مجلة الرسالة/العدد 657/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 657/البَريدُ الأدَبيّ

مجلة الرسالة - العدد 657
البَريدُ الأدَبيّ
ملاحظات: بتاريخ: 04 - 02 - 1946



وهذه أيضا. . . فضيحة!

ساء نفراً في الشام أن اختصت مصر بمكرمة محاربة الشيوعية بجد وحزم، فبعثوا يحتجون على حكومة مصر، بأسلوب أقل ما يوصف به أنه كفر بالجامعة العربية، وإساءة للخلق النبيل، وإخفاء للحق الظاهر، وتزويق للباطل القبيح، فغضب لذلك وزير مصر المفوض في دمشق، وأركان حكومة الشام، وأساتذة المدارس (لأن هؤلاء النفر الشيوعيين المعلنين شيوعيتهم من كبار موظفي المعارف!) وغضب علماء دمشق وتجارها وطلابها، والجمعيات الإسلامية والعربية فيها، وغضب عمالها الذين يتخذهم الشيوعيون في الشام، كقميص عثمان. . . وبعثوا بسيل من البرقيات والمقالات، يدفعون بهذا الحق باطل النفر المخالفين، ويثبتون به أن دمشق بلد العربية المسلمة لا تكون أبداً دار الشيوعية الملحدة، وأن هؤلاء النفر لا ينطقون إلا بلسان أنفسهم ولا يعلون إلا بوظائفهم - فإذا أنزلتهم عن كراسيهم في وزارة المعارف لم يعودوا شيئاً، وما (فلان) و (فلان)؟ أي حسب وأي نسب؟ أي علم وأي أدب؟ أي مال وأي نشب؟ كراسي على كراسي. ومناضد وراء مناضد! ولولا إنها فضيحة قبيحة أن يكون بيد هؤلاء تنشئة أمة المستقبل، وأن في هذه الكلمة اعتذاراً إلى مصر، وتبرئة للشام وإحقاقاً للحق، وتقوية للجامعة العربية ما بعثت بها إلى الرسالة.

(دمشق)

علي الطنطاوي

1 - قصة عجب

من أيادي الحكومة المصرية تعليم الصم والبكم، فقد اجتمعت في دار الأستاذ فهمي رضوان بحسن أفندي شاهين أحد المتخرجين من (مدرسة الصم والبكم بالإسكندرية) فأخبرنا أنه ولد أبكم وتعلم في هذه المدرسة، وتفاهمنا معه بالكتابة وبالكلام أيضاً، فإنه يدرك ما يحدثه به مخاطبه من حركة الشفتين أو حركة اللسان في الحروف غير الشفهية، ثم أدهش الحضور بوضع راحته على حنجرة أحدهم وتحويل وجهه عنه، وطلب منه أن يتكلم بما يريد، فعرف ما قاله تماماً من حركة الحنجرة، وأعاد مثل ذلك مرات مع عدة من حاض المجلس المعجبين به.

محمد شفيق

2 - بل هي حوائج:

أورد الأستاذ النشاشيبي (في عدد الرسالة 655) بيتي الأبيوردي المذكورين في إرشاد الأريب.

ركبت طرفي فأذرى دمعه أسفاً ... عند انصرافي منهم مضمر اليأس

وقال حتام تؤذبني فإن سنحت ... جوانح لك فاركبني إلى الناس

ورأى أن الصواب (سنحت سوانح لك). والصواب ما جاء في الكامل لابن الأثير عند ذكر وفاة الأبيوردي وهو (حوائج) حيث ذكر البيتين. وقال الأستاذ النشاشيبي أيضاً. كانت وفاة الأبيوردي سنة 557 ولعله اعتمد على وفيات الأعيان أو الأعلام للزركلي، والصواب أنها سنة 507 كما بينت ذلك (في العدد 561 من الرسالة) نقلاً عن (شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد) وورد مثله في معجم البلدان لياقوت وتاريخ الكامل وغيرهما.

