مجلة الرسالة/العدد 680/بمناسبة حال العمال اليوم:

مجلة الرسالة/العدد 680/بمناسبة حال العمال اليوم:

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 07 - 1946



واجبات الإنسان. . .

للزعيم الإيطالي يوسف مزيني

بقلم الأستاذ عامر عبد الوهاب

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

لقد كان في فرنسا في ذلك الوقت كاتب يجب أن لا تنسوه أبدا. كان أكبر عقلا وأرجح فكرا من كل أولئك جميعا. كان حينئذ خصمنا ولكنه كان يؤمن بالواجب، واجب تضحية الحياة جميعها للصالح العام والسعي وراء الحقيقة ونصرتها. درس الناس والظروف دراسة عميقة، ولم يقبل أن يضله غرور الثناء أو يثبط اليأس عزمه. فكان إذا سار في طريق وفشل لجأ إلى سبيل آخر سعيا منه وراء تحسين حال الجماهير. ولما أرته الحوادث أنه لا يوجد غير قوة واحدة قادرة على تحقيق هذا الغرض، أي حينما أثبت الشعب أنه في ميدان العمل أفضل وأصدق إيمانا من كل من يتظاهر بخدمة قضيته أصبح ذلك الرجل (لأمينيه) مؤلف كتاب (كلمات مؤمن) الذي قرأتموه جميعا، أصبح رسول القضية التي تجمعنا فيها آصرة الأخوة. إنكم ترون بينه وبين الرجال الذين تحدثت عنهم الفارق بين أصحاب نظرية (الحقوق) وبين دعاة الواجب. فالأولون حينما يحصلون على حقوقهم الذاتية يغشي نفوسهم ميل رجعي فيجمد بهم العزم عن متابعة الجهاد. أما الآخرون فلا ينتهي عملهم في هذه الأرض إلا بانتهاء حياتهم.

وإذا كانت هناك شعوب يغلب عليها الاستعباد، ولا يسلم فيها الكفاح من ألوان الظلم والاضطهاد، ولا تكاد تتحقق فيها خطوة واحدة نحو الإصلاح إلا ببذل النفوس وإراقة الدماء، وحيث يلزم أن تكون المساعي المبذولة في محاربة المظالم العليا محوطة بسياج من الكتمان والخفاء، غنية عن سلوى الشهرة ونشوة الثناء أي عهد وأي حافز على المثابرة يحمل ناسا في تلك الشعوب على الثبات في سبيل التقدم بينما هم ينحدرون بالجهاد الشعبي المقدس إلى حضيض النزاع من أجل حقوقهم فحسب؟

أرجو أن تتذكروا أني أتكلم عن العموميات لا عن الشواذ التي تعرض في جميع مذاه الفكر، فإذا فرضنا أن فترت الحماسة، وضعفت نزعة محاربة الظلم، هذان العاملان اللذان يحفزان الشباب بطبيعة الحال على الكفاح، ماذا يمنع حينئذ أن يتسرب الإعياء والملل إلى نفوس أولئك الرجال، ولم يمض عليهم في الجهاد غير بضع سنين لقوا فيها من أسباب الحبوط والقنوط ما لا مرد له في مثل هذا السبيل؟ لماذا لا يفضلون أي لون من ألوان الدعة على حياة مضطربة يهيجها النزاع الدائم وتحيق بها الأخطار من كل جانب، وليس ببعيد أن تنتهي يوما ما في قرارة السجون أو على حبال المشانق أو غياهب النفي؟ تلك هي القصة الشائعة في هذا العصر عن أغلب الإيطاليين الذين تشعبت أفئدتهم بالأفكار الفرنسية العتيقة، وإنها لقصة مفجعة حقا. ولكن كيف يمكن تغيرها إلا بتغيير المبدأ الذي يترسمونه ويسترشدون به؟

كيف وعلى أي اعتبار نحملهم على أن يستلهموا من الخطر والفشل حافزا يضاعف قوتهم، وعلى ألا يقفوا بالجهاد بعد عدة سنين بل يثابروا عليه حتى الممات؟

من ذا يقول لإنسان: ثابر على الكفاح من أجل حقوقك، إذا كان هذا الكفاح نفسه يكلفه أضعاف ما يكلفه التنازل عنها؟

