مجلة الرسالة/العدد 68/في سبيل التحرير الاقتصادي
مجلة الرسالة/العدد 68/في سبيل التحرير الاقتصادي
موسم السياحة
أقبل موسم السياحة. ولمصر موسم للسياحة مشهور في جميع أنحاء العالم، لا لأنها أغنى بقاع الأرض من الناحية الأثرية فقط، ولكن لأنها تتمتع أيضاً في الشتاء بجو بديع وطبيعة ساحرة. وفي جميع الأمم التي تشتهر بتراثها الأثري أو جمالها الطبيعي، يوجد موسم أو مواسم للسياحة؛ وتنظم هذه المواسم بحيث تغدو موارد ينتفع بها أهل القطر من الناحية المادية؛ بل توجد أمم وبقاع تعيش على السياحة كسويسرا مثلاً وبلاد التيرول، وساحل الريفييرا والبندقية وغيرها. وتعتبر السياحة في مصر أيضاً مورداً له قيمته وأهميته، وتبذل الحكومة لترويجه كثيراً من المال ومن وسائل الدعاية؛ ولكن هل استطاعت مصر أن تنظم موسم سياحتها على نحو يكفل مصالحها ومصالح أبنائها الذين يتصلون به كما تفعل جميع الأمم؟ وهل تجني مصر ويجني المصريون منه ما يحق لهم أن يجتنوه من المزايا المادية والمعنوية؟ الجواب معروف، وهو أن مغانم موسم السياحة المصري مازالت نهباً للأجانب، يستغلونها باسم مصر والمصريين، ولكن دون مصر والمصريين؛ وما تفيده الحكومة من أجور السكك الحديدية وتذاكر الآثار، وما يفيده بعض المصريين المتصلين بالموسم لا يعد شيئاً بالنسبة لما تحققه الفنادق ووكالات السياحة الأجنبية من الأرباح الوفيرة.
هذه حقيقة لا ريب فيها، ولكن هناك حقيقة أخرى هي أن تبعة هذه النتيجة المؤلمة تقع على عاتق مصر حكومة وشعباً. فالحكومة لم تفعل حتى اليوم شيئاً جدياً لتنظيم موسم السياحة على نحو تراعي فيه المصالح المصرية، ويوضع فيه حد معقول للاستغلال الأجنبي؛ والمصريون من جانبهم لا يفكرون في العمل على استثمار هذا الموسم الذي تهيئه لبلادهم مزاياها الأثرية والطبيعية. فمن المعروف مثلاً أن الفنادق تستأثر بأهم موارد الموسم، وأن هذه الفنادق كلها أجنبية؛ ولكن هل فكرنا نحن في إنشاء فنادق يستطيع أن يؤمها السياح؟ إن إنشاء الفنادق صناعة لها قيمتها وأهميتها ولاسيما في مراكز السياحة المشهورة؛ ففي سويسرا مثلاً تعتبر صناعة الفنادق من أهم الموارد القومية، وقد عرف الأجانب في مصر هذه الحقيقة بإنشاء الفنادق واحتكروا صناعتها، ولكن المعروف أنهم يذهبون في استغلالها إلى حدود مرهقة، حتى إن كثيراً من السياح الذين يفدون على مصر يضجون بالشكوى من غلاء الأجور والأثمان التي تفرض عليهم. وهذا بلا ريب عيب في موسم السياحة المصري له أثره السيئ في سير الموسم، وهو بلا ريب يصرف الكثيرين من متوسطي الحال عن القدوم إلى مصر والتمتع بآثارها وشتائها.
ونذكر أن الحكومة قدرت خطر هذه المسألة منذ أعوام وفكرت فعلاً في إنشاء فندق كبير فخم يقتضي من السياح أجوراً معتدلة، ولكن الفكرة ماتت في مهدها ككل فكرة يخشى منها على المصالح الأجنبية في مصر. وإذاً فليس لنا إلا أن نعتمد على الجهود الخاصة في غزو هذه الصناعة التي يحتكرها الأجانب في بلادنا، ويجنون منها الثروات الطائلة، وهي صناعة لا تقتضي فنوناً أو مواهب خارقة، ولا تقتضي سوى الإقدام وموهبة التنظيم وحسن الذوق؛ وهي ليست أجل خطراً من الشئون المالية الدقيقة التي استطعنا أن نغزوها وأن نبرع فيها على يد بنك مصر وشركاته القوية الميمونة. ولقد أتيح لهذه المؤسسة القومية العتيدة أن تبدأ بالفعل بغزو ميدان له صلة وثيقة بالسياحة وموسمها؛ فقد أنشأت شركة للمواصلات الجوية وأسطولاً جوياً يقوم اليوم بنصيبه في الموصلات المحلية؛ وأنشأت شركة للملاحة لها اليوم أسطول بحري لا يزال في مستهل حياته، ولكن يشق اليوم عباب البحر الأبيض، ويربط مصر بالقارة الأوربية؛ وإذا كنا ننبه اليوم على تقصيرنا في العمل على استثمار موسم سياحتنا والأخذ بنصيبنا في صناعة الفنادق المحلية، فإنما نتجه في تلافي هذا التقصير بادئ بدء إلى بنك مصر أيضاً، وإلى تلك العصبة الميمونة من زعمائنا الاقتصاديين الذين أتوا في الميدان الاقتصادي بالعجائب، فهم أحق الناس بأن يتولوا الزعامة في هذه الناحية أيضاً، فينشئوا لنا شركة مصرية حقيقية تقوم بإنشاء بضعة فنادق فخمة تشترك في استثمار موسم السياحة لحساب المصالح المصرية، وتفتح بذلك باب هذه الصناعة واسعاً أمام المصريين، فيقتدون بها في الإقدام والعمل؛ ولا ريب إن صناعة فنادق مصرية إذا أقيمت على أسس مستنيرة تلقى نصيبها الأوفر من النجاح، نظراً لقناعتها واعتدالها.
هذا وفي وسع المصريين أن يحققوا بغزو هذه الصناعة، فضلاً عن الأرباح المادية لبلادهم، مزايا أدبية جليلة عن طريق الاتصال بموسم السياحة؛ فالسياح من مختلف الأمم، لا يتصلون عند مقدمهم إلى هذه البلاد بكثير من المصريين المستنيرين، إذ يتلقفهم الأجانب والفنادق الأجنبية، ويأخذون معظم معلوماتهم عن مصر من الأجانب؛ وليست هذه المعلومات دائماً دقيقة ولا نزيهة. فإذا أتيح للمصريين أن يتصلوا بطبقات السياح عن غزو ميدان السياحة، فإنهم يستطيعون أن يقدموا لضيوفهم عن بلادهم كل المعلومات المطلوبة، وأن يذيعوا بذلك مآثرها ومحاسنها بين السياح من مختلف الأمم، فيكون لها بذلك حسن الذكرى في كثير من البلاد.
هذه كلمة أوحى بها إلينا إقبال موسم السياحة الذي يتجدد كل عام في مثل هذا الفصل؛ والذي ما يزال الأجانب يستأثرون بمغانمه باسم مصر؛ نرجو أن يكون لها بعض الصدى والأثر.
(ع)