مجلة الرسالة/العدد 665/القصص
مجلة الرسالة/العدد 665/القَصَصُْ
قصة ألبانية
المهد الذهبي. . .
(مهدة للأستاذ الكبير كامل كيلاني)
نقلها الأديبان:
وهبي إسماعيل وحقي إبراهيم خير الله
تتمة
- 5 -
أسرع محمود إلى فريد في حجرة النوم - بعد أن قابل بيراما بالسيد عفت في حجرة الأضياف - فوجده ما زال مستلقيا في سريره، فقال له:
- قم، فقد جاء بيرام.
فقفز فريد من السرير وقال في لهفة:
- وهل أحضر العينة؟
- ليس معه شيء، إن الموضوع قد أرتبك، فإن الخائن قد أخبر أناسا آخرين.
- وكيف كان ذلك؟ ألا عليه اللعنة من الله.
قص محمود على فريد ما حدث - منذ دقائق في الشارع من منزله - بينه وبين السيد لطفي وبيرام، وسرد عليه ما دار بينه وبين شفيق في الليلة الفائتة، وختم حديثه بقوله:
- إنني بعد أن سمعت إلى شفيق ليلة البارحة في المقهى، بدأ الشك يتسلل في قلبي.
فقال له فريد وهو جاد في استبدال ملابسه:
- والآن ما العمل؟
- أمامنا مشاكل كثيرة، كلها يتطلب سرعة الحل.
وكان فريد قد أتم تبديل ملابسه، فصحب محمود إلى حيث والده وبيرام يجلسان، فلما وقع نظره على القروي ابتدره - من غير أن يحييه - بقوله: - كيف أخبرت غيرنا بهذه المسألة. . .؟
ولم يدعه بيرام يتم حديثه فقد أجابه في سرعة بقوله:
- لقد أخطأت خطأً كبيراً يا سيدي، ولكن مع الأسف الشديد، هذا هو الذي حصل.
- وكلنك، أكدت لي أنني الوحيد الذي أفضيت إلي بهذا الموضوع.
- ولم أكن كاذباً حين قلت لك ذلك يا سيدي.
- إذن ماذا حدث؟
- سأشرح لك كما وقع، ولك أن تحكم - بعد ذلك - لي أو علي. قبل أن أجئ إليكم، قابلت شاباً أعرفه معرفة سطحية، وهو طويل الجسم، حسن الهندام، جميل المنظر، يرتدي - في معظم أوقاته - معطفاً أسود، فصاح الجميع بصوت واحد:
- شفيق حامد.
- نعم، هو شفيق حامد، ها أنتم تعرفون اسمه. إنني متصل بهذا الشاب - من زمن بعيد - اتصالا غير وثيق. ونحن أيها السادة أناس أغبياء، لم تصقلنا التجارب، ومن السهل أن نتأثر بغيرنا؛ لعدم ثقافتنا في المدارس، ولقلة درايتنا بأخلاق الناس، بالأمس قابلت هذا الشاب، وسألته عن تاجر يبتاع الآثار، فأجابني أنه لا يعرف أحدا، ولم أتحدث أليه بأكثر من ذلك، ولكنه على - ما يظهر - كان ذكيا؛ فقد أرتاب في أمري، لأنني عندما خرجت من هنا ليلة أمس وجدته ينتظرني في المحل الذي اعتدت النزول فيه كلما جئت إلى المدينة، ولقد هددني بأنه سيرفع أمري إلى الحكومة إن لم أصارحه. أنا لا أستطيع الكذب، فقد خفته كثيرا، وخشيت أن ينفذ وعيده. ولما رأى ذلك مني، قادني إلى بيته، ثم تركني فيه وحيدا، وعاد بعد قليل مع صديق له.
فقال محمود:
- السيد لطفي؟ فقد تذكر أن شفيقا قد جاء إلى المقهى، واستدعاه حينما كان جالسا معه هو وفريد، فأجابه بيرام في هدوء واطمئنان:
- لم يذكر أسمه أمامي. ولكني - إزاء تهديدهما لي - أخبرتهما أنني عثرت - بمحض الصدفة - في حفرة قريبة من بيتي على بعض النقود القديمة، ولم أقل لهما أكثر من ذلك، وقد وعدتهم أن أرشدهم إلى الحفرة، فإني ما كنت أستطيع الإفلات منهم بغير هذا الوعد.