محمد شفيق

فن تاريخ مصر المجهول:

في مكتبتي مخطوطة من كتاب (التنوير في إسقاط التدبير) لابن عطاء الله الإسكندري. وابن عطاء الله هذا مفخرة من مفاخر الإسكندرية بل من مفاخر مصر. توفي سنة 709هـ وكتابه التنوير من أشهر كتبه بعد كتابه (الحكم العطائية) وقد طبع التنوير عدة مرات ونسخه المخطوطة كثيرة. أما مخطوطتي فحسنة الخط مشرقة الحرف فيها تواليع بالحمرة في عناوينها وبعض كلماتها ولم يذكر في آخرها اسم ناسخها ولا تاريخ نسخها، غير أن الناسخ بعد أن أتم نسخها عاد فنقل من كتب الوعظ والحكم فوائد ملأ بها عشر صفحات وقد بدأ الفائدة الأولى بقوله: (ومن فوائد مؤلف هذا الكتاب: الوجود أقسام أربعة: خير محض وشر محض وشر وخير ولا شر ولا خير إلخ) ثم ذكر أبياتاً في الحكم ثم ثلاث قطع من الشعر في آخر كل قطعة تاريخ بحساب الجمل سجل فيه حادثة جرت في مصر منذ ثلاثمائة سنة ونيف. وقد كتب الناسخ القطع الشعرية الثلاث من دون مقدمة ولا عنوان ولا تعليق ولا مناسبة لما قبلها أو لما بعدها.

وبعد أن أتم القطع رجع إلى سرد فوائده الحكيمة كأنه لم يأت بشيء جديد ولم يستطرد إلى خبر غريب لا علاقة له بالفوائد والرقائق التي يسردها. وهذه هي القطع الثلاث نثبتها هنا على ما فيها من خلل في الوزن وركاكة في التعبير أو أن ذلك كله إنما وقع من جهل الناسخ لا من بلادة الناظم.

- 1 -

لقد كانت الأمصار تحسد مصرنا ... وتدعى بروض الملك في سائر القرى

رماها ملكها بالنُّحاس فأصبحت ... خراباً وأهلوها غدت أفقر الورى

وصارت ديار الذل من بعد عزها ... ألا في سبيل الله يا مصر ما جرى

وقد قلت في عام النُّحاس مؤرخاً ... نحاس كأحجار على مصر أمطرا

1034هـ

- 2 -

بمصر كل إنسان ... قد صار مسكين حيران

من كثرة الغم لما ... رموا بها الزيف بهتان

زمانه أرخوه ... به نحاس وخسران

1043هـ

- 3 -

بمصر حل تشويش ... وتنكيد وأحزان

برمي نحاس أرسله ... لها سلطاننا الآن

فأضحت مصر في وهج ... وأهلوها بها انهانوا

رميته نؤرخها ... بها نحس وخسران

1043هـ

والتاريخ في القطعة الأولى مغاير للتاريخ في القطعتين الأخيرتين والفرق قليل لا يتجاوز بضع سنوات. وربما كان سببه اختلاف الاعتبارات في حساب بعض الكلمات أو أن المحادثة تكررت ويكون السوء أصاب مصر مرتين أصابها سنة 34 و 43 وبينهما تسع سنوات وكلمة (نحاس) مضبوطة بالشكل بضم النون وفتح الحاء غير المشددة. ومن معاني النحاس الدخان وبه فسر النحاس في آية (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس) فهل كانت الكارثة التي نزلت بمصر في ذلك الزمن شيئاً من هذا القبيل؟ بيد أن الشاعر قال (نحاس كأحجار على مصر أمطرا) فجعل النحاس كالأحجار، أو لعله يريد بالنحاس قنابل مدافع من نحاس محشوة بأحجار. وفي دار الكتب المصرية ست نسخ مخطوطة من كتاب التنوير المذكور فقلت في نفسي لعل نسختي نقلها ناسخها من إحدى هذه النسخ فيكون خبر (النحاس كالأحجار) مثبتاً في آخرها فراجعتها فلم أجد أثراً فيها. وراجعنا بمعونة موظفي دار الكتب بعض كتب التاريخ التي وصلت في تدوين الحوادث إلى سنتي 1034 و 1043 فلم نجد بينها أثراً للخبر العجيب المذكور.

فنحن نروي لقراء الرسالة هذا الخبر على علاته، ونصه على زلاته، فلعل فيهم من يسعفنا باليقين من أمره فنكون له من الشاكرين.