وحتى لو كان هناك مجتمع قائم على أساس يفوق أساسنا نصفة وعدلا فمن ذا يستطيع في هذا المجتمع أن يقنع فردا آمن بنظرية الحقوق فقط بأن عليه أن يسعى لأجل الغرض العام، ويبذل جهده في نصرة القضية الاجتماعية؟ لنفرض أنه ثار وأنه أحس في نفسه القوة فيقول لك: مالي وللعهد الاجتماعي؟ لابد لي أن أنكث به لأن ميولي ومداركي تتجه بي ناحية أخرى. ولي حق مقدس مطلق في أن أفسح لها طريق الظهور والنشوء، وأفضل أن أكون في حرب مع كل إنسان، فأي واجب حينئذ تردون به عليه بينما هو يستمسك بنظريته في الحقوق؟ وأي حق لكم لأنكم أغلبية في أن ترغموه على طاعة قوانين لا تتفق ورغباته وأمانيه الشخصية؟. . . وأي حق لكم في معاقبته إذا ثار عليها؟

وإذا كانت الحقوق تتقسط كل فرد على السواء حتى لم يعد هناك مجال لأن يظهر فرد مستقل بنفسه عن باقي الأفراد الذين يعيشون معه في هيئة واحدة. وإذا كان المجتمع لا يزيد عن الفرد حقوقا، وإن زاد عنه قوة فكيف إذن ترومون أن تقنعوا الفرد بأن يدع إرادته تفنى في إرادة أولئك الذين هم إخوانه سواء في الوطن أو في الرابطة الكبرى رابطة الإنسانية؟ أيكون ذلك عن طريق الإعدام أم عن طريق السجن؟ إن الجماعات التي عاشت حتى الآن استخدمت هاتين الوسيلتين، بيد أن ذلك هو سبيل الحرب، أما نحن فنبغي السلام.

ذلك ضغط تعسفي، أما نحن فنريد التهذيب.

نقول التهذيب، وإنها لكلمة كبيرة تلخص نظريتنا كلها. أليست المسألة الحيوية التي تشغل عصرنا هي مسألة التربية؟ لهذا يجب علينا ألا نقيم نظاما جديدا على أساس العنف. ذلك لأن أي نظام يقوم على هذا الأساس لا بد أن يكون نظاما جائرا حتى ولو كان أفضل من سابقه. إن علينا أن نستعين بالقوة في هدم القوة الغاشمة التي تعترض الآن كالسعي في الإصلاح.

وبعد ذلك نبدي ما نعتقد أنه أفضل النظم لتبت الأمة فيما تبتغيه منها. وهي حرة في إبداء إرادتها. كما نعلم الأفراد بكل وسيلة ممكنة أن يتعهدوا ما يستقر عليه رأي الأمة، وأن يسيروا وفاقا له في أعمالهم. إن نظرية الحقوق تعيننا على أن نثور ونهدم الحوائل ولكنها لا تكفل وفاقا منيعا دائما بين جميع العناصر التي تتكون منها الأمة. إننا لن نصل بنظرية السعادة والرفاهة كغرض أولي للحياة إلا إلى تكوين رجال أنانيين يعبدون المادة وينقلون شهوات النظام القديم إلى النظام الجديد الذي لا يلبث أن يفسد في بضعة شهور. لذلك كان لزاما أن نتفقد مبدأ من مبادئ التربية يسمو فوق أمثال تلك النظريات ويرقى بالناس إلى مثل فضلى، ويعلمهم الجلد في التضحية، ويربط بينهم وبين إخوانهم دون أن يجعلهم يعتمدون على آراء رجل فرد، أو على قوة المجموع. هذا المبدأ هو الواجب.

يجب أن نقنع الناس أنهم - وهم أبناء رب واحد - يلزمهم أن يطيعوا قانونا واحدا في هذه الأرض، وأن كلا منهم يجب أن يعيش لا لنفسه بل لغيره، كما نعلمهم ألا يكون غرض حياتهم الحصول على قدر من السعادة قل أو عظم، بل أن يسعوا في تحسين وترقية حالهم وحال غيرهم من الناس. كما نذكرهم أن محاربتهم للظلم والضلال في سبيل نفع إخوانهم ليست حقا فحسب، بل واجبا حتميا عليهم أبد الحياة. ومن الإجرام أن يتهاونوا في نفاذ هذا الواجب.

