مجلة الرسالة/العدد 686/نقل الأديب

مجلة الرسالة/العدد 686/نقل الأديب

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 08 - 1946



للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

848 - الفقير والغني

أبو بكر الخوارزمي

إن الفقير خفيف الظهر من كلُّ حق، منفك الرقبة من كلُّ رق، لا يلزمه أداء الزكاة، ولا تتوجه إليه غوائل النائبات، ولا يستبطئه إخوانه، ولا تطمع فيه جيرانه. ولا تنتظر في الفطر صدقته، ولا في النحر أضحيته، ولا في شهر رمضان مائدته، ولا في الربيع باكورته، ولا في الخريف فاكهته، ولا في وقت الجباية خراجه وعشره، فإنما هو مسجد يحمل إليه، ولا يحمل عليه، وعلوي يؤخذ بيديه، ولا يؤخذ من يديه، يتجنبه الشرطي بالنهار، ويتوقاه العسس بالليل وفي الأسحار، فهو إما غانم أو سالم. والغني إنما هو كالغنم غنيمة كلُّ يد سالبة، وصيد كلُّ نفس طالبة، وطبق موضوع على شارعه النوائب، ومنصوب على مدرجة المطالب، تطمع فيه الإخوان، ويأخذ منه السلطان، ويتطرق إليه الحدثان، ويتحيف ماله النقصان. . .

849 - العقل

شرح (أدب الكتاب) لموهوب الجواليقي:

. . . عن محمد بن المزربان عن شيخ له قال: قال الأصمعي: كانت العرب تقول: من كانت فيه خصلة أحمد من عقله فبالحرى أن تكون سبب هلاكه.

فحفظت الحديث، فحدثت به المدائني، فقال: هذا حديث حسن، وعندي آخر يشبهه، كانت العرب تقول: من لم يكن عقله من أكمل ما فيه، كان هلاكه من أيسر ما فيه.

فحفظت الحديثين، فحدثت بهما أحمد بن يوسف فقال: هذان حديثان حسنان، وعندي آخر يشبههما: كانت العرب تقول: من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان سريعاً إلى حتفه.

فحفظت الأحاديث، فحدثت بها أبا دلف فقال: هذه أحاديث حسان، وعندي حديث أحسن منها غير أنه لا يشبهها، كانت العرب تقول: كلُّ شيء إذا كثر رخص إلا العقل فإنه إذ كثر غلا.

فحفظت الأحاديث فحدثت بها الحسين بن علي الكوكبي فقال: كان الحسن يقول: ما تم دين رجل حتى يتم عقله.

وبعد، فقد قال ابن السماك: من لم يتحرز من عقله بعقله هلك من قبل عقله.

850 - العاقل يعلو على همه وحزنه

إرشاد الأريب: قال أبو حيان:

كان يختلف إلى مجلس أبي سعيد (السيرافي) على بن المستنير، وكان أبو سعيد يعرف له تقدمه على كثير من أصحابه، وكان يرجع إلى وطأة خلق، وحسن عشرة، وحلاوة كلام، وفقر مدقع ومعيشة ضيقة وكثرة عيال ومؤنه مع نشاط القلب، وثبات النفس، وطلاقة الوجه، وكثرة المرح. وقرأ يوما على أبي سعيد ديوان المرقش، وأخذ خطه بذلك، وعجل الانصراف من عنده، فقال أبو سعيد: أين عزمت؟ قال: أذهب لأصلح أمر العيال. فدعا له بالرزق والسعة. فلما انصرف قلنا له: هذا الرجل مع ما هو فيه لا يعرف الحزن في وجهه، ولا يشتد همه، ويقدر على دفعه. فالتفت بعضهم فقال: أيها الشيخ، وراءه حال يخفيها عنا، ويطويها منا.

قال (أبو سعيد):

ما أظن الأمر على ذلك، لكن الرجل عاقل، والعاقل يعلو على همه وحزنه فيقهرهما بعقله وعلمه، والجاهل يشتد همه وحزنه، ويرى ذلك في وجهه، ولا يقدر على دفعه لجهله.

فاستحسنا ذلك وأثبتناه.

851 - أوادم

في (اللزوميات):

وما آدم في مذهب العقل واحدا ... ولكنه عند القياس أوادم

جائز أن يكون آدم هذا ... قبله آدمْ على إثر آدم

في (روح المعاني) تفسير الألوسي:

ذكر صاحب جامع الأخبار من الإمامية في الفصل الخامس عشر أن الله خلق قبل أبينا آدم ثلاثين آدم، بين كلُّ آدم وآدم ألف سنة، وأن الدنيا بقيت خرابا بعدهم خمسين ألف سنة، ثم عمرت خمسين ألف سنة، ثم خلق آدم.