فقال له فريد في حدة وغضب:
- إنك مخطئ.
ولكن السيد عفت - وهو الذي حنكته الأيام - بدأ يتكلم في هدوء ورزانة فقال:
- إن المسألة - بوضعها الآن - ليست صعبة التسوية، وإنه يجب البحث عن شفيق ولطفي والتفاهم معهما.
فأمن الجميع على هذه الفكرة، ثم سأل فريد بيراما:
- ولماذا لم تأت بالعينة؟
فتولى السيد عفت الإجابة عنه، - فقد عرف منه السبب - فقال:
- لقد فاض النهر هذه الليلة، وأضحى من المستحيل الوصول إلى (دونمي).
وقال بيرام:
- إن الجو جميل في مثل هذا اليوم، ونستطيع أن نذهب جميعا الليلة.
في هذه اللحظة دخل الخادم، يعلن سيده أن شابين يريدان مقابلته، فعلم الجميع أنهما لا بد وأن يكونان شفيقا وصديقه.
قال السيد عفت:
- انتظروا سأخرج أنا وحدي إليهما، وغادرهم إلى حيث الشابان ينتظران. ولكن القروي بدا عليه كثر من الاضطراب وعدم الاطمئنان، وخاض في بحر عميق لجي من الأفكار. ثم إن فريد قال له في صوت من العتاب:
- إنك السبب في كل هذا الارتباك يا بيرام! ولولا أنك أطلعت هذين الشقيين على هذا الموضوع، ما حدث هذا اللغط، ولا كانت هذه الضجة.
- إنني معذور يا سيدي! فأنا رجل غير مثقف، وإن قلبي يضطرب - خوفا وفرقا - عندما يذكر اسم الحكومة أمامي إنني أضحي بكل شيء في سبيل أني لا أقاد إلى دار الشرطة، وأني لا أوقف موقف الاتهام.
فخفت ثورة الغضب في نفس فريد وأسرع إلى حيث أبوه والشابان، فوجد شفيقا بجوار المكتب، يرغي ويزبد، ويهدد ويتوعد بأنه سيخطر أول الأمر، ووجد التاجر يجيبه - في هدوء لفظ، وخفوت صوت - قائلا: - ولكن ذلك في غير مصلحتك، وأولى لك وأنفع أن نتفاهم في جو يسوده الصفاء. فقال شفيق في صوت أقل حدة:
- أنا أريد قسطي من هذا الكنز.
وهنا تدخل السيد لطفي وقال:
- يا شفيق! إن السيد عفت أهل للثقة والشرف، وهو أكبرنا سنا، وأطولنا تجربة، فلنترك له هذه المسألة، يتولى التصرف فيها بحكمته، ولنا من مشهور عدالته، وكثرة خبرته، أكبر الرجاء في أن يصل إلى كل منا نصيبه في غير صخب ولا منازعة. فهدأت ثائرة شفيق، ووقع منه هذا الرأي موقع القبول. وانتقلوا جميعا إلى حجرة الاستقبال وانضموا إلى محمود وبيرام، ثم أخذوا يتبادلون الرأي ويتشاورون في الأمر، وبيرام بينهم ينظر إلى كل منهم نظرة فاحصة، في ثبات ورزانة، ولا ينطق بكلمة إلا إذا تطلب الموقف أن يقول شيئا. وأخيرا - وبعد طول جدل ومناقشة - أستقر الرأي على أن يخرجوا - بعد الظهر - في سيارة فريد بملابس الصيد ومعداته إلى قرية بيرام وينتظروا في بيته إلى أن يجن الليل، فيتسللوا إلى الكهف، ويحصون بأنفسهم الأشياء الموجودة فيه، ثم بعد عودتهم يبحثون عن أنجح الوسائل، وأنجح الطرق في تصريفها.
وقد أختتم التاجر حديثه بقوله:
- والآن! يجب أن نتعاهد على أن نعمل متحدين في إخلاص، وعلى أن تسمعوا لإرشادي ونصحي، فتعاهد الجميع على ذلك، ثم انصرفوا على أن يجتمعوا في الرابعة مساء وهم على أتم استعداد لبدء الرحلة. ولقد استبقى فريد محمودا ليعاونه على تجهيز السيارة، وأما السيد عفت فقد بقى مع بيرام؛ لأنه قرر بقاءه في البيت إلى أن يعودوا فيستأنفوا السفر إلى (دومن) حيث الكهف العجيب.