عبد القادر المغربي

عضو المجمع

الأبيوردي

تساءل الأستاذ الجليل محمد إسعاف النشاشيبي في مقاله بعدد (الرسالة) الماضي عن (إرشاد الأريب) عند ذكر قصيدة الأبيوردي المعاوي التي قالها عند استيلاء الفرنج على بيت المقدس سنة 492هـ تساءل في بعض حواشي المقال: هل نظم الأبيوردي القصيدة وهو صغير أم نظمها بعد ذلك التاريخ، ويرجع تساؤل الأستاذ الجليل إلى اعتماده رواية ابن خلكان أنه مات سنة 557هـ وللأستاذ الجليل الحق في هذا التساؤل لأن المدة حينئذ بين نظم القصيدة وبين الوفاة هي خمس وستون سنة. . . وأقول: - لعل الحق أن وفاته كانت سنة 507هـ لا سنة 557هـ كما في بغية الوعاة صفحة 16 والدليل الذي لا يتطرق إليه الشك على صحة هذا التاريخ أن السيوطي ذكر نقلا عن السلفي أن الأبيوردي (أحضر عند السلطان أبيَ شجاع محمد بن ملك شاه تشخيصاً وهو على سرير ملكه فارتعد ووقع ميتاً وذلك يوم الخميس بين الظهر والعصر العشرين من شهر ربيع الأول سنة سبعة وخمسمائة) وإذا علمنا أن هذا السلطان توفي سنة 511 هـ كما في تاريخ آل سلجوق للعماد الأصفهاني صفحة 108 بين لنا وجه الحق في وفاة الأبيوردي العظيم. . .

جعفر محمد

الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي للدكتور محمد البهي

من الجوانب الفكرية التي لا تزال يتغشاها كثير من الضباب؛ ذلك الجانب الفلسفي من التراث الإسلامي؛ ومبعث الاختلاف هو: هل هذا اللون من التفكير؛ وليد العقلية الإسلامية؛ وبين أحضانها درج؛ وفي بيئتها شب وترعرع؛ أم هو ربيب بيئة أخرى لا صلة لها بهذه البيئة؛ وإن كانت تلك البيئة قد آوته في كنفها حينا؛ فطبعها بطابعه؛ كما خلعت عليه هي أيضا بعض شياتها؛ فموقف المؤرخ لهذه الظاهرة العقلية الإسلامية؛ موقف دقيق يحيط به الغموض؛ ويحتاج إلى منطق متئد، وفكر ثاقب؛ حتى يتسنى له أن يرد كل فكرة إلى مصدرها، وأن يحرص على أن يظل بمنأى عن التورط والانغماس فيما يلبس عليه المحجة؛ ويجره إلى التحزب والمشايعة؛ وقد استطاع الدكتور محمد البهي أن يحتفظ بموقفه بعيداً معتصماً بكنف البحث العلمي الذي يرد عنه عوادي الأهواء، ويقيه مزلة الانزلاق؛ فخرج البحث عن أن يكون رواية للمشاكل الإلهية كما تركها المسلمون؛ وصح أن يعد تاريخاً للتفكير الإسلامي الإلهي؛ يبين قيمة العمل العقلي للمسلمين في الناحية الإلهية من حيث هو في ذاته؛ وأثره في تطور العقيدة باعتبار أنها شيء قام على أسلوب الدين؛ وعلى ما لطبيعته من خصائص. وهذا المبحث يقع في قسمين: الأول يصور الفكر الإسلامي في مرحلة عزلته، والقسم الآخر يصوره بعد اختلاطه بالثقافات الأخرى. فالمرحلة الأولى تتناول تاريخ الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي؛ وهي مرحلة العزلة؛ ويعني بها ما كان تفكيرها عربياً محضاً لم يشتبك بعد فيها مع تفكير آخر غير عربي؛ ثم بعرض لموضوع التفكير في هذه المرحلة وهو - الله - فالله باعتبار ذاته؛ وباعتبار علاقته كخالق للمخلوقات؛ وباعتبار علاقته بالإنسان؛ كان المحور الذي تركزت حوله الدعوة المحمدية كما عرفها القرآن؛ وعوامل التفكير التي نلتمسها أولاً وبالذات في الخلاف والتصدع الذي طرأ على الجماعة الإسلامية بعد وفاة الرسول؛ والمرحلة الثانية هي تدفق الثقافات الأجنبية في القرن الثامن الهجري؛ ولهذه الثقافة غير الإسلامية مصدران: شرقي. وهو ما قام حول الديانات وخصوصاً اليهودية والمسيحية وشروحهما؛ وغربي وهو الفلسفة الإغريقية. ثم تكلم المؤلف عن طريق الترجمة وأسبابها؛ وسبب ترجمة المنطق؛ والفلسفة الإلهية؛ والأخلاقية والنفسية؛ وأشهر الكتب المترجمة؛ والكتب المزيفة؛ ومقياس الصحيح والزائف؛ وأسباب التزييف؛ تناول كل هذا تناول الفاهم الملم؛ الهاضم لموضوعه؛ فسد ثغرة كانت لا تزال غير محكمة السد في هذا الجانب الفلسفي من التفكير الإسلامي.

محمد عبد الحليم أبو زيد