أي إخواني عمال إيطاليا! أفهموا ما أقول فهما صحيحا صادقا. إذا قلت إن علم الناس بحقوقهم ليس كافيا في أن يعينهم على نفاذ أي إصلاح دائم أو يعتد به، فلست أسألكم أن تنبذوا هذه الحقوق، إنما أقصد أنها لا يمكن أن تتحقق إلا كنتيجة للواجبات النافذة، وأن على الإنسان أن يبدأ بالأخيرة كي يصل إلى السابقة. وإذا قلت أن اتخاذ السعادة أو الرفاهة أو المصلحة المادية غرضا للحياة، إنما يؤدي إلى إخراج أناس أنانيين، فلست أعني ألا تسعوا مطلقا وراء هذه الأشياء، بل أقرر أنه إذا جرى الناس وراء المصالح المادية فقط واعتبروها غاية لا وسيلة فإنهم يسوقون أنفسهم إلى هذه النتيجة السيئة الخطيرة: ذلك أنه لما أصبح الرومان الأقدمون في عهد الأباطرة لا يطلبون غير العيش واللهو تدهوروا إلى أحط دركات الشعوب. ولما استناموا إلى مظالم الأباطرة الوحشية الخرقاء كان حتما عليهم بعد ذلك أن يصبحوا عبيدا أذلاء للغزاة البرابرة.

وفي فرنسا وغير فرنسا كان أعداء أي تقدم اجتماعي يجهدون في نشر بذور الفساد، وتضليل عقول الناس عن مناحي التغيير، بتشجيع النزعات المادية، فهل لنا بعد ذلك أن نعين العدو بأيدينا! إن الإصلاح المادي ضروري. وعلينا أن نسعى في الحصول عليه لأنفسنا، ولكن لا لأن الأمر الفرد المحتوم على الإنسان هو أن ينعم بالطعام والمسكن، بل لأنكم لا تستطيعون أن تشعروا وشئ من الكرامة أو أي معنى من معاني سمو النفس إذا كنتم منهمكين كما أنتم الآن في مغالبة مستمرة للعوز والفاقة. أنتم تشتغلون عشرا أو اثنتي عشر ساعة في اليوم، فكيف تستطيعون أن تجدوا وقتا تثقفون فيه أنفسكم؟ وأكثركم لا يكاد يحصل من الرزق على ما يكفي لإعالتهم أو إعالة أسرهم، فكيف تستطيعون إذن أن تجدوا وسيلة لتثقيف أنفسكم؟ إن زعزعة خدمتكم وما يعتريها من فترات الانقطاع الكثيرة تتراوح بكم بين المجهدة والبطالة. فكيف تكتسبون عوائد النظام والمواظبة والمثابرة؟ وزهادة أرزاقكم تذهب أي أمل في توفير ما يكفي يوما ما لنفع أولادكم أو عونكم أنتم في شيخوختكم، فكيف يتيسر لكم أن تربوا فيكم خصائل الاقتصاد؟ بل إن كثيرين منكم تضطرهم الفاقة إلى أن يحرموا أطفالهم - لا نقول من مهاد التربية إذ أية تربية تستطيع نساء العمال البائسات أن يقدمنها لفلذات أكبادهن - بل يحرمونهم من حنان أمهاتهم ورعايتهن، ويرسلوهم في سبيل بضعة دريهمات إلى المصانع حيث يكابدون أعمالا ضارة بصحتهم. فكيف نأمل وهذه هي الحال أن تزهر المحبة العائلية ويسمو قدرها؟ وإذا كنتم محرومين من الحقوق المدنية ومن الاشتراك - سواء بالانتخاب أو بالتصويت - في القوانين التي تنظم أعمالكم وتتحكم في حياتكم فكيف تشعرون بفخار القومية وتحسون بأية غيرة على الدولة أو ولاء أكيد للقوانين؟ إن العدالة لا تسقط عليكم كما تسقط على الطبقات الأخرى فأنى لكم أن تتعلموا إجلال العدالة وحبها؟ إن المجتمع لا يعاملكم معاملة فيها شئ من العطف فأنى لكم أن تتعلموا العطف على المجتمع؟ فأنتم إذن في حاجة إلى تغيير في شؤونكم الحيوية يعينكم على رقيكم الأخلاقي، وأنتم في حاجة إلى الإقلال من العمل حتى تتوفر لديكم بضع ساعات من اليوم تنفقونها في تثقيف عقولكم ويلزمكم أن تعوضوا عن عملكم جزاء موفورا تدخرون منه ما يطمئن قلوبكم على المستقبل، ويطهر نفوسكم فوق كل شئ من الميل إلى الاقتصاص وعواطف الانتقام وشهوة النيل ممن تحامل عليكم ظلما وعدوانا. يجب أن تسعوا إذن من أجل هذا التغيير، ولا بد أن تحصلوا عليه، ولكن على أن يكون وسيلة لا غاية. جاهدوا من أجله لتصلحوا من أحوالكم لا لتحققوا سعادتكم المادية فحسب، وإلا فأي اختلاف يكون بينكم وبين طغاتكم؟ إنهم لم يكونوا طغاة إلا لأنهم لم يفكروا في شئ سوى الرفاهة واللذة والسلطان. ويجب أن يكون غرضكم الأسمى في الحياة ترقية حالكم. ولن تستطيعوا أبدا أن تخففوا من شقائكم إلا بإصلاح شؤونكم. أما إذا قصرتم جهادكم على تحقيق أغراض مادية أو إنشاء نظام خاص فلا بد أن يقوم بينكم آلاف من الطغاة. إن تغييرا يحدث في النظام الاجتماعي لا يكون له معنى إذا حملتم في قلوبكم أنتم وغيركم من الطبقات شهوات اليوم وأنانيته. إن النظم كبعض النباتات التي تخرج سما أو شفاء وفاقا للطريقة التي تستخدم فيها. لذلك نرى الرجال الأخيار يحيلون الأنظمة الفاسدة صالحة؛ بينما الرجال الأشرار يحيلون الصالحة فاسدة. وعليكم أن تقوموا الطبقات التي تجور عليكم اليوم قصدا أو عن غير قصد، وتقنعوهم بما عليهم من الواجبات. بيد أنكم لن تفلحوا في ذلك إلا إذا بدأتم بإصلاح أنفسكم ما استطعتم إلى ذلك سبيلا.