وروى ابن بابوية في كتاب التوحيد عن الصادق: لعلك ترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم، بلى والله لقد خلق ألف ألف آدم، أنتم في آخر أولئك الآدميين.

في (مفاتيح الغيب) تفسير الرازي:

نقل في كتب الشيعة عن محمد بن على الباقر عليه السلام أنه قال: قد انقضى آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم أو أكثر. في (الفتوحات المكية) لابن عربي:

لقد أراني فيما يرى النائم وأنا طائف بالكعبة مع قوم من الناس لا أعرفهم بوجوههم، فأنشدني بيتين ثبت على البيت الواحد، ومضى عني الآخر، فكان الذي ثبت على من ذلك:

لقد طفنا كما طفتم سنينا ... بهذا البيت طرا اجمعينا

فتعجبت من ذلك. فقال لي واحد منهم وتسمى لي باسم لا أعرف ذلك الاسم قال لي: أنا من أجدادك، قلت له كم لك مذ مت؟ قال: بضع وأربعون ألف سنة. فقلت له: فما لآدم هذا القدر من السنين. فقال لي: عن أي آدم تقول؟ عن هذا الأقرب إليك أو عن غيره. فتذكرت حديثاً عن رسول الله أن الله خلق مئة ألف آدم. فقلت قد يكون ذلك الجد الذي نسبني إليه من أولئك.

802 - الحوائج بين إمامين

في (المخصص) لابن سيدة:

قال محمد بن يزيد: (أما قولهم في حاجة حوائج فليس من كلام العرب على كثرته على ألسن المولدين، ولا قياس له) وهو في هذا القول متبع الأصمعي لأن لأصمعي قال: خرجت الحوائج عن القياس فردها، وقد غلطا معا، على أن الأصمعي رجع عن هذا القول فيما حكى عنه ابن أخيه والرياشي، وذكرا أنه قال: هي جمع حائجة. وقال أبو عمر: في نفسي منه حاجة وحائجة وحوجاء والجمع حاجات وحوائج وحاج وحوج وأنشد:

صديقي مدام ما يفرق بيننا ... حوائج من إلفاج مال ولا بخل

وأنشد أبو عبيده للشماخ: تقطع بيننا الحاجات إلا ... حوائج يعتسفن مدى الجريِّ

وأنشد غيره في نحو منه:

يا رب رب القلص النواعج ... مستعجلات بذوي الحوائج

ولو تشاغل أبو العباس بملح الأشعار ونتف الأخبار وما يعرفه من النحو كان خيراً له من القطع على كلام العرب، وأن يقول: ليس هذا من كلامهم. فلهذا رجال غيره، ويا ليتهم يسلمون أيضاً.

853 - أن أمالت عليّ عطفاً وجيراً

الطغرائي:

خبروها أني مرضت فقالت ... أضنى طارفاً شكاً أم تليداً

وأشاروا بأن تعود وسادي ... فأبت - وهي تشتهي - أن تعودا

وأتتني في خيفة وهي تشكو ... ألم الوجد والمزار البعيدا

ورأتني كذا فلم تتمالك ... أن أمالت على عطفاً وجيدا

854 - أعمى، ومفلوج، وأقطع

اجتمع على شراب في بعض الحانات أعمى ومفلوج وأقطع فقيل للأعمى: غن، فغنى:

إني رأيت عشية النّفْرِ ... حورا نفين عزيمة الصبر

فقيل: ويلك كيف رأيت وأنت أعمى؟ وقيل للمفلوج: غن فقال:

إذا أشتد شوقي وهاج الألم ... عدوت على بابكم في الظلم

فقيل: مفلوج يعدو! لا تكذب. وقيل للأقطع: هات غن، فقال:

شبكت كفي على رأسي وقلت له ... يا راهب الدير هل مرت بك الإبل

فقالوا: أنت أكذبنا وأجودنا غناء. . .

855 - وما يفيدني إذا حزنت؟

إرشاد الأريب: عبد الوهاب بن غالب عن الشريف أبي العلاء ابن التقي قال: قدم إلى واسط في بعض الأعوام عسكر الأعاجم، فنهبوا قطعة من البلد، ونهبوا دكان الشيخ أبي على بن مختار، ونزلوا بداره، قال الشريف فدخلت معه إليهم نستعطفهم أن يردوا عليه بعض ما أخذوه منه، فلم نر لذلك وجهاً، وخرجنا وهو يقول:

تذكرت ما بين العذيب وبارق ... مجر عوالينا ومجرى السوابق

ثم التفت إلى فقال: ما العامل في الظرف في هذا البيت؟ فقلت له: يا سيدي، ما شغلك ما أنت فيه عن النحو والنظر فيه؟ فقال: يا بني، وما يفيدني إذا حزنت؟. .