ولقد تناول محمود وبيرام غداءهما على مائدة السيد عفت، ثم توجه محمود إلى منزله بعد الغداء مباشرة ليستبدل بملابسه ملابس الصيد. وما إن وافت الساعة الرابعة حتى التأم الجمع، ولكنهم وجدوا أن السيارة لا تتسع لجميع كلاب الصيد التي معهم؛ فاقترحوا أن يتركوا كلب لطفي في منزل فريد إلى أن يرجعوا، ثم أخذوا أماكنهم في السيارة إلا بيراما، فإنه انتحى بالسيد عفت بعيدا عنهم وقال له هامسا: - إنني لا أستطيع مغادرة أشقوداره، قبل أن أدفع دينا صغيرا لتاجر هنا قد وعدته أن أؤديه إليه في هذا اليوم، وأخاف إن أنا لم أف بوعدي أن يجئ إلى القرية ويرانا هناك، وحينئذ نقع في ورطة يتعذر علينا الخلاص منها.
فقال له السيد عفت:
- وكم يبلغ دينك؟
- إنه صغير جدا، ولا يزيد على ستة جنيهات.
فتشكك التاجر لحظة، ولكنه طرد عنه هذا الشك عندما رأى السيارة وبها الشبان ينتظرون بيراما، وقال:
- انتظر إلى أن أحضر لك المبلغ، ثم دلف إلى المنزل وعاد بعد قليل وسلم له النقود، فوضعها في جيبه وعمد إلى السيارة وأخذ مكانه منها، فانطلقت بهم، والتاجر ينظر إليهم وهو يخشى أن تلفت كثرتهم الأنظار إليهم.
أخذت السيارة طريقها إلى القرية مارة بسوق المدينة، وقبل أن يتجاوزه رجا بيرام فريدا - وقد جلس على عجلة القيادة - أن يقف السيارة، فإنه سينزل ليؤدي دينا صغيرا - حل موعده - في هذا المكان وأشار إلى محل معين، فأوقف فريد السيارة، ونزل بيرام وأتجه إلى المحل الذي أشار إليه. فناداه شفيق وقال له:
- أسرع يا بيرام! لنصل قبل الغروب.
وانتحى فريد بالسيارة في الجانب الأيمن من الطريق حتى لا تعطل المارة، وانتظروا وقتا غير قصير، ولكن بيرام لم يرجع فزفر فريد زفرة حارة وقال:
- لست أعلم، ما سبب هذا التباطؤ!
فقال السيد لطفي:
- أسرع إليه يا شفيق! واستحثه على العودة بسرعة.
فنزل شفيق وقصد المحل الذي دخله بيرام، ولكنه عاد مسرعا وهو يصيح!
- أنني لم أجده هناك. فاستولت الدهشة على الجميع، وتملكتهم الحيرة، وقالوا:
- وإن أين ذهب هذا اللعين؟ عد ثانية يا شفيق! وسل عنه صاحب المحل. فرجع شفيق، ولما رآه الرجل قال له: - عمن تبحث يا سيدي؟
- أبحث عن القروي الذي دخل هذا المحل منذ قليل، فقال الرجل مبتسما:
- أظنك تبحث عن بيرام.
- نعم أبحث عنه، ولكن من أين لك معرفة هذا الرجل؟
- كيف لا أعرفه هو أكبر شيطان، وأذكى محتال أنجبته جبالنا. إنك لو علمت كيف لعب بكبار التجار، وأبتز أموالهم، لاستولى عليك العجب. إن الوقت لا يتسع لأقص عليك أعمال ذلك الداهية المغامر. ثم حانت من الرجل التفاته إلى السيارة في جانب الطريق، فاتسعت الابتسامة على شفتيه وقال:
- يلوح لي أنه قد أوقعكم في شباك حيله. وفي هذه اللحظة أنظم إليهما السيد لطفي، فقد أستبطأ شفيقا فجاء يستعجله، وقد سمع الرجل يقول لشفيق:
- إن هذا الشيطان يلج على التجار بيوتهم، في ساعات مبكرة، ويزعم لهم أنه أكتشف - مصادفة - آثار قديمة، وكنوزاً عظيمة، ويبتز نقودهم على حساب هذا الكشف. . .
