من الخبز
وجاء في الشرح: الكرَّز اللئيم الخبيث، وفي الأساس: لا أحوجك إلى كرز أي غني لئيم.
قلت: (فكلنا أزهد من كرْز) إن اللئيم لن يكون زاهدا دع عنك أمر القافية. وربما عنى الجوهري كرز بن جابر الفهري أو كرز بن أسامة العامري أو كرزا التميمي، وهم صحابيون (رضوان الله عليهم) أو كرز بن وبرة وهو تابعي (عليه رحمة الله) أو زاهدا من زهاد زمانه اسمه كرز. والكرز هو كما نقل في الشرح من الأساس، وعبارته هي (لا أحوجك الله إلى كرز) ومن معاني الكرز ما ذكر الإمام موهوب الجواليقي في كتابه (المعرب) ص280: الكرز البازي، وهو الرجل الحاذق، وأصله بالفارسية (كرَّه) قال ابن دريد: الكرز الطائر يحول عليه الحول من طيور الجوارح، وأصله (كره) فعرب فقيل: كرز.
ج13ص194:. . . اذهب بهذين إلى الكسائي حتى يتناظرا بين يديه ثم يخبرك لمن الفلح منهما.
وجاء في الشرح: الفلح الفوز، أقول: وربما كانت الفلج أي النصر.
قلت: هي الفلج. في الأساس: فلجت على خصمك، ولمن الفلج والفلج. وفي السادسة والعشرين الحريرية وتعرف بالرقطاء: (من لف لفه فلج وغلب). والفلح يحمل من المعاني أكثر من الفوز الذي فسر به. في التاج: الفلح والفلاح الفوز بما يغتبط به وفيه صلاح الحال والنجاة والبقاء في النعيم والخير. وفي النهاية: حيَّ على الفلاح: الفلاح البقاء والفوز والظفر أي هلموا إلى سبب البقاء في الجنة والفوز بها وهو الصلاة في الجماعة.
ج8 ص41: (أفضل الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الملك في الحسن أحمد العطار الهمذاني):
صبرا فأيام الهموم تزول ... والدهر يعطيك المنى وينيل
لا تيئسن إذا ألم ملمة ... إن الشدائد تعتري وتحول
لا تشتعل بالعسر واطو مشمرا ... بسط الفيافي والشباب مقيل
والبس سواد الليل مرتديا به ... إن التجلد للرجال جميل
حتى تنيخ العيس في كنف العلا ... حيث التحرم بالنجي كفيل
وجاء في شرح البيت الثالث: ويريد بكون الشباب مقيلا أنه في حياة المرء كالقيلولة.
قلت: (لا تيئسن إذا تلم ملمة) في (المغنى): ويكون الفعل بعدها ماضياً كثيراً ومضارعاً دون ذلك، وقد اجتمعنا في قول أبي ذؤيب:
والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
(بسط الفيافي والشعاب مقيل) ومن طوى بسط الفيافي فالشعاب فنادقه لمنامه ومقيلة. . . والشعب بالكسر - كما في القاموس -: الطريق في الجبل، ومسيل الماء في بطن الأرض أو ما انفرج بين الجبلين.
(حيث التحرم، بالنجاح كفيل) في الأساس: وتحرم فلان بفلان إذا عاشره ومالحة، وتحرمت بطعامك ومجالستك أي حرم عليك مني بسببهما ما كان لك أخذه.
ج9ص8: فكتب إليه المهلبي: وصل كتابك يا أخي. . . المتضمن نفيس الجواهر من بحار الخواطر، الحاوي ثمار الصفاء من منبت الوفاء. وفهمته، ووقع ما أهديته من نظم ونثر. . . موقع الري من ذي الغلة، والشفاء من ذي العلة، والفوز من ذي الخيبة، والأدب من ذي الغيبة.
وجاء في الشرح: الأدب التأديب. قلت: عندي أن المهلبي قال: (والغنم من ذي الغيبة) ويعزى إلى امرئ القيس:
لقد طوقت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
ج5ص13:
فإن يك حرب بين قومي وقومها ... فإني لها في كل نائبة سلم
قلت: تمثل البديع الهمذاني بالبيت في إحدى رسائله وهو من قصيدة.
والرواية هي (وإن تك حرب) في اللسان: السيرافي:. الحرب أنثى، وحكى ابن الأعرابي فيها التذكير، والأعراف تأنيثها، وإنما حكاية ابن الأعرابي نادرة، في التاج: ودار الحرب بلاد المشركين الذين لا صلح بيننا معشر المسلمين وبينهم، وهو تفسير إسلامي.
ج8ص231:.
القائل القول الرفيع الذي ... يَمرع منه البلد الماحل
قلت: في القاموس: مرع الوادي مثلثة الراء مراعة ومرعا أكلأ كأمرع، وفي الصحاح: قد مرع الوادي بالضم وأمرع أي أكلأ فهو ممرع، وفي اللسان والتاج: وقيل: لم يأت مرع وقال ابن الأعرابي: أمرع المكان لا غير.
ج13ص206:
قد عزمنا على الصبوح فبادر ... قبل أن تضحي السماء المخيلة
قلت: (قبل أن تضحي السماء مخيلة) وهي الخبر. في الأساس والسماء مخيلة للمطر: متهيئة له، وقد أخالت السماء، وخيلت، وتخيلت، وخايلت، وسحابة مخايلة إذا رأيتها خلتها ماطرة.
ج15ص215: يصوب على العافين مزن بنانه ... فيُكبت حسادا وينبت أنعما
قلت: (فيَكبت) هناك الكبت لا الإكبات.
في الأساس: كبت الله عدوك كبه وأهلكه، ومن المجاز: فلان يكبت غيظه في جوفه. في التاج: في التنزيل (كبتوا كما كبت الذين من قبلهم) أصل الكبت الكبد فقلبت الدال تاء، أخذ من الكبد وهو معدن الغيظ والأحقاد فكأن الغيظ لما بلغ بهم مبلغه أصاب أكبادهم فأحرقها، ولهذا قيل للأعداء: هم سود الأكباد. وفي الكشاف في تفسير (ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين): أو يكبتهم أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة، ويقال: كبته بمعنى كبده بالغيظ والحرقة، وقيل في قول أبي الطيب (لأكبت حاسدا وأرِى عدوا) هو من الكبد والرئة.
قلت: يقال للأعداء: هم زرق العيون كما يقال لهم سود الأكباد. في الكشاف:
إن الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب، لأن الروم أعداؤهم، وهم زرق العيون، ولذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكبد، أصهب السبال، أزرق العين. . .