فإذا سمعتم إذن ناسا ينادون بضرورة انقلاب اجتماعي ويحدثونكم بأنهم قادرون على تحقيقه بدعوى حقوقكم فقط فاشكروهم على حسن مقاصدهم. ولكن أشفقوا من النتيجة. إن آلام الرجل الفقير معروفة - على الأقل - للطبقات المترفة ولكنها إن عرفتها فهي لا تحس بها.

ولقد كان من نتيجة عدم الاكتراث السائد الذي نشأ من عدم وجود عقيدة عامة كما كان من نتيجة الأثرة التي ولدتها مداومة التبشير زمنا طويلا بنظرية الرفاهية المادية؛ كان من نتيجة ذلك أن الذين لم يتذوقوا طعم الشقاء تعودوا على مر الأيام أن ينظروا إلى هذه الآلام كضرورة سيئة للنظام الاجتماعي، وأن يتركوا أمر علاجها للأجيال القادمة.

وليست الصعوبة في أن تقنعوهم، بل في أن تزيلوا عنهم كابوس الجمود، وأن تحفزوهم إذا ما اقتنعوا إلى العمل وإلى لم شعثهم، والتعاون معكم تعاونا أخويا في سبيل خلق نظام اجتماعي يكفل القضاء - إلى الحد الذي تجيزه ظروف الإنسانية - على آلامكم أنتم، وعلى مخاوفهم هم. والآن ندرك أن هذا من عمل الإيمان، الإيمان بالرسالة التي قدرها الله على الإنسان في هذه الدنيا. والواجب الذي يحتم على كل فرد أن يجاهد دوما باذلا التضحية الذاتية من أجل قضية الحق. أما نظريات الحقوق على شتاتها، ونظريات الرفاهية المادية فليس لها من أثر غير أن تحملكم على القيام بالمحاولات التي طالما بقيت منفردة موقوفة على قوتكم فحسب، فلن يقدر لها فلاح، فضلا عن أنها لابد أن تؤدي إلى ارتكاب أشنع الجرائم الاجتماعية بإثارتها حربا أهلية بين الطبقات.