جمد السيد لطفي في مكانه حينما سمع هذا الكلام، فقد انماعت الآمال التي بناها على أساس هذا الكنز في حرارة الحقيقة المؤلمة، لكنه لم يلبث أن انفجر ضاحكا حتى كادت أنفاسه تنقطع، فقد تذكر ما حدث منذ الصباح الباكر أمام منزل السيد عفت وفي داخله. ثم عاد مسرعا إلى رفاقه في السيارة، أكد لهم أن بيرام غير موجود، وأنه محتال كذاب، وأعاد عليهم ما سمعه من الرجل، فاصطبغ وجهاهما بحمرة الغضب وضاقت في عينيهما الدنيا، وامتلأ قلبهما بالحزن، وأخيراً لم يجدوا مناصاً من العودة إلى المنزل يجررون أثواب الخزي، وتركوا شفيقاً يواصل البحث في السوق عنه.
سمع السيد عفت صوت السيارة أمام المنزل فخرج مسرعاً فرأى السيد لطفي وفريداً ومحموداً ينزلون منها فسألهم في لهفة:
- لماذا عدتم؟ ماذا حدث؟ أين بقية الرفاق؟ فاستغرقوا جميعاً في الضحك وقالوا:
- لم يخطر لنا على بال أن قروياً ساذجاً، لم يذهب إلى المدرسة ولم يقرأ شيئاً عن المغامرات يستطيع أن يخدعنا إلى هذا الحد، ثم شرحوا للتاجر كل ما جدَّ بعد أن فارقوه. وكان كل واحد منهم يأخذ بنصيبه في الشرح والتفصيل ضاحكا. أما السيد عفت فلم يستطع أن يتمالك نفسه وقال مغاضباً:
- يجب البحث عن هذا السافل حتى نقبض عليه، ونسلمه للشرطة، إنه أخذ مني نقوداً، وكذلك أخذ من فريد.
- وقال السيد لطفي:
- لقد أعطيته أمس جنيهاً ذهباً، وكذلك فعل شفيق، وإن النقود لم تكن لنا، فقد اقترضناها.
وقال فريد - موجهاً حديثه إلى والده: -
- أعتقد يا والدي أننا لن نستطيع أن نمد له يد السوء، فإننا نعجز أن نثبت ضده إدانة يؤاخذ عليها القانون، ويبدو لي أننا لم نكن أول من وقع في فخه، وأنه مثل هذا الدور مع كثيرين.
- فأجابه والده - وهو يكظم غيظه - بقوله:
- الواقع أنني لم أصادف في حياتي كلها قرويا له ذكاء كهذا الرجل، فقد أتقن حيلته، وحملنا على أن نؤمن أيمانا عميقاً بكل ما يقول، فقد كان بريق عينيه، ونبرات صوته، ينفذان إلى القلب فيمسحان عنه ما يكون قد علق به من شك.
وقال محمود:
- لقد عرف هذا الرجل كيف يلقى في روعنا جميعاً أن ما جاء به حقيقة لا يشوبها خيال. فعباراته كانت دائماً هادئة ورزينة، خالية من المبالغة والتنميق، وأن أجابته - في غير ارتباك - على ما وجهته إليه من الأسئلة جعلتني أشعر بالفرح يغمرني من منبت شعري إلى أخمص قدمي؛ فقد أيقنت أن الحظ أبتسم لنا، وأن الدنيا قد أقبلت علينا، وما خالجني شك أن هذا الرجل يستطيع أن يتفنن في الكذب إلى هذا الحد.
