مجلة الرسالة/العدد 662/في عالم الكتب:

مجلة الرسالة/العدد 662/في عالم الكتب:

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 03 - 1946



حواء الخالدة

) للأستاذ محمود تيمور بك (

بقلم الأستاذ وديع فلسطين

أفردت مجلة (الكتاب) في عدد يناير الماضي فصلا مسهبا عن التآليف التي ظهرت في عام 1945 سردت فيه هذه الكتب بعدما بوبتها ونسقتها وفقا لموضوعاتها. وقد استوقف نظري آنذاك أن المسرحية لم تظفر من هذا الحصاد الوافر بأكثر من أربعة كتب هي: مسرحيتان ترجمهما الأستاذ محمد عوض إبراهيم بك عن شكسبير وهما: (الليلة الثانية عشرة) و (أنطوني وكليوباترة) ومسرحية شعرية للأستاذ عامر محمد بحيري عن (خالد بن الوليد) ومسرحية ترجمتها عن الكاتب السويدي أوجست سترندبرج وهي (الأب). ودفعني هذا إلى السؤال عن سبب تخلف الإنتاج المسرحي في مصر برغم أن المسرح أصبح من دعائم الثقافة ووسائل التهذيب، فضلا عن التسلية. فجاء الجواب من صديق من أصحاب دور النشر بان المسرحيات لا تصادف إقبالا من القراء وأنهم يصدفون عنها ويولون عنايتهم شطر الأقاصيص.

وإنه لأمر يدعو إلى العجب حقا، لأن المسرحية في الأدب الغربي لها مقام ممتاز، بل إنها كثيرا ما تتقدم على القصة. وما ذلك إلا لأن المسرحيات عامة - ولا سيما الأدبية منها - تعتمد إلى حد كبير على جودة الحوار وقوته، بينما الأقاصيص لا تعلق مثل هذا الشأن على الحوار لأن الوصف يغلب في معظم الأحيان على عنصر الحوار فيها.

ومما يدعو إلى الدهشة كذلك أن غالبية الكتاب العظام في العالم كتبوا المسرحية أمثال شكسبير (الذي اقتصر على كتابة هذا اللون من الفن) وإبسن وتشيكوف وجوركي وشنتزلر وجورج برنردشو، أما الأدب العربي فهو معرض عن هذا الفن لأسباب قد يكون منها المحافظة على القديم. والمعروف أن العرب الأقدمين لم يكتبوا المسرحية، وأن المرحوم أحمد شوقي بك كان من رواد هذا الضرب من الأدب بما أنتجه من مسرحياته الشعرية: (مصرع كليوباترا) و (مجنون ليلى) و (قمبيز). . . الخ.

لهذه الأسباب مجتمعة، سرنا أن أقدم الأستاذ محمود تيمور بك على كتابة المسرحية الطويلة - إذا جاز أن يكون في المسرحيات طويل وقصير كالقصص - فهو ولا شك يمهد السبيل لازدهار هذا الفن الذي لم يرتد مجاله من كتاب الضاد سوى القليلين. وهؤلاء لم يكتبوا للأدب بقدر ما كتبوا للتسلية، مما أفضى إلى هزال حركة التمثيل المسرحي، لا في مصر وحدها، بل في الشرق قاطبة.

ومسرحية (حواء الخالدة) التي نحن الآن بصددها، قطعة من حياة العرب، بطلاها عنترة العبسي وعبلة بنت مالك.

أحب عنترة عبلة فتدللت وتمنعت بعدما حملته المشاق والصعاب وسخرته في معابثاتها ومغازلاتها ليقنص لها أسدا ويجيء إليها بجلده، ولما انصرف عنها أحبته وأخذت تتسمع أنباءه وانطوت على نفسها يوم أنبأها رسول كاذب أن عنترة لقي حتفه. ولكن عنترة لم يمت وعاد إلى بلده بعد غربته، ثرياً تعلم كيف يجرد الجيوش ويستل الحسام، وينازل الأعداء، ويحترب الحروب. عاد وقد غادرته ليونته وطراوته وتدلهه في الحب، وأصبح رجلا شديد المراس معتزاً بنفسه، يأبى أن يسأل أحداً أمراً ولو كان هذا الأمر حبيباً إلى قلبه.

وكأنما أرادت عبلة أن تسخر منه، فرضيت بالزواج من أمير ولكن عنترة بارز ذاك الأمير وبذه وسبى عبلة وشد بها الرحال.

هذا محصل (حواء الخالدة)، صور تيمور فيها تثني المرأة ودلالها، إعراضها وإقبالها، غيرتها، تشفيها ومخاتلتها، حبها وبغضها، وطمعها وطموحها، حشمتها وتبذلها. وجعل تيمور بك يوجه عنايته القصوى إلى لغة الحوار حتى إن المرء ليحتاج أحيانا إلى الرجوع إلى المعجم ليقف على معاني بعض الكلمات من أمثال: (الطباهج الرشراش) و (اللوزبنج) و (النياق العصفورية) وسواها.

ولعل المؤلف اضطر إلى الالتجاء إلى هذه الكلمات وأترابها لأنه تخير موضوعا عربياً تدور حوادثه في بيداء العرب، وهم حريصون على الفصاحة والعناية باللغة لأنها تجارتهم الوحيدة التي يتعاملون بها في الأسواق.

وحسبنا من المؤلف أنه ولج هذا الباب المسرحي وسلك هذا الطريق غير المطروق، وأنه حاول فيه محاولة موفقة سبقتها منه محاولات مماثلة. ولسنا نزعم أن تيموراً بلغ في (حواء الخالدة) حد الكمال، وإنما يمكن القول انه يسير في هذا الاتجاه.