مجلة الرسالة/العدد 670/في كتاب:
مجلة الرسالة/العدد 670/في كتاب:
(معالم تاريخ العصور الوسطى)
للسنة الثانية الثانوية طبعة سنة 1945
للأستاذ محمد الطنطاوي
كتاب قيم طوى شتيت المعاني في وجيز العبارات، تلبية لداعي الوقت الدراسي الذي تتناهبه مختلفات العلوم. وجمل هذا الاختصار الأنيق الرعاية الدقيقة في رواية المعاني من حوادث وغيرها، وكذلك ينبغي أن توضع كتب الوزارة، فإنها المصادر الفريدة لمعلومات النشء العالقة بعقولهم، الخالدة في صحائف أذهانهم يئلون إليها عندما يتسع أفق تفكيرهم كأساس يعتمدون عليه في تنمية معارفهم.
طالعت قرابة نصف كتاب (المعالم) الأول، فعنت لي ملاحظات فيما قرأت أبتغي بعرضها تلافيها في الطبعة المقبلة خدمة للعلم والتاريخ.
جاء في ص13: (ولم يكن لبني هاشم منافسون سوى بني أمية وهم أحفاد عبد الدار أحد اخوة قصي)
والجملة الثانية تفيد أمرين: الأول أن بني أمية أحفاد عبد الدار، والثاني أن عبد الدار أحد اخوة قصي.
وأقول إن كلا الأمرين لا ينطبق على الواقع. فإن كتب الأنساب تروي أن قصياً نسل عبد الدار وعبد مناف وغيرهما، وأن عبد مناف نجل عبد شمس وهاشماً وغيرهما، وأن عبد شمس أعقب أمية واخوته.
ومن ذا يتضح أن بني أمية حفدة عبد مناف كبني هاشم، وأن عبد الدار أحد أبناء قصي. فصحة الجملة (وهم أحفاد عبد مناف بن قصي) والجملة حينئذ يستبين منها أن بينهما رحماً ماسة وذلك هو الهدف الذي ترمي إليه.
وجاء في ص18 في الغزوات: (وقد اشترك النبي ﷺ في تسع منها)
والظاهر من هذا الكلام أنه ﷺ لم يشترك في باقي الغزوات.
وأقول إن المعروف أن الغزوة ما خرج فيها النبي ﷺ سواء أوقع فيه قتال أم لا، وأن القتال كان في تسعه منها فقط. فالنبي ﷺ اشترك في الغزوات كلها، وبتالي قاتل مع المسلمين في التسع. فالصواب في الجملة (وقد قاتل النبي ﷺ في تسع منها) كما في سيرة ابن هشام وغيرها
وجاء في ص18 أيضاً: (ونالوا أول انتصار لهم في السنة الأولى بعد الهجرة في غزوة بدر. . . وقد أحسن المسلمون معاملة الأسرى). . .
تقتضي الجملة الأولى أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى بعد الهجرة.
وأقول إن كتب المغازي والسير اتفقت على أن تلك الغزاة وقعت في السنة الثانية. وبها اعتز المسلمون وأوهن كيد الكافرين.
وجاء في ص18 و 19: (ولما نكث بنو قريظة عهدهم. . . فقاتلوهم وقتلوا منهم خلقاً كثيراً. . . فأخذ النبي بعد هذا يقلب وجهة في السماء. . . فأمر أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام)
يفيد القارئ لهذا الكلام من الجملتين الأخيرتين أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة بعد غزوة بني قريظة التي كانت في السنة الخامسة من الهجرة.
وأقول إن كتب المغازي والسير وأسباب النزول مطبقة على أن تحويل القبلة لم يتأخر حتى هذا الحين بل كان قبيل غزوة بدر الكبرى التي كانت في السنة الثانية بعد الهجرة.
وجاء في ص49 لمناسبة قتل الحسين رضى الله عنه: (ومن علي زين العابدين بن الحسين تناسلت ذرية النبي ﷺ)
إن هذه الجملة بوساطة تقديم المعمول تشعر بقصر التناسل من الذرية الشريفة على سيدنا علي زين العابدين.
وأقول إن التناسل قد استمر في ذريتي السبطين (الحسن والحسين) معاً إلى عهدنا والأعلام منهما مشهورة فالصواب حذف الجملة أو تقديم الفعل.
وجاء في ص66: (منافسة العلويين لخلفاء بني العباس. . . ومن ذلك دولة الأدارسة بالمغرب والدولة الفاطمية. . . ودولة بني بويه وهي من غلاة الشيعة).
أقول يحسن حذف , وهي) بعد بني بويه لتكون جملة مستقلة ليس فيها عطف دولة بني بويه على ما قبلها لئلا يوهم العطف أنها علوية نسباً كالأدارسة والفاطمية.
وجاء في ص82 عن والي مصر عبد العزيز بن مروان (ويظن أن أول الدنانير العربية ضربت في عهده)
أقول هذا الظن غير منسجم مع ما سلف في الكتاب نفسه من اليقين عن الخليفة عبد الملك بن مروان، ففيه ص51 (وضرب نقوداً خاصة للعرب بعد أن كانوا يتعاملون بنقود الرومان والفرس فضرب في عهده الدينار وهو نصف جنيه بالتقريب) - وهذا ما ينبغي التعويل عليه من أقوال مذكورة في النقود الإسلامية للمقريزي و (الكامل) لابن الأثير، ليس منها من أضاف الضرب إلى عبد العزيز. نعم ورد في النجوم الزاهرة أنه أشار على الخليفة بذلك لكن لا تصل الإشارة إلى حد النسبة إليه.
محمد الطنطاوي
المدرس في كلية اللغة العربية