واضطر السيد عفت - مع ما يحس به من حزن يعتلج في قلبه - أن يجاري الشبان فيما هم فيه فطلب قهوة للجميع وعطف بهم إلى حجرة الطعام واستداروا حول المائدة وأخذ كل منهم يقص على الباقين ما كان قد اعتزمه من المشروعات على أساس هذا الكنز، فقال محمود لفريد مازحاً:
- وهكذا بقيت معاهدنا - يا فريد - فكرة حبيسة في نفوسنا لم تتنسم نسيم الحقيقة، ولم تأخذ مكانها اللائق بجلالها في عالم الوجود. ثم أردف بعد صمت لم يدم طويلا. والله يا سادة! لقد كدت ليلة أمس - بعد أن طار عني النوم - أن أقوم إلى مكتبي فأحبر قصيدة عامرة في وصف ذلك المهد الذهبي الذي حرك بيرام في قلوبنا الشوق إلى رؤيته، ولكني - تحت تأثير الإعياء - فضلت الانتظار ريثما أراه ليكون الوصف أتم وأشمل.
أما السيد لطفي فقد أعتدل في جلسته وشرع يقول:
- تصوروا أنني قضيت ليلة أمس بين لذيذ الأحلام، ومعسول الأماني، وكان أول شيء فكرت فيه - استغلالا لهذا الكنز - أن أسترد - بأي ثمن كان - قصرنا الذي ألجأتنا الضرورة إلى بيعه - وهنا سالت على خديه عبرة لم يستطع ردها - واستمر يقول: ولم يكد ضوء النهار يشيع في الكون حتى أسرعت إلى هذا المكان وبي شوق كثير لرؤية القصر، ولقد مررت ببابه كثيراً، وناجيته أحرَّ مناجاة، وإنه ليدور بنفسي آنذاك أنه لن يمضي أكثر من يومين ثم نعود إليه، ونسعد مرة أخرى بسكناه، ونمرح في جنباته ونلبسه حللا من الفخامة ليتناسب مع عهده الجديد. . . كم رتبت من حفلات الابتهاج باستعادة مجدنا القديم، واسترداد عزنا الدابر. ثم التفت إلى محمود وقال: ولقد رآني محمود وقتئذ. فقال محمود:
- لعل ذلك حينما كنتُ خارجاً من هنا قاصداً إلى المدرسة قبل أن تقابل بيراما.
- نعم! وإني لم أكن أعلم أن بيراما سيحضر في هذا الوقت، فقد كنا على موعد معه بعد الظهر لنرحل إلى قريته سويا ويرشدنا إلى الكهف. وإنما الذي دفعني إلى الخروج في ذلك الوقت المبكر هو رغبتي في أن أرى قصرنا وأناجيه على ما سمعت، ثم صمت فصاح الجميع:
- أما أن بيراما لإبليس!
وفي هذه اللحظة وصل شفيق، وجعبته ملأى بشتى الأخبار وأخذ في سردها واحداً واحداً ثم ختم حديثه بقوله: فها أنتم أيها السادة - بعد أن سمعتم الكثير من أعمال هذا الرجل - ترون أننا لسنا أول ضحاياه، فقد سبقنا عدد ليس بقليل من سراة أشقوداره وكبار التجار فيها. فقال فريد:
- إنني لو رأيت بيراما بعد هذا فسأعانقه بحرارة وأقبل جبينه، اعترافا بفطنته وسرعة خاطره، وسأقول له: مرحى! مرحى! يا أذكى من أنجبته القرى! وقال السيد عفت ضاحكا، محاولا أن يستر ما يحسه من ألم وغضب:
- من الرأي أن تكتمون ما حدث لنا عن الناس جميعاً، حتى لا يفطن إلى بيرام أحد، فيقع غيرنا في مثل ما وقعنا نحن فيه، فإننا سنشعر من غير شك عند ذلك بشيء من التعزية تخفف من مرارة الخيبة التي ذقناها من يد هذا الرجل ولسانه،. . . وقال محمود أخيراً:
- الحق يقال: أن بيراماً ليس من الرجال العاديين. فهو فذ بين اللصوص، محبوك الحيلة، إنه لا يسرق وإنما يبيع أحلاماً لذيذة جميلة، تنتقل بالإنسان إلى عالم ملئ بالآمال والسرور والسعادة. إن النقود التي استطاع أن يسلبها منكم لهي ثمن زهيد جداً لما أضفاه علينا من سعادة يعجز الوصف عنها. فقد أرجحنا جميعاً بهوادة ولطف شعرنا معهما بلذة ليس في مقدور الإنسان أن يأتي على وصفها - في مهده. . . الذهبي. . . الخيالي. . .
وهبي إسماعيل حقي وإبراهيم خير الله