أيها العمال الإيطاليون! أي إخواني! لما أتى المسيح وغير وجه الأرض لم يتكلم عن الحقوق، لا إلى الأغنياء الذين لم يكونوا في حاجة إلى الحصول عليها، ولا إلى الفقراء الذين ربما كانوا يسيئون استخدامها في مجاراتهم للأغنياء. لم يتكلم عن الفائدة أو النفعية إلى أمة أفسدتها الفائدة وأضرتها النفعية؛ إنما يتكلم عن الواجب. تكلم عن المحبة والتضحية والإيمان. قال: (يجب ألا يتصدر الناس إلا من أحسن بعمله إلى الناس أجمعين). فلما أن نفذت هذه الأفكار إلى سمع مجتمع لم يبق في فؤاده أي بريق في الحياة أحيته من جديد، وتسلطت على الملايين بل على العالم، ونهضت بتربية الجنس البشري نهضة جديدة.

أيها العمال الإيطاليون! أنا نعيش في عصر كعصر المسيح. أنا نعيش في وسط مجتمع فاسد شبيه بعصر الإمبراطورية الرومانية، ونحس في نفوسنا بضرورة تغييره وبعثه بعثا جديدا، ولم جميع أعضائه وعماله تحت راية إيمان واحد، وغرض واحد. أي أن الواجب علينا أن نرعى جميع المواهب التي أنعم بها الله على العباد، وأن ننشئها على غرار الحرية والتقدم، وأن نترسم حكم الله في الأرض كما في السماء. أو بعبارة أفضل أن تكون الحياة الدنيا إعداد للحياة العليا، وأن يسعى الناس ليدنوا حثيثا من الوحي الإلهي.

لقد كان كل عمل من أعمال المسيح يمثل العقيدة التي نادى بها؛ كما كان حوله رسل أخرجوا هذه العقيدة إلى حيز الوجود في كل أفعالهم. فسيروا على نهجهم، وسوف يكون النصر لكم. بشروا بالواجب إلى رجال الطبقات التي تعلوكم، وأدوا بقدر ما في مكنتكم واجباتكم أنتم. بشروا بالفضيلة والتضحية والمحبة، وكونوا أنتم مثل الفضيلة والتضحية والمحبة، أعلنوا في شجاعة عن حاجاتكم وآرائكم، ولكن في غير غضب أو حقد أو تهديد، إن أبلغ التهديد - إذا كان هناك من هو في حاجة إلى التهديد - لهو القول الرصين لا الفائز.

وإذ تنشرون بين أقرانكم فكرة عن حظوظكم المقبلة، فكرة عن الأمة التي ستكسبهم اسما وتربية وعملا وأجورا عادلة وتبعث فيهم شعور الكرامة وتبوئهم مراكز الرجال، وبينما تضمرون في نفوسهم نيران الحماسة للجهاد المكتوم الذي لابد أن يتأهبوا له حتى يفوزوا بتحقيق هذه الأماني، برغم جميع قوى حكومتنا السيئة، وبرغم الأجنبي. بينما تقومون بهذا كله فلا تنسوا أن تثقفوا أنفسكم، وتهذبوا أحوالكم، وتتذكروا واجباتكم وتؤدوها.

هذا واجب غير ميسور على الجماهير في جانب كبير من إيطاليا، ولا يمكن تحقيق خطة في التربية الشعبية في بلادنا بدون تغيير في حالة الشعب المادية. بل وبدون ثورة سياسية، والذين يخدعون أنفسهم فيجرون وراء ذلك الخيال وينادون به كتمهيد لازم لأي محاولة في التحرر إنما يدعون دعوة خرقاء ليس إلا. أما القلائل الذين يمتازون بينكم بظروف طيبة، ومكنهم الإقامة في البلد الأجنبية أن يكتبوا شيئا من وسائل التربية الحرة، فأولئك هم الذين يستطيعون أن يقوموا بهذا الواجب. ولذلك يتحتم عليهم أن يقوموا به، وهؤلاء القلائل إذا ما تشبعوا بالمبادئ الحقة التي ترتكز عليها تربية الأمة كانوا كفاية في أن ينشروا بين الألوف كنبراس يهديهم سبيلهم، وحصانة تحميهم من الأوهام والنظريات الخاطئة التي ستصادفهم في حياتهم.

(ترجمة)

عامر عبد الوهاب